السيد أبو داود، كاتب صحفي، مصري.

الإساءات لرسول الإسلام.. خسر ماكرون وقومه وربح المسلمون

اعتقد الحاقد المتطرف ماكرون ومن على شاكلته من قومه، الذين أكل الحقد على الإسلام والمسلمين قلوبهم، أنهم بإساءتهم لخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم سيكسبون جولة من الصراع مع المسلمين، أو سيوقفون انتشار الإسلام في بلادهم بعد أن يشوهوه بإساءتهم إلى مقدساته فيصرفون الناس عنه.. لكن هيهات لقد كان العكس هو الصحيح.. فقد انهارت حججهم وأكدوا للعالم أن مبادئهم التي يتشدقون بها ما هي إلا تناقضات تفضحهم.

لا يمكن التعلُّل بحريّة الرأي والتعبير لتبرير وتغطية هذه الإساءة، فالاعتداء على المقدسات الدينيَّة وجرح مشاعر أهل الأديان لا يندرج تحت هذه الحرية، بل هو وجه من وجوه الاعتداء على حقوق الإنسان بالاعتداء على مقدّسات هذا الإنسان، فالحرية ليست مطلقة وبلا حدود وإنما هي محدودة ومقيدة باحترام الآخرين وعقيدتهم ومشاعرهم ومقدساتهم، وعليه فعلى أنصار حقوق الإنسان والهيئات الأخلاقيَّة والدينيَّة وأهل الحكمة من العقلاء والمفكّرين في العالم أجمع التصدي لانتهاك المقدسات لأي دين من الأديان، هذه بديهية عقلية وعلمية وأخلاقية، ولا يختلف عليها عقلاء الغرب أنفسهم.

الحكومات الغربيَّة، التي دائمًا ما تعطي العالم دروسًا في القيم وفي الحرية والديمقراطية وخاصة حرية التعبير، يجب أن تتصدى لمثل هذه الأعمال التحريضيّة بحزم من خلال قوانين صارمة، لأن هناك فرقًا كبيرًا بين حرية التعبير التي يتذرع بها هؤلاء لبث سمومهم، وحرية الإساءة للمعتقدات والأنبياء، والمسلمين منهم على وجه الخصوص.

هذه الإساءات الغربية لمقدسات المسلمين، (وبشكل خاص الإساءة لرسول الإسلام ومبلغ الرسالة صلى الله عليه وسلم) تشكّل مناسبة لتداعي مؤسسات العلم الإسلامي لدراسة ظاهرة العداء والإساءة للإسلام ورموزه ومقدساته، لتحديد مصادرها، والعوامل التي تغذيها وتحركها، والسبل الفكريّة التي تدفعها، كما يجب زيادة الجهود التي تُعرِّفُ بحقيقة الإسلام، وبالتواصل مع الجاليات والمراكز الإسلاميّة في الغرب، لإيصال هذه الحقيقة إلى البلاد التي تصدر منها هذه الإساءات.

الحمد لله، أن من خصوصية الإسلام وعبقريته ومرونته، أنه يصوغ عقليّة المسلم ونفسيته بطريقة عملية تجعله يتعامل بكفاءة وإيجابية مع مختلف الظروف والمواقف العصيبة، وألا ينظر إلى الوراء، وألا تنكسر روحه وعزيمته، هكذا علمنا رسولنا وأستاذنا صلى الله عليه وسلم.

رغم أن الإساءات الغربيّة لشخص الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، تجرح كل مسلم، وتحزنه، إلا أننا نستطيع أن نتلمّس ونقيّم عناصر المكسب والخسارة، على المستويات السياسيَّة والفكريَّة والإعلاميَّة، لهذه الحملة الحقيرة من الإساءات.

