أشهد أنا المستشار أحمد سليمان وزير العدل المصري الأسبق أن النظام القائم فى مصر يحتقر القانون والدستور ولا يعبأ بهما وتتلبسه رغبة عارمة في تصفية خصومه، كما أن القضاء المصري المدني والعسكري يمر بمحنة لم يمر بها من قبل، فأصبح يخالف أحكام القانون علنا وعمدا، ولا يبالى بمصادرة حقوق الدفاع ويقضى فى العديد من الدعاوى بالسجن المؤبد والإعدام للمئات دون دليل قانونى معتبر واستنادا لمحاضر التحريات وحدها، ومن ثم اهتزت ثقة الرأى العام فى أحكام القضاء فى الداخل والخارج، كما أن المنظمات الحقوقية الدولية باتت تنظر إليه باعتباره أداة انتقام فى يد النظام وذلك استنادا للأدلة الآتية:

أولا:

أن السلطة القائمة منذ وقوع الانقلاب أسندت للعديد من أبناء مصر أفعالا لا يعاقب عليها القانون، ورغم ذلك تقرر النيابة العامة حبسهم كما حدث مع الطفل الذى ضبطت لديه مسطرة تحمل شعار رابعة، أو ذلك الغلام الذى ارتدى قميصا عليه عبارة وطن بلا تعذيب فأمضى فى السجن نحو عامين وغيرهم كثير، وكذلك تقديم متهمين للمحاكمة فى قضايا قام الدليل على عدم صحتها مثل قضية سد البلاعات فى الأسكندرية التى اتهمت جماعة الإخوان بارتكابها وتم تقديمهم للمحاكمة رغم إفادة المحافظة أن هذه البلاعات سدًت نتيجة إلقاء كتل أسمنتية فيها أثنا إنشاء عدد من الأندية على مقربة منها، وأن ذلك منذ نحو عشرين عاما، ورغم ذلك تم تقديم نحو 33 متهما للمحكمة العسكرية التى قضت بالسجن المؤبد ل 12 متهما ، والسجن 15 عاما ل 21 متهما.

ثانيا:

أن المجلس القومى لحقوق الإنسان الحكومى المصرى قد رصد فى عدة تقارير أن المشكلة الرئيسية تكمن فى التوسع فى قرارات الحبس الاحتياطى وأنه بات فى حد ذاته يمثل عقوبة لا يمكن التعويض عنها، كما أشارت بعضها إلى أن تجديد الحبس يتم فى غيبة المتهمين وذلك أمر مخالف للقانون لا يخفى على السلطة القائمة بالتجديد.

ثالثا:

أن السلطة القائمة تعتمد أسلوب تزوير التحريات أداة للانتقام من كل من ترغب فى الانتقام منه، وقد أذاعت قناة مكملين تسجيلا لضابط الأمن الوطنى الذى حرًر محضر تحريات قضية الاتحادية وهو يعترف أنه قد صاغها من بنات أفكاره للخلاص من الرئيس مرسى وجماعته، كما أن محضرى التحريات فى قضيتى قضاة البيان وقضاة من أجل مصر تضمنا وقائع مختلقة ولا أساس لها من الصحة وقد طعن القضاة عليها بالتزوير أمام مجلسى التأديب وقدموا بلاغين بالواقعتين للنائب العام ولم يحققا لا فى النيابة ولا أمام مجلسى التأديب وتم عزل عشرات القضاة استنادا إليهما.

رابعا:

أن دوائر الإرهاب تم تشكيلها من قضاة معينين للفصل فى قضايا بعينها، والكثير منهم تحوم حوله الشبهات وكانت لبعضهم تحقيقات مفتوحة تم إغلاقها قبيل تشكيل هذه المحاكم، وقد أهدر الكثير منهم قواعد القانون وضمانات المحاكمات العادلة، كما فعلت دائرة سعيد يوسف برفضها منح المتهين فى قضيتى اقتحام مركزى العدوة ومطاى أجلا لردً المحكمة، وعدم سماعه لدفاع المتهمين ونظر القضيتين اللتين زاد عدد المتهمين فى كل منهما على 500 متهم فى سويعات قليلة فى جلستين فقط، ثم أحال جميع المتهمين على اختلاف مواقفهم للمفتى لاستطلاع رأيه فى إعدامهم وكذلك القاضى شيرين فهمى الذى قضى بمفرده دون عضوى الدائرة بإعدام المتهمين فى قضية عادل حبارة وهى مخالفة صارخة تدل على مدى جبروت القاضى، وأحمد جمال الدين عبد اللطيف الذى منع موظفى المحكمة من استلام صحيفة التقرير برده والمستشار أيمن عباس من قضاة البيان وقضاة من أجل مصر ، كما منع الموظفين من قيد طعن هؤلاء القضاة على الحكمين بالنقض وكلها إجراءات باطلة لا تستند إلى قانون من قريب أو بعيد ولكنها تحقق هوى السلطة.

