يبدو أن السعودية قد عزمت أمرها الشروع في إعداد سلاح ردع نووي إستراتيجي، كرد فعل على الممارسات الإيرانية وبوادر فشل تحقيق الاتفاق النووي المأمول في المدى القصير.

 

وأعادت تصريحات وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، التذكير باتجاه السعودية المحتمل لتطوير سلاح نووي باعتباره خيارا للردع، إزاء التقدم الكبير للبرنامج النووي الإيراني، لا سيما عقب فشل مفاوضات فيينا.

 

وعلى هامش مؤتمر السياسات العالمية بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، قال وزير الخارجية السعودي، الأحد، إن جيران إيران في الخليج سيتحركون لتعزيز أمنهم إذا امتلكت إيران أسلحة نووية.

 

وأضاف أنه “إذا حصلت إيران على سلاح نووي جاهز للعمل، سيكون من الصعب التكهن بما سيحدث”.

 

ولطالما أكدت السعودية نيتها تطوير سلاح نووي، في حال امتلاك خصمها الإقليمي إيران هذا النوع من الأسلحة الفتاكة.

 

وفي مارس 2018، قال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة لشبكة “سي بي إس” الإخبارية إن السعودية لا ترغب في حيازة الأسلحة النووية، “ولكن بدون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسنحذو حذوها في أسرع وقت ممكن”.

 

بعد أشهر من تصريحات محمد بن سلمان، أعاد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي في ذلك الوقت ،تكرار الرغبة السعودية بتطوير سلاح نووي، حال سعت إيران ذلك.

 

وقال الجبير في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الإخبارية، “سنفعل كل ما يلزم لحماية شعبنا. لقد أوضحنا أنه إذا حصلت إيران على القدرة النووية، فسنفعل كل ما في وسعنا لفعل الشيء نفسه”.

 

وجاءت تصريحات الجبير بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي لعام 2015، الذي كانت الإدارة الأمريكية الحالية تسعى للعودة إليه بعد وصولها البيت الأبيض.

 

تصريحات “أقل حدة”

ويرى الخبير الاستراتيجي السعودي، اللواء محمد بن صالح الحربي، أن “جميع السيناريوات مفتوحة” إزاء مسألة التسلح النووي السعودي.

 

وقال في حديث صحفي، إن “كل دولة (في المنطقة) تتخذ ما يحمي ويصون أمنها واستقرارها سواء عبر الأسلحة التقليدية أو النووية.. نحن متماشون مع المجتمع الدولي”.

 

وفي اتجاه مغاير، يستبعد زميل أبحاث سياسة الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، حسن الحسن، أن تتجه السعودية لتطوير سلاح نووي على الأقل في هذه المرحلة.

 

وفي سياق متصل، قال الحسن إنه “لا يوجد دليل واضح على اتخاذ السعودية أي خطوات ملموسة تجاه التسلح النووي”، مضيفا: “كما لا يزال برنامجها النووي السلمي يسير بخطى بطيئة، على الرغم من رفض السعودية التخلي عن حقها في تخصيب اليورانيوم أمام ضغوط أمريكية”.

 

بدوره، يتفق الكاتب والباحث السياسي السعودي، حسن المصطفى، مع رأي الحسن، مستبعدا أن يكون لدى بلاده نية تطوير أسلحة نووية، حتى وإن كانت وسيلة لردع الجار الإيراني.

 

وقال في تصريح صحفي، إن “السعودية لم تعلن تطوير سلاح نووي”، مرجعا ذلك لأسباب عدة من بينها أن المملكة “تحترم المواثيق والقوانين الدولية، ولقناعتها بضرورة وجود شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل”.

 

وتابع: “كما أنه يأتي لإدراكها (السعودية) أن السلام لا يمكن صناعته عبر التسلح النووي، وإنما من خلال التعاون والحوار البناء بين مختلف دول الشرق الأوسط، وتغليب لغة الدبلوماسية، وتدوير الزوايا والتركيز على المشتركات”.

 

ورغم اقتراب إيران بشكل غير مسبوق من العتبة التي يمكن لها تطوير القنبلة النووية، لا تعبّر التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية السعودي عن تغيّر ملحوظ في موقف المملكة من البرنامج النووي الإيراني، بحسب الحسن، الذي يرى أنها تصريحات “أقل حدة” من تلك التي أدلى بها ولي العهد السعودي عام 2018.

 

وأضاف أن “امتلاك السعودية القدرة على تصنيع رؤوس حربية نووية لو أرادت ذلك قد يتطلب سنوات عدة، كما سيعرضها على الأرجح لعقوبات غربية ودولية”.

