من العبارات التي تستَلْفِتُ نظري في بعض ترجمات الصحابة الكرام، أن يقولَ المترجِم عن الصحابي: «كان من المئة الصابرةِ يومَ حُنين»، وقد أخذَتْني هذه العبارةُ فذهبتُ أبحثُ عن هؤلاء الذين اصطفاهم اللهُ عز وجل لهذه المنقبةِ الشريفة، وخلَّدَ لهم التاريخُ هذه المأثرَةَ الجليلةَ، فلم أجِد نصًّا جامعًا لأسمائهم، ولا وقفتُ على جميعهم بعد بحثٍ طويلٍ نوعا ما، وتقليبٍ متأنٍّ في مظانِّ هذه العبارة.

وقد ذكر الواقديُّ في «مغازيه» أنه يقال: إن المئةَ الصابرةَ يومئذ كانوا ثلاثة وثلاثين من المهاجرين وسبعةً وستين من الأنصار، وذكَرَ ابنُ حجر في «فتح الباري» أن تفصيلَ أسمائهم وقعَ في روايةِ أبي نعيم الأصبهاني في «دلائل النبوة»، لكني تصفحتُ كتابَ أبي نعيمٍ المطبوعَ، فلم أجِدْ إشارةً عنهم ولو تلميحًا، فوقعَ في نفسي أن الإحالةَ فيها سهوٌ، أو أن الكتابَ الذي بين أيدينا منقوصٌ، فلما رجعتُ إلى مقدمةِ الكتاب علمتُ أنه منقوصٌ نقصًا كبيرا -بل هو على الأدق= منتخَبٌ من الأصل-، وأن كثيرا منه مفقود، فلعل ذكْرَ هؤلاء النجباء ذهب في ما فُقِد من الكتاب.

وأيضا ففي تعدادهم بعضُ اختلافٍ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنهم كانوا ثمانين، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنهم لم يبلغوا مئة رجل، وعن حارثة بن النعمان رضي الله عنه: أنهم كانوا مئة، وبعض الأخبارِ تُبيِّن أن عددهم قليلٌ جدا، والجواب عن هذا: أن هؤلاء القليلَ ثبَتوا مع رسول الله فلم ينهزموا عنه طوال المعركة، وأن سائرهم نكصوا على أعقابهم مسافةً غير بعيدة -أقل من ثمانين قدما كما يقول ابنُ مسعودٍ-، ثم كَرُّوا عائدين إلى المعركة حتى بلغ عددُهم ما بين ثمانين إلى مئة، ومن العجائب أنهم لم يكونوا جميعًا من الرجال بل كان فيهم نسوةٌ أيضا!

فأما الذين وقفتُ على أسمائهم في ما وقَع بين يديَّ مِن المصادر، فهُم:

من أهل بيت رسول الله :

1- عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، من أوائل الأسماء التي تُذكَرُ في هذا السياقِ، أخرج البزَّارُ عن أنس بن مالكٍ، أن عليًّا ضُرِب يومئذٍ بضع عشرةَ ضربة!

2- وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنه.

3- والعباسُ بن عبد المطلب رضي الله عنه، أبرزُ اسمٍ في هذا السياقِ الشريف، هو الذي نادى على الأنصار وأهل بيعة الرضوان يومئذٍ.

4- والفضل بن العباس، رضي الله عنهما.

5- وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه، كان آخذًا بلجامِ بغلةِ رسولِ الله يومئذ، وأثنى عليه النبي خيرًا، وروى الفاكهيُّ في «أخبار مكة» أن العباس بن عبدِ المطلب وأبا سفيان بن الحارث= كانَا من المئة الصابرة يومَ حُنين.

6- ونوفلُ بن الحارثِ رضي الله عنه.

7- وربيعة بن الحارثِ رضي الله عنه.

8- وجعفر بن أبي سفيان بن الحارث رضي الله عنه.

9- وعتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب رضي الله عنه.

