السيد أبو داود

كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يوظف المسلمين حسب إمكانات وقدرات كل واحد منهم، لتعود المنفعة على الإسلام والمسلمين وعلى المجتمع الإسلامي كله.

كان المسلمون لا زالوا ضعفاء في المدينة، قياسًا بمشركي مكة،

وكان في مكة العديد من المسلمين المستضعفين الذين لم يتمكنوا من الهجرة مع إنهم يتوقون لذاك،

كما كان بمكة العديد من أسرى المسلمين الذين أسرتهم قريش ولم يتمكن المسلمون من فك أسرهم.

مرثد يتميز بالقوة والسرعة

كان مرثد بن أبي مرثد الغنوي، ذا بنية جسدية قوية، حيث يتميز بالقوة والسرعة والقدرة على التحمل الزائد،

لذلك اختاره رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكلفه بمهمة خطيرة “مهمة خاصة”

وهي الذهاب إلى مكة وتحرير أسرى المسلمين والمستضعفين وحملهم إلى المدينة سرًا

(طبعًا واحدًا بعد الآخر.. أي إنه يحرر في كل مهمة واحدًا فقط)

ومعلوم أنه كان في هذه المهمة معرضًا للأسر أو القتل إن ظفر به المشركون،

كما كان يتجشم التعب والمشقة ذهابًا وإيابًا من المدينة إلى مكة مستخفيًا حاملًا معه الأسير،

الذي استطاع بمهارته وقدراته الخاصة أن يحرره من بين أيدي المشركين.

قام مرثد بما وُكِلَ إليه من مهام خير قيام، وكان عند حسن ظن رسول الله، صلى الله عليه وسلم،

واستطاع تحرير العديد من أسرى المسلمين والمستضعفين من مكة وحملهم إلى أملهم وغايتهم المنشودة في المدينة.

مرثد وعناق

في إحدى مهامه تلك، وبينما هو يختبئ ليلاً رأت امرأة ظله، فاقتربت منه وعرفته وقالت: مرثد؟ قال: نعم مرثد،

كانت هذه المرأة تسمى “عناق” وكانت على علاقة بمرثد في الجاهلية وقبل أن يهاجر،

فلمّا عرفته، دعته إلى أن يقضي الليلة معها، كما كان يفعل في الجاهلية،

ولكنه استعصم بدينه، وقال لها: يا عناق إن الله حرّم الزنا.

ولكن هذا الرد لم يُرضِها،

فقالت له: إما أن تبيت عندي أو أخبرن القوم بخبرك،

فلما رفض صاحت بأعلى صوتها كاشفة عنه: يا أهل مكة، هذا مرثد الذي يحمل الأسرى من مكة.

فتبعه ثمانية رجال من قريش، لكنه سلك طريقًا جبليًا انتهى به إلى كهف فدخله،

وجاءوا حتى أقاموا على رأسه، وعمَّاهم الله عنّه ثم رجعوا.

لم يكتف مرثد بذلك، بل انتظر قليلاً حتى هدأت الأمور ثم رجع مرة أخرى إلى مكة،

وحرر الأسير الذي كان يقصده، فحمله، رغم إن ذلك الأسير كان رجلًا ثقيلًا يُبطئ من خطاه، ويثقل كاهله،

حتى انتهى به إلى مكان خارج مكة، ففك عنه قيوده، ثم قَدِم به إلى المدينة، وأتم مهمته بنجاح.

لما أتى مرثد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استأذنه في أن يتزوج عَناقًا،

فأمسك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن إجابته حتى نزل قول الله عزّ وجلّ:

[ٱلزَّانِی لَا یَنكِحُ إِلَّا زَانِیَةً أَوۡ مُشۡرِكَة وَٱلزَّانِیَةُ لَا یَنكِحُهَاۤ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٍۚ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ]

النور: ٣،

فامتثل مرثد لأمر الله ورسوله، وصرف النظر عن هذه الزيجة التي رغب فيها.

رحم الله مرثدًا.. رجل “المهمات الخاصة”.. ورحم الله كل الأبطال والمجاهدين المسلمين..

الذين لم يتوانوا ولم يبخلوا بالدم والروح والمال عن خدمة هذا الدين العظيم..

اللهم اجمعنا بهم في مستقر رحمتك يا أرحم الراحمين..

واجعلنا يا رب من أهل “المهمات الخاصة” في خدمة الإسلام والمسلمين.

من السيد أبو داود

كاتب صحفي، مصر