خامسا:

إن الكثير من القضاة بات أكبر همه هو إرضاء السلطة القائمة سواء لنيل رضائها عنه، أو اتقاء شرها وانتقامها منه وأصبحت أحكامهم ناطقة بخضوعهم للهوى السياسى، ومن ذلك حكم محكمة الأمور المستعجلة باعتبار حركة حماس جماعة إرهابية، بينما تقضى فى دعوى اعتبار إسرائيل دولة إرهابية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى والحكمان من محكمة واحدة وكلاهما يحقق أهداف النظام دون نظر لحكم القانون، كما قضت ذات المحكمة بوقف تنفيذ حكم القضاء الإدارى ببطلان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية رغم عدم اختصاصها بنظر الدعوى بنص القانون والدستور، وليس ذلك لخطأ فى فهم القانون، ولكن لفساد واختلال فى نفس القاضى الذى جعل همه إرضاء الحاكم وحسب.

سادسا:

أسرف الكثير من القضاة فى الحكم بأقصى العقوبة المقررة قانونا ودون سند من القانون سواء كانت العقوبة هى الإعدام أو السجن المؤبد، ففى قضية اقتحام مركز شرطة مطاى قضىت دائرة سعيد يوسف  بإعدام 37 متهما، وبالسجن المؤبد على 394 متهما وقضى بنقض الحكم وإعادة المحاكمة فقضت المحكمة بإعدام 12 متهما وبالسجن المؤبد على 140 متهما ، وببراءة 238 متهما كان محكوما عليهم بالإعدام والمؤبد، والخطير فى الأمر هو ماقالته أرملة نائب المأمور المجنى عليه من أن المتهمين المحكوم عليهم ليسوا هم من قتلوا زوجها وأن قتلته مازالوا هاربين،  وفى  قضية كرداسة قضت دائرة ناجى شحاتة بإعدام 183 متهما وتم نقض الحكم لابتنائه على التحريات وحدها، وبعد إعادة المحاكمة قضى بإعدام 20 متهما فقط وبراءة 21  متهما ممن قضى بإعدامهم، بالسجن للباقين بين المؤقت والمؤبد، وفى قضية غرفة عمليات رابعة قضت المحكمة بإعدام 14 متهما وبالسجن المؤبد لـ37 متهما، وتم نقض الحكم وفى إعادة المحاكمة قضى بإلغاء عقوبة الإعدام ومعاقبة 3 فقط بالسجن المؤبد، وبالسجن 5 سنوات ل15 متهما وبراءة 21 متهما ممن كان محكوما عليهم بالإعدام والمؤبد. وفى الجناية 58 لسنة 2015 عسكرية والخاصة بقتل 4 أشخاص والشروع فى قتل 8 آخرين والتعدى على المنشآت العامة واستعمال القوة والعنف مع الشرطة والجيش تم تقديم 116 متهما قضت المحكمة عليهم  جميعا بالسجن المؤبد وكان من بينهم الطفل أحمد قرنى شرارة البالغ من العمر 4 سنوات وقدم دفاعه شهادة ميلاده للنيابة العامة وللمحكمة، وسمير عبد الرحيم الموجود خارج البلاد وقت الحادث وقدم دفاعه شهادة مصلحة الجوازات التى تثبت ذلك.، وفى الجناية 5192  لسنة  2015 الدقى قضت المحكمة بإعدام 11 متهما وبالسجن المؤبد ل 14 متهما واستندت فى إدانتها لعدد من المتهمين من بينهم عبد الرحمن محمد حسن  إلى التحريات وحدها، وقضت بإعدامه، ويقينى أنه لو تمت هذه المحاكمات وغيرها فى الظروف الطبيعية لما كانت الأحكام بهذه البشاعة.

سابعا:

تولى إعلام الانقلاب الدعوة علنا لتصفية المتظاهرين فورا، وطالب الشرطة بذلك بدلا من القبض على المتهمين وإضاعة الوقت فى المحاكمات كما حدث فى مظاهرات المطرية، ونادى بتصفية المتهمين حتى ولو كانت الشرطة قد تمكنت من القبض عليهم كما حدث فى واقعة قتل الدكتور محمد كمال وياسر شحاته

والأمثلة لا تخضع لحصر، الأمر الذى يكشف بوضوح أن هذه السلطة تسعى للانتقام من خصومها السياسيين وكل من يعارضها، وأن المحاكمات فى هذه الفترة تفتقر إلى ضمانات المحاكمات العادلة، وأن المحاكم تتعمد مخالفة القانون لتصل إلى الأحكام التى ترضى السلطة ولو لم تكن هناك أدلة سوى التحريات التى تستند إليها المحاكم وحدها حتى فى الحكم بالإعدام وهو أمر بالغ الخطورة على المتهمين، وعلى العدالة وعلى القضاء، ولم تفلح كل الانتقادات التى وجهت للقضاء والمحاكمات من الداخل والخارج لكبح جماح آلة الانتقام ووقف نزيف الدم المصرى الذى يهدر تارة من ضابط بطلقة رصاص، وتارة أخرى بحكم دون دليل معتبر قانونا من قاض عسكرى أو مدنى .

لذلك

أطالب بضرورة إصدار قانون بوقف تطبيق عقوبة الإعدام مؤقتا حفظا لدماء بريئة قد تزهق ظلما وليس اجتراء على حكم الله عزً وجلً. حتى يأذن الله لمصر بالنصر والاستقامة على شرعه، وينقذها من هاوية الانقلاب.

من المستشار أحمد سليمان

وزير العدل المصري الأسبق