متى يُعلنون وفاة العرب

متى يُعلنون وفاة العرب

 

 

أنا منذ خمسينَ عامًا،

أراقبُ حالَ العربْ.

وهم يرعدونَ، ولا يُمطرونْ…

وهم يدخلون الحروبَ، ولا يخرجونْ…

وهم يعلِكونَ جلود البلاغةِ عَلْكًا

ولا يهضمونْ…

أنا منذ خمسينَ عامًا

أحاولُ رسمَ بلادٍ

تُسمّى – مجازًا – بلادَ العربْ

رُسِمَت بلون الشرايينِ حينًا

وحينًا رُسِمت بلونِ الغضبْ.

وحين انتهى الرسمُ، ساءلتُ نفسي:

إذا أعلنوا ذاتَ يومٍ وفاةَ العربْ…

ففي أيِ مقبرةٍ يُدْفَنونْ؟

ومَن سوف يبكي عليهم؟

وليس لديهم بناتٌ…

وليس لديهم بَنونْ…

وليس هنالك حُزْنٌ،

وليس هنالك مَن يحْزُنونْ!!

أحاولُ منذُ بدأتُ كتابةَ شِعْري

قياسَ المسافةِ بيني وبين جدودي العربْ.

رأيتُ جُيوشا…ولا من جيوشْ…

رأيتُ فتوحًا…ولا من فتوحْ…

وتابعتُ كلَ الحروبِ على شاشةِ التلْفزةْ…

فقتلى على شاشة التلفزةْ…

وجرحَى على شاشة التلفزةْ…

ونصرٌ من اللهِ يأتي إلينا…على شاشةِ التلفزةْ…

أيا وطني: جعلوك مُسلْسلَ رُعْبٍ

نتابعُ أحداثهُ في المساءْ.

فكيف نراكَ إذا قطعوا الكهْرُباءْ؟؟

أنا…بعْدَ خمسين عامًا

أحاولُ تسجيل ما قد رأيتْ…

رأيتُ شعوبًا تظنّ بأنّ رجالَ المباحثِ

أمْرٌ من اللهِ…مثلَ الصُداعِ…ومثل الزُكامْ…

ومثلَ الجُذامِ…ومثل الجَرَبْ…

رأيتُ العروبةَ معروضةً في مزادِ الأثاثِ القديمْ…

ولكنني…ما رأيتُ العَرَبْ!!…

———

نزار قباني