إضعاف اللغة العربية في وطنها، مقدمة لإبعادنا عن عقيدتنا وأخلاقياتنا المستمدّة منها،وهذا هدف استراتيجي طويل المدى بالتدريج والمثابرة، للسّاعين إلى الهيمنة على أمّتنا العربية،ومن هنا كانت بدعة العولمة الثقافية، بمعنى قطع الصلات بين حضارات الأمم العريقة مع الحاضر، ومنها الأمّة العربية، والتركيز على تاريخ الغرب الأوروبي والأمريكي وحضارته بما فيها من إبهار شكلي وسطحي بلا قواعد أخلاقية للسيطرة على عقول الأجيال الشابّة.


لقد فطن أعداء العرب إلى الرباط الوثيق بين اللغة العربية والدين الإسلامي، فسعى الاستعمار منذ بدايات القرن المنصرم إلى محاربة هذين المكونين للأمة “اللغة والدين”، بشراسة بالغة وبكل الوسائل كهدف استراتيجي، ليتمكن من الهيمنة على أمة العرب مجددا، بعد أن سقطت وسائله العسكرية.


فبالسيطرة على الثقافة العربية، وبالتالي على حضارة الأمّة،واللغة مكوّن رئيس لها،يمكن التسلل إلى الإسلام لإضعافه في نفوس المؤمنين، فالعروبة والإسلام بمثابة الجسد والروح، ولولا أن الله تعالى أكرم العرب بالإسلام، وبلغتهم نزل القرآن الكريم، لكانت هذه الأّمة كغيرها من أمم الأرض، أو لاندثرت، وأكد هذا التفاضل قوله تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس “.


بدأت معاول الهدم بعقيدتنا الدينية، بتحجيم لغتنا العربية وتغريبها ومحاربتها بكل الأشكال والوسائل،والأخطر في هذه المحاولات أن أبناء الأمة، وأهل اللغة أنفسهم، انساق الغالبية منهم وراء ادعاءات ومزاعم بأن لغتنا القومية لا تتساير مع العصر ومقتضياته ومستجداته،تحت دعاوى أن الدين في أماكن العبادة، وأما في الحياة وآفاقها الرحبة ومباهجها،فليس لها سوى العلوم التي سخّرها الأجنبي لخدمة مراميه.


في مرحلة الاستعمار القديم، كان اللسان العربي والدين،مستهدفان، فشاعت ازدواجية اللغة “الفصحى والعامية”، وشجعت دول الاستعمار كل دعوة مشبوهة لإحلال اللهجات العاميّة المحكيّة ،محل اللغة الفصحى،بحيث تتكامل هذه اللهجات مع توجهات تقسيم كل دولة عربية ثقافيا اثر النجاح بتقسيم العرب سياسيا، وجغرافيا، ما أعطى الفرصة أيضا للإدارات الاستعمارية للادعاء بأن “لغة الضاد” يجب أن تقتصر على أماكن العبادة فقط.


لم تتراجع الامبريالية بوجهها الجديد عن هدفها،رغم انحسارها عن الإقليم العربي في عقد الستينيات وما قبله وبعده، فلجأت إلى ما أسمته العولمة الثقافية بتشجيع استخدام اللغات الانجليزية والفرنسية ،وما بات يسمى بلغة “الآربيزي”، التي تمزج الإنجليزية والعربية مزجاً إرتجالياً،إلى جانب اللغة العربية في مختلف مجالات الحياة،ليس التعليمية فقط،بل وفي التجارة والاقتصاد والصناعة والإعلام، وأسماء الشركات والمحلات التجارية ونصوص العقود ووثائق السفر والخدمات الأخرى، ورويدا رويدا إذا لم يتنبه أولي الأمر في وطننا العربي،ستتقدم هذه اللغات الأجنبية بسرعة رهيبة وتكتسح هويتنا، ومنها لغتنا العربية.


إذن الإسلام حفظ للعرب لغتهم القومية من الاندثار والتلاشي، كما حفظ تاريخهم وحضارتهم وهويتهم وتراثهم،ولولا اللغة العربية لما كان لأمّة العرب أي شأن يذكر لا في العلوم ،ولا في المعارف ،ولما كانت هناك حضارة عربية زاهية ،فاللغة العربية هي الرابط القوي الذي مايزال يجمع أبناء الأّمة،ويلتقي عندها ليس أبناء العروبة في كل أقطارهم، بل أبناء الأّمة الإسلامية الذين يحفظون القرآن الكريم وتعاليم الإسلام باللغة العربية.


أمام هذا الواقع الخطير، بتنا بحاجة قوية إلى قرارات جريئة في مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا التعليمبة الأخرى ، تعلي من شأن لغتنا، وتعيد إليها مكانتها العلمية والمعرفية ، وكذلك أن نلزم أنفسنا بالحديث مع بعضنا بلغتنا التي هي شرف وعنوان هويتنا في هذا العالم المرتبك في هويته وثقافته وأصول العديد من شعوبه .