د. أسامة الأشقر

مشهد الأزمة التونسية من متابع محايد في خارج المشهد التونسي

منذ البداية كان قيس سعيّد الذي دخل بقوة عالم السياسة من العدم السياسي محل ارتياب كبير،

وكان راشد الغنوشي مثلاً يرفض دعمه في الدورتين الأولى والثانية للانتخابات الرئاسية لولا ضغوط قاعدة النهضة عليه.

كون الرئيس خبيراً قانونياً أو فقيهاً دستورياً لا يعني أنه سيأخذ بها، بل يعني أنه أصبح خبيراً بمداخله وخارجه وقادراً على التكيّف معه.

العروبة وفلسطين ليست معارك قيس سعيد

دخل الرئيس قلوب الجماهير من بوابة العاطفة فقد حمل شعار العروبة في مواجهة الفرانكفونية،

وشعار إسناد فلسطين في مواجهة التطبيع؛

لكن سلوكه السياسي أثبت أنه محايد فيهما على الأقل، أو هي ليست معاركه الأولى.

الثورة المضادّة تدعم قيس سعيد

تمكّنت الثورة المضادّة من فهم الرجل مبكراً، وانتقلت من مربع استعدائه إلى مواكبته،

ثم إسناده في مواجهة خصومه السياسيين ولاسيما من حركة النهضة،

ثم قررت دعمه دون تنسيق معه للوصول إلى حالة المواجهة الشاملة مع التيار السياسي الإسلامي وتيار الثورة،

وظهرت الثورة المضادة إلى جانبه في قراراته الأخيرة رغم أنها ما تزال تخشى من تقلّباته في حال تمكّنه.

تتبنى الثورة المضادة المدعومة من حلفائها المعروفين مبدأ إقصاء الإسلاميين تماماً عن المشهد السياسي..

ومنعهم من ممارسة أي عمل سياسي في أي مستوى لمدة عشر سنوات على الأقل.

النهضة تبنت الخط الجدلي!

التيار الإسلامي السياسي التونسي بزعامة النهضة تبنّت خطاً جدلياً جريئاً خرجت به عن المفاهيم المؤسّسة للفكر السياسي الإسلامي الشائع،

وقررت فصل ما سمّته الدعوي عن السياسي، والانتماء إلى المصلحة العامة دون مراعاة لزاوية النظر الديني إلى هذه المصلحة.

لم يستطع الإسلاميون التونسيون التعايش مع العلمانيين التونسيين رغم كل ما قدّموه بسبب ترسّخ العلمانية في الطبقة السياسية والحزبية،

كما فقد الإسلاميون التونسيون ثقة الطبقة المحافظة بانحيازاتهم الفكرية ومراجعاتهم الصادمة.

لا يمكن أن نلصق تداعيات الأزمة للنهضة وحلفائها فقد عملوا -ببراءة- منذ البداية على سياسة تأليف قلوب الطبقة السياسية وترويض شراسة العلمانية فيها،

وتبني خطاب سياسي مقارِب مشفوع بسلوك سياسي واضح في مقارباتهم، لكن الطرف الآخر لم يثق بهم،

وتبنّى منذ البداية سياسة إغراقهم في تحوّلاتهم السياسية والتحريض عليها وشيطنتها، وتزيين الخروج عليها للخروج من الأزمات المفتعلة التي يطوّقونها بها.

الصراع لا يستند إلى مصالح تونس

لم يكن الصراع في تونس مستنداً كثيراً إلى مصالح تونس وسبل قيامها في فضاءات التقدم العملي بقدر ما كان صراعاً فكرياً إرهابيّاً تلوّن بِرُقَع السياسة واستخدم نفوذها الباطش،

بغرض احتكار السلطة في طبقة مهيمنة نافذة ذات قاعدة فكرية مشتركة تستهدف فكر الثورة الشعبية ومن أتى محمولاً بها من الحاضنة المحافظة.

الثورات المضادّة لديها قدرة أكبر على فهم مزاج الجماهير الثائرة وقواعدها ثم التعامل معها والتكيّف مع طبائعها المتناقضة

(إذ هي سريعة وبطيئة وهي ثقيلة وخفيفة وهي كسولة ونشيطة)،

في الوقت الذي ينخرط فيه الممثلون لهذه القواعد في صراعات السلطة ومنافسات خدمة الجمهور بما يجعلهم خارج مزاج الجماهير ومثاليتهم في تقدير ظروف العمل.

من د. أسامة الأشقر

مؤرخ وروائي فلسطيني