 

والشهر الماضي، باشرت إيران إنتاج اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 بالمئة في مجمع فوردو، وهي نسبة أعلى بكثير من عتبة 3.67 بالمئة التي حددها الاتفاق بشأن برنامج طهران النووي مع القوى الكبرى.

 

يأتي ذلك بعد أن فشلت المفاوضات الدبلوماسية غير المباشرة التي كانت تهدف الولايات المتحدة منها إلى إحياء اتفاق 2015 الذي أبرم في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما عندما كان الرئيس الحالي، جو بايدن، نائبا للرئيس.

 

وقال فيصل بن فرحان إن المملكة تدعم جهود إحياء الاتفاق النووي الإيراني “شريطة أن يكون نقطة انطلاق وليس نقطة النهاية”، على الرغم من أن الرياض ما زالت “متشككة” تجاه الصفقة.

 

وفي هذا الإطار، قال الحربي إن عدم إشراك السعودية من الأساس في مفاوضات عام 2015 كان ” خطأ استراتيجيا”، على حد قوله.

 

ورغم المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، باتت فرص إحياء الاتفاقية التي وقعتها إيران مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا، ضعيفة جدا بعد أشهر من المفاوضات الشاقة.

 

في أواخر أكتوبر، قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، إن الأمل ضئيل بإحياء الاتفاق النووي بسبب الأوضاع التي يواجهها النظام الإيراني حاليا، في إشارة إلى الحركة الاحتجاجية التي تشهدها البلاد منذ حوالى 3 أشهر على خلفية وفاة الشابة، مهسا أميني، (22 عامًا) بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق في طهران.

 

ولطالما نفت إيران أن يكون لديها أي طموح لتطوير قنبلة ذرّية، مؤكّدة أن أنشطتها النووية هي للأغراض السلمية فقط.

 

وقال المصطفى إن “تطوير دول المنطقة لسلاح نووي، لم يحل المشكلات العالقة، وهذا أمر يجب أن تدركه القيادة السياسية في إيران، من أن ما يحل القضايا العالقة هو الحوار والتعاون الحقيقي وبناء علاقات اقتصادية وأمنية ودبلوماسية وثقافية مع جيرانها”.

 

خيارات محدودة

في معرض حديثه، وصف الأمير فيصل بن فرحان الوضع الراهن في المنطقة على أنه “خطير” قائلا: “نحن في وضع خطير للغاية في المنطقة … يمكنك أن تتوقع أن دول المنطقة ستدرس بالتأكيد كيفية ضمان أمنها”.

 

ويعلق المصطفى قائلا إن وزير خارجية المملكة “يشير إلى حال عدم الاستقرار في العلاقات بين إيران ودول الخليج العربية، ووجود المليشيات المسلحة في العراق، والحرب في اليمن، وعدم تجاوب الحوثيين حتى الساعة مع مبادرة السلام، وأيضا حال عدم الاستقرار في سورية وليبيا”.

 

ويشرح ذلك بقوله إن “هناك مشكلات عميقة يجب أن يعمل الجميع على حلها، فضلا عن مخاطر الإرهاب والتنظيمات الأصولية.. وجميعها قضايا ملحة على إيران أن تدرك أن خطرها ليس على دولة دون سواها”.

 

وفي تقرير اطّلعت عليه وكالة فرانس برس في نوفمبر، لفتت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بلغ 3673,7 كيلوغرامًا حتى 22 أكتوبر، بانخفاض 267,2 كيلوغرامًا عن التقرير الفصلي الأخير.

 

ويشمل هذا المخزون 386,4 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصّب بنسبة 20 بالمئة و62,3 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 بالمئة، علما بأن تطوير السلاح النووي يتطلب تخصيب بدرجة نقاء تصل إلى 90 بالمئة.

 

وأوضح الحربي أن “إيران وصلت لمراحل متقدمة من تخصيب اليورانيوم واقتربت من 90 بالمئة لإدخال المواد الانشطارية في الصواريخ”.

 

وعن الخيارات التي تملكها السعودية لردع جارتها إيران بعد تقدم برنامجها النووي، يعتقد الحسن أن المملكة لا تملك الكثير راهنا، لا سيما أن الرياض فقدت الثقة في استدامة الدور العسكري الأمريكي بالمنطقة، وفق قوله.

 

وأشار إلى أن ردع إيران “يتطلب الاعتماد على حزمة من الأدوات العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية، بالتنسيق مع جملة من الشركاء الدوليين والإقليميين، لا الاعتماد على أي خيار وحيد”.

الأمة ووكالات

من أبوبكر أبوالمجد

صحفي مصري، متخصص في الشئون الآسيوية