كنت دائما أضع عند تناولي القضايا الأخلاقية، أن أتناول أبعادها الأخلاقية، فأهتم بالجوانب القيمية والأبعاد الجمالية، وهي أصل الحكمة في الأخلاق، فكل الأخلاق الفاضلة لا تخلو من لمسات جمالية تأسر النفوس، تغرس المحبة والاحترام في تعاملنا.

وفي هذا المقام أحببت أن يكون لنا وقفة تأمل في سيرة أفضل الخلق نستخرج من أخلاقه اللمسات الجمالية التي أكسبته ثناء الله عز وجل والتي بها ارتفع قدره بين الخلق، أحاول استعراض جوانبها المضيئة من أخلاقه من باب معرفة الفضل التعامل بها مع الناس.

لا يستطيع أحد أن ينكر أفضال الناس عليه، ولا يستطيع أن يتنكر لمعروف مسدى له؛ فيكون نظير ذلك معاملات خاصة راقية، ترتقي لمقام ذلك المعروف، يكون ميزان الفضل وحده الذي نزن به معرفة الأقدار والمقامات، والذي به نزن علو الشأن في التعامل، هذا الميزان أكده صريح القرآن و صحيح السنة

في قول الله عز وجل إذ يقول:( ولا تنسوا الفضل بينكم ).

وقول رسول الله إذ يقول: «… ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه».

(النسائي، وصححه الألباني).

ويتجلى جمال الفضل المعاملة في خلقه مع زوجه في حياتها وبعد مماتها أنقل الأثر كما روته السنة، يظهر فيه جمال الوفاء، وجمال العهد وجمال الود، فيكون رد الجميل مدحا وثناء، يكون معاملة يزنها الاحترام والتقدير، فيذكر جمال خصالها، ولا يمنعه أن يرد الجميل لأهله ولو غاب صاحب الفضل

(ولما رأت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنه يُكْثِر من ذكر خديجة رضي الله عنها، قالت:

(ما غِرْتُ على امرأة للنبي ما غِرْتُ على خديجة، هلَكَتْ (ماتت) قبل أن يتزوَّجني، لِما كنتُ أسمعه يذكرها)

 رواه البخاري.

وفي رواية قالت عائشة رضي الله عنها: (كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة)، فكان يرد بقوله: (إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد)

رواه البخاري.

ويزيد جمال الفضل في هذه الكلمات التي توزن بماء الذهب في حق أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وكان يقول عنها: (إني قد رزقت حبها)

رواه مسلم .

ثم يظهر جمال الفضل مع الأصحاب في التعامل في صور رائعة، يراعي فيها طباع أصحابه، فتكون المعاملة تتوافق مع نسق نفسيته، فالطبائع أجناس،

فلكل شخص طبعه وأسلوبه، فالواجب مراعاة ذلك في التعامل ومن ذلك حسن تعامل رسول الله مع عثمان بن عفان رضي الله عنه مع فضل جلسائه رضي الله عنهم .

عن عائشة قالت: كان رسولُ الله مُضْطجِعًا في بيتي، كاشفًا عن فَخِذَيْه، أو ساقَيْه، فاسْتأذَن أبو بكر فأذِنَ له، وهو على تلك الحال، فتحدَّثَ، ثم اسْتأذَن عُمر، فأذِن له، وهو كذلك، فتحدَّث، ثم اسْتأذَن عثمان،

فجلس رسول الله ، وسوَّى ثِيابه -قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد- فَدَخَل فتحدَّث،

فلمَّا خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تَهْتَشَّ له ولم تُبَالِه، ثم دخل عمر فلم تَهْتَشَّ له ولم تُبَالِه، ثم دخل عثمان فجلستَ وسوَّيتَ ثيابك فقال: «ألا أسْتَحِي من رجل تَسْتَحِي منه الملائكةُ».

 [صحيح] – [رواه مسلم]

ومن فضل أخلاقه التودد إلى الناس ولين الجانب معهم، وخفض الجناح لهم، والاستغفار لهم، وتجاوز أخطائهم، والحرص على رعاية مواهبهم، وتعزيز الثقة في نفوسهم، فيقر الفضل لأهل الفضل، فيثني على مناقبهم، يتني على كرمهم ويمدح شجاعهم ويعزز ويقوي شخصية ضعيفهم،

يحسن الإصغاء فلا يصرفه شاغل عن محدثه، فلا يخطئ ولا يعنف في النصيحة، ولا يترك أثر الإساءة في نفس المخطئ تلك هي أجمل ذوقيات المعاملة وأجمل موازين الفضل في أخلاق رسولنا .

وهذه هي مزايا أخلاقه الكريمة التي شَهِدَ الله له بها في قوله: (وإنَّك لَعَلَى خُلُقٍ عظيم)

( سورة القلم: 4)،

حشاني زغيدي

من حشاني زغيدي

مدير مدرسة متقاعد، مهتم بالشأن التربوي والدعوي، الجزائر