قصيدة “أبو الحسن علي بن محمد التهامي” في رثاء ابنه
يقول الإمام “ابن القيّم” إن أحد الصالحين رأى الشاعر التهامي، في المنام، بعد موته، فسأله: ما صنع اللهُ بك؟ قال التهامي: غفر لي بسبب بيت شعرٍ قلته في رثاء ابني يوم موته، وهو:
(جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّهُ… شتانَ بين جوارهِ وجواري)
بعض الأبيات من القصيدة التي تجاوزت 83 بيتا
——-
حُكمُ المنيّةِ في البريةِ جارِ
ما هذه الدنيا بدارِ قرارِ
طُبِعتْ على كدرٍ وأنت تريدها
صفوًا من الأقذارِ والأكدارِ
ومُكلّفُ الأيام ضد طباعها
مُتطلبٌ في الماءِ جذوة نارِ
وإذا رجوت المستحيل فإنما
تبني الرجاء على شفيرٍ هارِ
فالعيشُ نومٌ والمنيةُ يقظةٌ
والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ
فاقضوا مآربكم عجالًا إنما
أعماركم سَفرٌ من الأسفارِ
ليس الزمانُ وإن حرصتَ مُسالمًا
خُلُقُ الزمانِ عداوة الأحرارِ
يا كوكبا ما كان أقصر عُمرهِ
وكذاك عُمر كواكبِ الأسحارِ
وهلال أيامٍ مضى لم يستدر
بدرًا ولم يمهل لوقتِ سرارِ
عَجلَ الخسوفُ عليه قبل أوانهِ
فمحاهُ قبل مظنةِ الإبدارِ
جاورتُ أعدائي وجاور ربَهُ
شتانَ بين جوارهِ وجواري
—————-
أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي (000 – 416 هـ/ 000 – 1025 م)، شاعر مشهور، من أهل تهامة (بين الحجاز واليمن)، زار الشام والعراق، وولي خطابة الرملة، ثم رحل إلى مصر، متخفيا وبها قتل سنة (416 هـ)
ولد باليمن، واشتهر بلقب التهامي، نسبة إلى موضع بين الحجاز واليمن، إلا أن المصادر لا تكاد تذكر شيئاً عن سنة مولده، نعته الذهبي بشاعر وقته.
عاش “أبو الحسن التهامي” في عصر كانت الدولة العباسية تتنازعها عوامل الانحلال، فكانت دار الخلافة العباسية في بغداد تحت نفوذ بني بويه وحمدان وغيرهم من الأمراء المستقلين بأجزاء الخلافة، ولم يبق للخلافة من رونق، وكثر الأدعياء والثائرون حتى عمت الفوضى السياسية. فتاقت نفسه إلى الرئاسة، وأحب أن ينافس في ميدانها، فطلب الخلافة، وانتحل مذهب الاعتزال، وسكن في الشام مدة، ثم قصد العراق وأقام ببغداد ، وروى بها شعره، ثمَّ عاد إلى الشام، وتنقَّل في بلادها، وتقلَّد الخطابة بالرّملة، وتزوَّج بها، ثم انتقل إلى مصر واتصل بالوزير المغربي فكان من أعوانه في ثورته على الحاكم الفاطمي، فكان ذلك سبباً للظفر به، وأودع السجن وبه قتل سنة (416 هـ)