إن ماكرون وفرنسا وداعميهم من الأوروبيين والأمريكان، في إساءاتهم لم يأتوا بجديد، وعلينا الرجوع لسيرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، لكي نتأكّد أن كفار اليوم ما هم إلا امتداد لكفار الأمس، فالكفر ملَّة واحدة، وفكر واحد، وثقافة واحدة، ونفسيّة واحدة، والذين كفروا برسولنا الكريم قديمًا وسبوه وشنعوا عليه وآذوه، لهم خلفهم وأتباعهم الذين يفعلون ذلك الآن.. فالغل وكراهية الإيمان ومحاربة الحق يفقدهم العقل والمنطق ولا يتبقى إلا عمل القلوب والمشاعر التي تملأها الكراهية والحقد. والذين أذوا حبيبنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم في حياته لم يضروه في شيئ وإنما خاب سعيهم وخسروا وانتصر الإسلام ورسوله وقيمه وانتشر في أصقاع الأرض وارتفعت راياته.

رغم الألم الذي أصاب كل مسلم، ورغم الغضب الذي اجتاح الأمة من جرّاء هذه الحملة العدائيّة المليئة بالكراهية، إلا إننا نستطيع أن نؤكد أن خسارة الغرب وأزلامه كانت مؤكدة نتيجة هذه الإساءات، بينما كانت المكاسب للأمّة بلا حدود.

على المسلمين أن يدركوا أن السباب لا ينتقص أبدًا من قدر المسبوب، لكنه بكل تأكيد ينتقص من قدر الساب، ويؤكد أنه ما قام بالسب إلا نتيجة غيظ أو كراهية لم يستطع كتمها، أو نتيجة نزال لم ينتصر فيه، فالساب قد أفرغ جعبته، وفعل كل ما يستطيع فعله في المسبوب، ومع ذلك لم يشف غليله ولم يحققْ أهدافه.

علينا أن ندرك أيضًا أن أصحاب المقامات الرفيعة لا يسبون، وإنما الذي يسبّ هو الضعيف المسكين قليل الحيلة، وقد ضبطهم العالم أجمع متلبسين بالإساءة لنبينا صلى الله عليه وسلم، بينما نحن لا نذكر نبيهم إلا بكل خير، بل إن رسولنا الذي يسبونه علمنا أن المسلم الذي يسب نبي الله عيسى، صلى الله عليه وسلم، كافر خارج عن الإسلام.

بينما أساء اليهود إساءات بالغة إلى مريم، عليها السلام، فقد أجلّها القرآن وأكرمها، وعدها من خير نساء العالمين، فمن إذًا هو الطرف المتحضر الذي يحترم مقدسات الآخرين: نحن أم هم؟

لقد كانت إساءات ماكرون وقومه جملة من الغباء، لأنها استفزت مشاعر المسلمين جميعًا ووحدتهم في مواجهة حملة سافلة من الكراهية، على الأقل على المستويات الثقافيّة والإعلاميّة وعلى مستوى وجدان ومشاعر رجل الشارع البسيط.

الكراهية والحقد يأكلان قلوب الغربيين، بعدما تأكدوا أنهم رغم ما يبذلون من جهود بشريَّة وماديَّة وإعلاميَّة للعمل التنصيري داخل بلاد المسلمين، فإنهم فشلوا فشلاً ذريعًا ولم ينجحوا قيد أنملة، بل إن غير المسلمين في بلاد المسلمين يدخلون الإسلام كل يوم بأعداد كبيرة.

أما خيبة الغربيين الكبرى فتكمن في إدراكهم لقلّة حيلتهم وهم يرون الانتشار الواسع والسريع للإسلام في البلاد الغربية نفسها، حتى أصبح أكثر الأديان انتشارًا في أوروبا وأمريكا، ففي فرنسا ستة ملايبن مسلم. هنا أدرك الغربيون أن قوة الإسلام الحقيقة هي في داخله وفي ذاته وفي قدرته على الإقناع وملامسة القلوب. الغربيون، يدركون أن كنائسهم تغلق في بلادهم لأن الناس لا يذهبون إليها بعد أن انتشر الإلحاد والمذاهب الماديّة بينهم، بينما المسلمون هناك يشترون كنائسهم ليقيموا عليها المساجد.

وفي النهاية فقد صدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم: [والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون]،  وصدق سبحانه وتعالى وهو يؤكد لرسوله الكريم ويثبته: [إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ. الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ. وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ].

من السيد أبو داود

كاتب صحفي، مصر