في مثل هذا اليوم: 31 ديسمبر 1999..24 رمضان 1420 هـ

20 عاما على رحيل العلّامة والمفكر الإسلامي الكبير “أبو الحسن الندوي”

رحلَ العلّامة (أبو الحسن الندوي) الهندي الأصل.. ولم أعلم بوفاته، إلا في العدد التالي من جريدة “الشعب” المصرية التي كانت تصدر مرتين في الأسبوع،

وجدتُ جريدة الشعب، تنعي الشيخ في صفحتها الأولى، وكنتُ قد انتهيت من قراءة كتابه الشائق (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) الذي يعتبر دُرّة الكتب الإسلامية التي صدرت في القرن الماضي، و(نظرات في الأدب) و (قصص من التاريخ الإسلامي)
فكتبتُ هذه الأبيات التي تعتبر من شعر البدايات، (ارتجالا) على الأطراف البيضاء من جريدة الشعب، في دقائق:

 

أبو الحسن الندوي

 

 

نجمٌ هَـوَى

والقارعاتُ على مناقير الحَمامْ

من ألفِ عامْ

تسَّاقط ُ الأفلاكُ من تِـيـهِ السّـمَا

وكأنما

ريحُ الخريفِ على خياشيم الربيعْ

ولربما

ناحت على الأيكِ القماري والحَمائـمْ

والطيرُ أفْــرَخَ في العمائـمْ

فـتـثـقـبـت كلُ الرئاتْ

مَـن قال ماتْ ؟!

وهو الذي من نصفِ قرنٍ قالها

يا ردةً ولا أبا بكرٍ لها

فحملتَ حُـزنكَ في يديكْ

وجعلتَهُ حِكـرًا عليكْ

***********

فـتـأدبي يا “الهِـنْـدُ” ذاك أبو الحَسَنْ

وَتَـوَشَّحِي كالراهباتِ على رؤوسِ العالمينْ

خَسِـرَ الورى منذ انحطاط المسلمينْ

***********

هَـذِي جبالُ المِلحِ في الجُـرحِ العنيدْ

والمِلحُ يحلـمُ بالمزيدْ

وسفينةُ الموتِ المسافرِ لا تنامْ

والناسُ من فوقِ المرافيءِ يحلمون لألفِ عامْ

****************

يا شيخَنا مَـنْ للسفينةِ والعُـبابْ ؟

يا طَـوْدَنا إنَّا يتامَــى فانـتـظـرْ

إنَّا هنا الغرباءُ في الزمنِ الغريبْ

****************

يا أيها الموتُ الرهيبْ

اُرْسُـمْ على الكـفَّـينِ مـئـذنةً وجامعْ

واكتب عليها إنها…

كانت هنا يومًا أصابعْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ

يناير 2000

 

– مفكر إسلامي وداعية هندي، وُلد بقرية تكية، مديرية رائي بريلي، الهند عام 1333هـ/1914م، وتوفي في 31 ديسمبر 1999 الموافق 23 رمضان 1420هـ.

– “عليٌّ أبو الحسنِ بنُ عبد الحي بن فخر الدين الحسني” ـ ينتهي نسبه إلى عبد الله الأشتر بن محمد ذي النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي ابن أبي طالب.. هاجر جده وهو الأمير قطب الدين محمد المدني إلى الهند في أوائل القرن السابع الهجري.

– أبوه عبد الحي بن فخر الدين الحسني، صاحب المصنَّفات المشهورة: “ نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر في تراجم علماء الهند وأعيانها” في ثماني مجلدات عن أعلام المسلمين في الهند، ويلقّب بـ “ابن خلكان الهند”.
أما أمّه فكانت خير النساء، شريفة النسب، شاعرة، عابدة، حافظة للقرآن، ومؤلّفة للكتب.

