يتراءَ للكثير إن الاقتصاد من العلوم المعقدة التناول.. وان الإطار النظري الأكاديمي يتضاءل الاستشهاد به في حل عُقَد الاقتصاد على أرض الواقع.. وهذا ما يميل إليه بعض المهتمين بمراقبة الأسواق والتضخم وأسعار العملات، قد يكون الأمر من الناحية النسبية منطقي حالة القياس النظري بما هو ملامس للواقع، بالفعل ويتراجع الاستشهاد به (القياس النظري الأكاديمي) عندما نستغرق في التفاصيل التي تُزيل الغبش.. وتدنوا بنا نحو حقيقة معوقات التلقي التي بسببها يستشكل على البعض الربط الرصين لتفسير اقتصاد الواقع.. الذي تستشعره الأسرة ورجل الشارع العادي وأصحاب المشاريع الصغيرة.. لكن ليس لديها تفسير سوى القولة المشهورة (العرض والطلب)، بالطبع ثمة عوامل متاحة المعرفة لأسباب تدهور الحالة الاقتصادية.. وأخرى غير مباشره يلتقطها المهتمون بالشأن السياسي وأبعاده.. ومن لديهم قدره الربط والاستقراء، لكن تظل مفاهيم الازدهار الفعلي الاقتصادي مرهونة بمثلث متساوي الأضلاع.. الحرية السياسية الحرية المدنية، والسيادة بمعناها الشمولي.

الثلاثية التي أشرنا إليها أضلاع مركزيه للأخذ بأسباب التفوق الاقتصادي.. يتفرع منها عوامل أخرى ثانوية لكنها مهمة وقد ينبني عليها تراجع وقتي قد يحمل سوء العواقب إذا زاد مداها.. وسنأتي لاحقًا بالمثال الذي يعزز هذا التشوّف، والاستشهاد ببعض الأكاديميين المعتبرين أمثال الأميركي (ميلتون فريدمان) والبلجيكي (ديفيد فان ريبروك)، وكيف أن الثغرات في النظام الديمقراطي أحد المعوقات الغير مباشره التي تتراجع معها منظومة العدالة الاجتماعية.. وتداول رأس المال لدى فئة محددة، التي بدورها تستغل رأس مالها لخوض الانتخابات.. ومن ثَمَّ تستحوذ على النصيب الأكبر من المقاعد البرلمانية.. وتُشرّع بما تقتضيه المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العليا للجماهير، وهذه الأخيرة للإسلام فيها القول الفصل الذي يراعى فيه مصلحة الأمة.

جدير بالإشارة أن السيادة التي هي من أهم مقاصد النهوض الاقتصادي.. ليست المقصود بها سيادة الدولة وسيادة قرارها الإستراتيجي فقط.. بل أيضًا سيادة تقاصم بين (الحكومة) و(الشعب).. فلا سيادة مُطلقه للحكومات فتتغول فينتج عنها جمود يتمخض عنه أزمات لا حصر لها للحقوق المدنية، والمنطقة العربية أمثله صارخة معبره عن هذا التوجه بعنف، وسنُعرج على هذه الجزئية لاحقًا بشواهد.

القمع السياسي من الأسباب التي تتمخض عنها عرقله الحركة الاقتصادية كالإنتاج الذي يواجه معضلة السيولة.. ليس هذا فحسب بل حرية التسويق.. والبيروقراطية التي تُصعّب ديناميكية الإنتاج.. وبوجهٍ خاص المشاريع الإنتاجية البسيطة المحدودة.. الذي يترتب عليه فشل غالبية المشاريع الأهلية الصغيرة التي تثقل عليها النُظم الاستبدادية بفرض ضرائب تفتقر للنسبة والتناسب المنطقي، هذه استشهادات موجزه وسنأتي عليها بتفصيلات من أرض الواقع.. وعوامل أخرى نراها من معوقات النهوض بالاقتصاد.. كالحروب، والتبعية، وسيطرة رأس المال، واصطدام الإرادات في الدولة الواحدة، في الجزء التالي بمشيئة الله.

الثاني من ذو الحجة 1444

العشرين من يونيو 2023