وافق البرلمان الأوكراني، يوم 19 يونيو الجاري، على قانونين يفرضان قيودا صارمة على تداول الكتب والموسيقى الروسية في إطار مساعي “كييف” لتحطيم ما تبقى من روابط ثقافية عديدة بين البلدين في أعقاب الاجتياح الروسي.

ويحظر أحد القانونين طباعة الكتب التي ألفها كتاب روس ما لم يتخل الكاتب عن جواز سفره الروسي ويحصل على الجنسية الأوكرانية. ولن ينطبق الحظر إلا على الذين حصلوا على الجنسية الروسية بعد انهيار الحكم السوفياتي عام 1991م.

كما سيمنع القانون ذاته الاستيراد التجاري للكتب المطبوعة في روسيا وروسيا البيضاء والأراضي الأوكرانية المحتلة، بينما سيتطلب استيراد الكتب المكتوبة بالروسية من أي دولة أخرى الحصول على تصريح خاص.

وسيحظر القانون الآخر تشغيل الموسيقى التي ألفها موسيقيون حملوا الجنسية الروسية بعد عام 1991م، بوسائل الإعلام ووسائل النقل العام، مع زيادة المحتوى الناطق بالأوكرانية والموسيقى المحلية في وسائل البث التلفزيوني والإذاعي.

ويحتاج القانونان توقيع الرئيس فولوديمير زيلينسكي ليدخلا حيز التنفيذ، لكن ليس هناك ما يشير إلى معارضته لهما.

تغيير أسماء المعالم

وقبل أسابيع قليلة، أطلقت حملات واسعة لتغيير أسماء الشوارع والمعالم المرتبطة بروسيا أو حليفتها بيلاروسيا، في خطوة تذكر بحملات مشابهة منذ عام 2014م، واستهدفت الحملات السابقة كل ما يرتبط بالعلاقات الروسية الأوكرانية في إطار السياسة والماضي السوفياتي المشترك، من تماثيل ونُصب وعناوين وأسماء تمجد الثورة البلشفية والرموز الشيوعية.

أما حملات اليوم فتستهدف مئات المواقع، بما يشمل كل المجالات والرموز الأخرى العلمية والثقافية والفنية، وكل ما يشير إلى عبارة “صداقة الشعوب” المنتشرة في جميع المدن،

من ذلك، على سبيل المثال، محطات مترو في كييف تحمل أسماء “مينسك” (التي ستتحول إلى “وارسو” وفق أحد الاقتراحات) وكذلك “صداقة الشعوب” والأديب “ليو تولستوي” و”أبطال معركة دنيبرو” خلال الحرب العالمية الثانية، وشوارع في كييف ومئات المدن الأخرى، تحمل أسماء “موسكو” والموسيقار تشايكوفسكي، والأديب بوشكين، والمفكر الأديب دوستويفسكي، وكثيرون غيرهم.

وقالت البروفيسورة سولوميا بوك، أستاذة اللغات بأكاديمية “الثقافة وأسلوب الحياة” بمدينة لفيف “واجبنا تكريم المدن الصامدة والداعمة، وأبطالنا الذين قضوا في المعارك. لن يكون بعد الآن أي ذكر لموسكو على الخريطة واللوحات الأوكرانية، كأسماء الجسور والأحياء والساحات وغيرها، بل لأبطال خيرسون وتشيرنيهيف وخاركيف وماريوبول ومدن إقليم دونباس”.

وتابعت البروفيسورة أن “هذا لا ينتقص من مكانة وأثر رموز الفن والعلم والأدب في روسيا، ولكن الأولوية اليوم للرموز والمواقف الأوكرانية”.

وتخطط عدة مدن لتنظيم فعاليات تحتفي بأسماء معالمها الجديدة بعد انتهاء الحرب، كمدينة لفيف غربي أوكرانيا التي تحتفل في السابع من مايو سنويا بـ “يوم لفيف” وكانت قد غيرت مؤخرا أسماء 30 شارعا فيها.

شطب الروسية من المناهج

ويعد استخدام الروسية من أكثر القضايا جدلا وسخونة على المستوى السياسي بين روسيا وأوكرانيا، فالأخيرة ترفض أن تكون لغة رسمية، وموسكو ترى أن في منعها “اضطهادا لحقوق الرعايا والأقليات”.

القيود المفروضة على استخدام الروسية كانت مركزة على أسماء الأماكن والمحلات والمعاملات الحكومية وغيرها، وهذه قيود برزت وبدأت بعد أحداث “الثورة البرتقالية” عام 2005، وتعززت بعد ما يسمى “ثورة الحرية والكرامة” عام 2014م، لتشمل حظر القنوات التلفزيونية والمواقع الروسية.

كما تشمل هذه “القيود” حتمية أن تكون الأوكرانية لغة وحيدة في جميع مؤسسات الدولة ومعاملاتها، وأساسية بالجامعات والمدارس ورياض الأطفال الحكومية، وهنا قد يكمن “الجدل الأكبر”.

وبالإضافة إلى الحملات الواسعة السابقة، تتعالى في أوكرانيا نداءات ودعوات لإلغاء مادة اللغة الروسية من المدارس مع حلول العام الدراسي في سبتمبر المقبل، حتى لا تكون لغة أجنبية إضافية في المناهج المعتمدة.

وعلى ما يبدو، تقابل هذه الدعوات بإيجابية كبيرة في الأوساط السياسية والشعبية، الأمر الذي تفسره البروفيسورة بوك بالقول “لا حدود للغضب والكراهية تجاه كل ما هو روسي اليوم بسبب العدوان. اعتماد الأوكرانية لغة رسمية وحيدة منذ 2014 حمى هويتنا وعزز وحدتنا، لدرجة أننا لم نشهد أي حراك انفصالي خلال هذه الحرب الأعنف”.

———–

المصدر : الجزيرة + رويترز