محمد عبد العاطي

كثيرة هي الأيام العالمية التي تخصصها الأمم المتحدة للفت انتباه العالم نحو قضية ما؛ العنف ضد المرأة، المرض النفسي، المناخ، وأمس ٢٩ نوفمبر، خصصته للتضامن مع القضية الفلسطينية.

 

تلك القضية التي نشأت في لحظة تغير جيواستراتيجي عالمي هائل، بدأت بالحرب العالمية الأولى وما صاحبها من إعادة تقسيم خرائط السيطرة والهيمنة والنفوذ بين القوى الاستعمارية وتوزيع تركة الدولة العثمانية المنهزمة ، وانتهاز الحركة الصهيونية تلك اللحظة التاريخية الفارقة وحصولها على وعد بلفور (١٩١٧)، ثم بعده بعشرين عاما استصدرت قرار التقسيم من الأمم المتحدة (١٩٤٧) في أعقاب لحظة تغير استراتيجي آخر نجم عن الحرب العالمية الثانية، وبعده بأشهر شنّت حر بها الأولى (١٩٤٨) التي انتهت باحتلال نصف الأرض، وبعدها بعشرين عاما أخرى (١٩٦٧) احتلت أغلب النصف الثاني، ولم يبق للشعب الفلسطيني سوى ١٨ ٪؜ من مساحة أرضه التي كان يعيش عليها قبل سبعين عاما.

 

ماذا سيفعل العالم في يوم التضامن مع القضية الفلسطينية؟ هل سيعيد الأرض المسلوبة إلى الشعب الفلسطيني؟ هل سيعيد ملايين اللاجيئن؟ هل سيجبر سلطات الاحتلال على الإفراج عن الأسرى الذين كانت تهمتهم النضال الوطني لتحرير الأرض؟ بل ، على أضعف الاحتمالات ، هل سيعيد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إلى سابق عهدها؟

 

للأسف لن يفعل من ذلك شيئا؟ فالفاعلون هم الأقوياء، والقوة الآن ليست مع أصحاب النوايا الحسنة.

 

إنّ حديث المظلومية التاريخية لن يحرك العالم، وغاية الأمر أن يمصمص الذي يقرأ خبر اليوم العالمي هذا شفاهه ويمضي لحال سبيله.

 

الحق أنه كما بدأت القضية الفلسطينية دولية فلن تنتهي إلا دولية، ولأن العالم الآن ليس في لحظة تحول جيواستراتيجي كما كان إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية فإن الأمور ستطول، خاصة وأن المنطقة العربية تحديدا تعيش دورة تاريخية سماتها الضعف والانقسام والتشتت والفقر والتخلف والصراعات والحروب البينية والداخلية. والفلسطينيون، أصحاب الشأن، أصابهم داء الانقسام فتبددت قوتهم الواهنة وذهب ريحهم.

 

لكن، ومع ذلك، طالما بقيت القضية حيّة في قلوب أصحابها والهوية حاضرة في معاشهم ولو على مستوى الدبكة والثوب المطرّز والزيت والزعتر فثمة أمل. أما على المستوى الاستراتيجي فلن تتقدم خطوة للأمام ما لم تحذو حذو الحركة الصهيونية وجهازها التنفيذي (الوكالة اليهودية) شبراً بشبر وذراعا بذراع على صعيد التخطيط والتنظيم والعمل والأداء وشبكة التحالفات.

من محمد عبد العاطي

باحث في مقارنة الأديان