محمد إلهامي

في هذه اللحظة من سكون الليل، طالب يعكف على كتابه، وعابد منتصب في محرابه، ونائمٌ ترك روحه بين يدي الله لا يدري أحد هل ستعود إليه أم أنها نومته الأخيرة!

 

وراقصة تتثنى، ومخمور يترنح، ولصٌّ يترقب ويتسلق، وقاطع طريق يتربص، ومرابط على الثغور باتت عينه تحرس في سبيل الله..

 

وأسير يُعَذَّب، وعدوٌّ لله يُعذبه ويستذله.. وفي الخارج: عدوٌّ لله يحرس قلعة التعذيب، يسهر في سبيل الشيطان..

 

ومسلم قام مفزوعا، قد اقتحم عليه بيتَه كلب من كلاب أهل النار، من شرطة السفاحين المجرمين، وأغراض تُفَتَّش، وأثاث يُحَطَّم، وقلوبٌ تكاد تطير من الخوف..

 

في سكون الليل.. قبر يُعَذَّب، وقبر يُنَعَّم.. وأقدار مستورة، وغيوب محجوبة، ومستقبل يولد، أجنّة تتحرك في الأحشاء لا يدري أحدٌ ماذا تحمل معها من أسرار الأيام..

 

كل هذا مسجل ومكتوب ومحفوظ ومرصود، لا يتوقف تسجيل الملائكة، ولا تتوقف مراقبة الملك الأعلى الذي لا تخفى عليه خافية، ولا تأخذه سنة ولا نوم..

 

القلوب إليه مفضية.. والسر عنده علانية.. يملك القلوب والنواصي.. لا يقع شيء إلا بعلمه وقدره.. لا يخرج مخلوق عن سمعه وبصره!!

 

وقد أحسن القائل:

 

يا من يرى مدَّ البعوض جناحها

في ظلمة الليل البهيم الأليل

..

ويرى مناط عروقها في نحرها

والمخَّ من تلك العظام النُّحَّل

..

ويرى خرير الدمّ في أوداجها

متنقلا من مفصل في مفصل

..

ويرى وصول غذا الجنين لبطنها

في ظلمة الأحشا غير تمقل

..

ويرى مكان الوطء من أقدامها

في سيرها وحثيثها المستعجل

..

ويرى ويسمع حسَّ ما هو دونها

في قاع بحرٍ مظلم متهوّل

..

امنن علي بتوبة تمحو بها

ما كان مني في الزمان الأول

من محمد إلهامي

باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية