ظاهرة بعض العرب بخاصة الخليجيين الذين ينشرون صورا أو مشاهد على وسائل التواصل الاجتماعي ويعبرون عن “حبهم لإسرائيل” أو كراهيتهم للفلسطينيين، هم في نهاية المطاف أفراد لا يجوز بأي حال من الأحوال تحويلهم إلى “نقاط نقاش واسعة” وتعميم صورتهم على بقية شعوبهم، وهنا يجب التنبه لما يلي:

 

1- في دول الخليج هناك الآلاف من المعتقلين بسبب مواقفهم السياسية التي هي في جوهرها مساندة للحق الفلسطيني، فلماذا لا يكون هؤلاء هم محور الاهتمام بدلا من ردات الفعل الغرائزية على شواذ لا يمثلون مجتمعاتهم بل قد يكونوا اقرب لغرائزيين تحركهم دوافع ذاتية ونرجسيات معتلة؟

 

2- لو أجرينا استطلاعا للرأي العام الخليجي (أو غيره) لمعرفة موقف هذا المجتمع من الظاهرة الصهيونية والثقافة اليهودية سنجد أن النسبة الأعلى وبفارق كبير هي لصالح مساندة الحق العربي، ومن الجريمة السياسية أن نعمم مواقف الشواذ على المجتمع الخليجي، فلو سمحت الدول الخليجية لمجتمعاتها أن تقدم المساعدات المالية أو غيرها للفلسطينيين لتبين أن هذه المجتمعات هي أطهر من رذاذ النجس المتناثر هنا وهناك.

 

3- لو نظرنا إلى المواقف الواضحة لبعض القيادات الكويتية – على غرار مواقف رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم- أو السعوديين المعتقلين أو الجمعيات السياسية البحرينية … الخ، سنجد أن هذه القيادات التي اختارها الشعب لها مواقف لا تتسق ومحاولة بعض المتشنجين العرب أو الفلسطينيين تعميم صورة الشواذ على المجتمع الخليجي، إن صورة اليهودي في الذهن الخليجي هي صورة “الكريه” الذي لا تجعله “محبوبا” لمجرد تعبير شاذ عن غير ذلك.

 

4- الشواذ موجودون في كل المجتمعات، والذين ليس لديهم الرغبة في التضحية من اجل قضايا بلادهم هم أكثر مما نعتقد، ويكفي الإشارة إلى بعض الدراسات على أوروبا والتي دلت على أن بعض الدول تراوحت فيها نسبة غير المستعدين لتقديم أي تضحية للدفاع عن بلادهم بين 26% (فنلندا) إلى 46% (اليونان) إلى 85%(هولندا) (وذلك طبقا لاستطلاع رأي أجرته وكالة رويترز.. ويكفي العودة للدراسة الهامة لـ Prudence Han Tranduc وعنوانها: Solving the Adversities والصادرة عام 2018 وتشير إلى أن نسبة الذين يخونون أوطانهم في مراحل الاحتلال أو الهزائم تصل إلى 10 % كمعدل عالمي، وعليه فهي ظاهرة طبيعية لا يجوز فهمها فهما خاطئا، فبين الفلسطينيين هناك من الخونة ما يكفي، وفي كل الشعوب التي خضعت للاحتلال كانت ظاهرة الخيانة حاضرة (الحركيون في الثورة الجزائرية مثلا)، ومن بين هؤلاء نخب دينية وفكرية وفنية وسياسية… الخ.

 

وعليه أطالب بالكف عن الاهتمام بالشواذ والتركيز على القاعدة المجتمعية، وعدم المساهمة في التعميم لكي لا نقع في فخ النفخ في نيران الشقاق، بل لا بد من ترك هؤلاء الشواذ لمجتمعاتهم .

من د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن