د. أحمد زكريا

لكي يتضح الدرب جيدا، لابد من تحديد الهدف الأصيل الذي نسعى لتحقيقه، دون أن نغرق أنفسنا في الأهداف الوسائلية، والآلية، مما يعمينا عن الهدف الأصلي الذي قامت الجماعة الإسلامية من أجله، وهو علامة تميزها الحقيقي عن سائر الحركات والجماعات الأخرى، ألا وهو تعبيد الناس لربهم.

فمن أجل تحقيق هذا الهدف النبيل، جاب أبناء الجماعة المحافظات والمدن والقرى والنجوع والعزب، وما تركوا مكانا يمكن لهم أن يصلوا إليه، إلا وبذلوا الجهد والطاقة لتبليغ كلمة الله، على دراجة متهالكة تارة، ربما يسحبها الأخ أكثر مما يركبها، وتارة ماشيا على قدميه المسافات الطوال، وربما لا يحمل في جيبه مليما واحدا، كانوا يجمعون القروش الزهيدة يقتطعونها من أقواتهم لتبليغ دين الله، ولتحقيق الهدف الذي ابتعثنا من أجله، وهو إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.

أتذكر تلك الأيام فتفيض عيني شوقا وحبا، ذلك الإيثار العجيب مع شدة الخصاصة، ذلك الكرم النادر مع قلة ذات اليد، ذلك الحب الذي كنا نراه في عيون إخواننا إذا رأيناهم، حب صادق، وود صاف، لا تكدره مصالح، ولا أهواء.

كنا ندور في فلك الإسلام ،نقدم مصلحة الدين على مصالحنا،فالدعوة لها الوقت الأصلي،ومايبقى فللعمل والدراسة والدنيا،لذلك كانت البركة، فكان القليل في أيدينا كثيرا، وكانت هناك بركة عظيمة في العمر والوقت والمال والصحة، وأظن أن قول الله تعالى في سورة الأنفال قد صدق فينا: {إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم}.

فلما اتضح الهدف في نفوسنا، بذلنا كل غال ونفيس في سبيل الدعوة إلى الله، وأظن أن الأخوة قد حققوا ما بذله نبي الله نوح -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- من أساليب المتعددة، فكان دعاتنا يبذلون جهدهم ليلا ونهارا، سرا وجهرا، برغم شدة المعاناة وعظم التضحية، إلا أن وضوح الهدف والتركيز عليه ذلل كل صعب، وشجع الجبان، وجعل البخيل سخيا،والغضوب حليما، والكبير شابا، والمريض فتيا.

فإذا أردنا أن نعود سيرتنا الأولى فلابد من وضوح الهدف والتركيز عليه، لأن هذا في نظري هو أهم ما يميز الجماعة الإسلامية الدأب والحرص البالغ على الوصول للناس في أي مكان، والمثابرة الشديدة من أجل هداية الخلق وردهم إلى ربهم ردا جميلا.

فإذا استرجعنا تلك المعاني، سيتضح أمامنا الطريق، ولن نشغل بالنا كثيرا بالسؤال المتكرر، ما الفرق بيننا وبين غيرنا، لا لشيء إلا لأننا عرفنا طريقنا وهدفنا.

من د. أحمد زكريا

كاتب وباحث