– تولّى أخوه عبد العلي تربيته بعد وفاة والده وهو في التاسعة من العمر، فحفظ القرآن، وعندما بلغ الثانية عشرة من عمره درس العربيّة والأدب العربي، وأتقن الإنجليزيّة والفارسيّة، إلى جانب لغته الأورديّة، ثم أكمل تعليمه في دار العلوم بندوة العلماء، ودار العلوم في ديوبند، وجامعة لكهنؤ

– عمل مدرّسًا بدار العلوم في لكنهؤ مدّة عشر سنوات، واشتغل بالصحافة، وساهم في تحرير مجلّة «الضياء» التي تصدر بالعربيّة، ثم ترأس تحرير مجلّة «الندوة العلميّة» التي كانت تصدر عن ندوة العلماء بالأورديّة،

– أسّس جمعيّة لنشر الإسلام بين الهنود، وتولّى رئاسة جامعة دار العلوم «ندوة العلماء» وأنشأ المجمع الإسلامي «أكاديمية البحوث الإسلاميّة» سنة (1959م)، وأسس حركة «رسالة الإنسانية» عام (1951م)، وأسس المجمع الإسلامي العلمي في لكهنؤ عام (1956م)، وشارك في تأسيس هيئة التعليم الديني للولاية الشمالية عام (1960م)، وفي تأسيس المجلس الاستشاري الإسلامي لعموم الهند عام (1964م)، وفي تأسيس هيئة الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند (1972م)، وفي تأسيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية (1986م).

– كان – رحمه الله – يرى أن الأحداث التي عاصرها وعلى رأسها سقوط الخلافة، دعمت إيمانه بأن الإسلام لابدّ أن يتولّى الزمام لإنقاذ العرب والعالم، لأن الحل الوحيد لمأساة الإنسان يكمن في تحوّل قيادة العالم إلى أيد مؤمنة بقيم الإنسانيّة،

– كان الشيخ الندوي كاتبًا غزير الإنتاج، صاحب منهج متميّز عن غيره من المفكّرين والباحثين المعاصرين بسبب معرفته لعدد من اللغات كالعربيّة والأورديّة والإنجليزية والفارسيّة، وسعة إطلاعه على مصادر الحضارات غير الإسلاميّة، فضلًا عن تعمقه في التاريخ الإسلامي، فبلغت مؤلّفاته 176 ما بين رسالة وكتاب وبحث، تميّزت كلّها بالغوص العميق في تفهم أسرار الشريعة، والتحليل العميق لمشاكل العالم الإسلامي.

– من أبرز المؤلفات العربية: «نظرات في الأدب»، «روائع إقبال»، «شخصيات وكتب»، «في مسيرة الحياة»، «قصص من التاريخ الإسلامي»، «قصص النبيين»، «روائع من أدب الدعوة»، «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين».

الرحيل:

في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك 23 رمضان (1420هـ)، وفي يوم الجمعة، وفي آخر يوم من السنة الميلادية التي يعتبرها الكثيرون نهاية القرن العشرين،31 ديسمبر 1999… وقبل صلاة الجمعة، وقد توضأ الشيخ واستعد للصلاة، وشرع في معتكفه يقرأ سورة الكهف من كتاب الله تعالى، كما تعوّد كل جمعة، وافى الأجل المحتوم العلم المفرد، والداعية الرباني، والعلامة المتميز، شيخ الأمة ولسانها الناطق بالحق، عن عمر يناهز 86 عاما.

وصيته:

أيها العرب: أيها السادة ! إنَّ الإسلام الذي جاء به محمد العربي صلى الله عليه وسلم هو منبع حياتكم، ومِنْ أُفُقه طلع صبحُكم الصادق، وأن الـنبـي صلى الله عليه وسلم هو مصدر شرفكم وسبب ذكركم، وكل خير جاءكم – بل وكل خير جاء العالم – فإنَّما هو عن طريقه وعلى يديه، أبى الله أن تتشرفوا إلا بانتسابكم إليه وتمسُّكِكُم بأذياله والاضطلاع برسالته، والاستماتة في سبيل دينه، ولا رادَّ لقضاء الله ولا تبديل لكلمات الله، إن العالم العربي بحرٌ بلا ماءٍ كبحر العَروض حتى يتخذ محمد صلى الله عليه وسلم إماماً وقائداً لحياته وجهاده، وينهض برسالة الإسلام كما نهض في العهد الأول، ويخلـِّص العالَم المظلوم من براثن مجانين أوروبا- الذين يأبون إلا أن يقبروا المدنيَّة وقضوا على الإنسانية القضاء الأخير بأنانيتهم واستكبارهم وجهلهم- ويوجِّه العالم من الانهيار إلى الازدهار، ومن الخراب والدَّمار والفوضى والاضطراب، إلى التقديم والانتظام، والأمن والسلام، ومن الكفر والطغيان إلى الطاعة والإيمان، وإنه حق على العالم العربي سوف يُسألُ عنه عند ربه فلينظر بماذا يجيب؟!

من يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - رئيس القسم الثقافي