(كوني له أمة يكن لك عبدا)

منذ قرأت هذه الجملة التى قالتها (أم إياس) لابنتها يوم زواجها، وأنا أتعجب من مظاهر الاحتفاء بها، فى دروس النساء بالمساجد، وبعض مقالات صحف المرأة، وغير ذلك من السياقات وكأن هذه الأم الطيبة حققت سبقا أو إنجازا لا يبارى!!!

أتعجب من هذه الجملة تحديدا دون باقي وصية أم إياس، ففي كثير مما جاء بها من نصائح معان جميلة تجسد حسن التبعل بشكل عملي.

أما هذه الجملة فهي، في رأيي،  تتعارض تماما مع مبدأ الكرامة الإنسانية ومقاصد الزواج.

لقد خلقنا الله أحرارا..قمة حريتنا في عبوديتنا له وحده لا لزوج أو حاكم أو أي شخص يمتلك ميزات تمنحه مكانة فوقية، كما جعل الخالق الحكيم الزواج تكاملا بين شقي نفس واحدة لا علاقة سجين بسجان أو عبد بسيد، فلا الزوجة أمة ولا الزوج عبد..كلاهما إنسان كامل الأهلية والتكريم، ولعل هذه المرأة كانت حسنة النية حين أورثت أجيال النساء من بعدها فكرة(تأليه الزوج) ولكن النية الطيبة لا تصلح العمل الفاسد و(كوني له أمة يكن لك عبدا) منطق تأباه الفطرة القويمة وتأنفه كل الكائنات التي خلقها الله من زوجين اثنين وقد نكتشف حين نتأمل حياة الحيوانات أنه حتى الأسد ملك الغابة لا يقهر أنثاه أو يستعبدها أو يعاملها كأمة.

ومن هذا المنطلق أيضا أفهم معنى(عوان عندكم) في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لرجال المسلمين بنسائهم، فهو وصف غايته ترقيق قلوب الرجال وتذكيرهم بأن نساءهم أسيرات في بيوت الزوجية، حبسن أنفسهن عن كل الرجال، إلاكم ورضين بقيود الميثاق الغليظ، وفى مقابل هذا الأسر المعنوي على الرجال أن يتقوا الله فيهن ويرفقوا بهن ويشعروهن بأن قفص الزواج قضبانه سكن ومودة ورحمة، وسجانه هو الحامي لتلك الأسيرة، القوام على مصالحها واحتياجاتها المادية والنفسية لا المتسلط عليها، المستبد بها.

 لا تكوني له أمة عزيزتي الزوجة، فلست أمة إلا لخالقك، بل كوني شريكة وصديقة ومستشارة ولا تكن، لها عبدا، فلست عبدا عزيزي الزوج إلا لله، بل كن قواما وحاميا وراعيا.

إن البيوت التي رسمت أم إياس صورتها والزيجات التي حصرتها في علاقة بين أمة وسيد لن تنتج إلا أجيالا من الأرقاء والعبيد.. لا يحمون دينا ولا يبنون أوطانا ولا يورثون إلا الذل والاستعباد.

أتفهم منطق أم إياس ولكنني أرفض تعميمه وتلقينه لبناتنا، وكأنه قمة مقاصد الزواج، وأعظم غاياته، فحتى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرا أحدا ان يسجد لغير الله لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها) هو قول بلاغي لا يترتب عليه حكم شرعي، كما أن لو حرف امتناع لامتناع، فلا النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الزوجة بالسجود لزوجها، ولا السجود لغير الله جائز.

لو كنت مكان أم إياس، لقلت لابنتي يوم زواجها: كوني له سكنا يكن لك وطنا..فكلاهما موحيان بمعاني الأمان والانتماء والراحة والحماية والمشاركة والألفة، يستحقان الحفاظ عليهما والذود عنهما، مثلما يدافع الإنسان عن بيته ضد اللصوص وعن وطنه ضد الأعداء.

أما الأمة والعبد فمفهومان يهبطان بعلاقة الزواج المقدسة إلى حضيض الذل والقهر والاستبداد، ويقدمان لكل من لا يردعه دينه، أو ينبهه ضميره غطاء شرعيا لأية سلوكيات تنطوي على هذه المعاني التي تشوه أقدس العلاقات.

وحتى حين نتأمل السياق الذي جاء فيه أمر الله للأبناء بخفض جناح الذل للوالدين، نجده سياقا حانيا جميلا.. سياق الرحمة لا العبودية وشتان بينهما.

أتخيلك يا أم إياس فاغرة فمك من الدهشة والذهول، تقسمين بأنك لم تقصدي هذا المعنى بمقولتك الشهيرة. وأصدقك ولكن كم من مقولات نتوارثها، ومعها ظلالها وإيحاءاتها السلوكية التي تتحول معها تلك المقولات من كلمات قالها أصحابها بحسن نية إلى مفاهيم كارثية خطيرة.

مع كل احترامي ومحبتي لأم إياس، تلك المرأة الطيبة الحريصة على استقرار ابنتها وحفاظها على زوجها حتى لو كان الثمن حريتها.. تلك الحرية التي هي قوام الآدمية والتكريم الإلهي لبنى الإنسان، رجالا ونساء.