10- ومعتِّب بن أبي لهب رضي الله عنه، وفُقِئتْ عينُه يومئذٍ!

11- وعبدُ الله بن الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنه.

وذكَرَ بعضُهم: قَثَم بن العباس رضي الله عنهما، لكنه قولٌ مردودٌ، لأن قثمًا كان صغيرًا عند وفاة النبي ، فكيف يكون معه في القتال!

ومن المهاجرين:

12- أبو بكر الصدِّيقُ رضي الله عنه.

13- وعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

14- وعثمان بن عفان رضي الله عنه.

وفي حديث البزار عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن كلًّا منهم ضُرب يومئذ بضع عشرةَ ضربة، وهذا خبرٌ نادرٌ!

15- وعبدُ الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، كان عن يسارِ النبيِّ .

16- وأسامةُ بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما.

17- وأيمنُ بنُ عبيد الخزرجي رضي الله عنه، استشهد يومئذ، وهو أخو أسامةَ بن زيد لأمه، أمُّهما: أمُّ أيمن رضي الله عنها، حاضنة رسول الله .

ومِن الأنصار:

18- أبو دجانة: سِماكُ بن خَرشَة رضي الله عنه.

19- وسعدُ بن عبادةَ رضي الله عنه، ذكر الواقديُّ أنه صاح يومئذٍ بالخزرجِ ثلاثَ مرات يعطِّفُهم للقتال.

20- وأُسيد بن حضير رضي الله عنه، ذكر الواقديُّ أنه صاح يومئذٍ بالأوسِ ثلاثَ مرات يستفزُّهم للقتال.

21- وحارثةُ بنُ النعمان رضي الله عنه، جاء عنه أن مرَّ برسول الله وهو يناجي جبريل عليه السلام، فأخبرَ جبريلُ النبيَّ عليهما الصلاة والسلام أن حارثةَ من المئةِ الصابرة يومَ حُنينٍ، الذين تكفَّلَ اللهُ بأرزاقهم في الجنة!

22- وأبو طلحةَ، زوجُ أمِّ سُليم رضي الله عنهما، قتل يومئذ عشرين رجلا وأخذَ أسلابهم!

23- وزيدُ بن أرقمَ رضي الله عنه.

وهؤلاء جميعًا أخذتُ أسماءهم عن «سبل الهدى والرشاد» للصالحيِّ، لأنه جمَعَ منها ما تفَرَّقَ في غيره من الكتب، يعزو كلَّ اسمٍ منها إلى مصدره، مع العودة للمصادر الأصيلة التي نقل عنها كعادتي في مثل هذا.

ومن الأنصار أيضا:

24- عمْرو بنُ مَعبدَ رضي الله عنه، ذكرهُ ابنُ عبد البر في «الاستيعاب في معرفة الأصحاب».

25- وأبو بشيرٍ الأنصاري رضي الله عنه، لم يُوقَفْ له على اسمٍ صحيحٍ! ذكره الواقدي في «مغازيه».

26- وقد جاء في «سيرة ابن هشام»، أن أبا قتادةَ: الحارثَ بن ربعيٍّ رضي الله عنه، رأى مشركا يقاتل مسلما، ومُشرِكٌ آخر أتى يُعينُ صاحبَه على المسلم، فقتَل أحدَهما وقطَعَ يدَ الآخر فنزَفَ حتى مات، وحازَ أبو قتادةَ سَلَبَ القتيل بعد انفضاض الحرب، وسماه أبو بكر الصديقُ: أسدًا مِن أُسْدِ الله.

فهذه حكايةٌ تدل على ثبات أبي قتادة يومئذ.

ومن أهلِ مكةَ:

27- شيبةُ بن عثمان بن أبي طلحةَ رضي الله عنه، حاجبُ الكعبة، خرجَ إلى حُنيْنٍ كافرًا، وأراد أن يفتِكَ برسولِ الله ، فمُنِع من ذلك، ودعا له رسولُ اللهِ ، فأسلمَ وثبَتَ مع رسول الله يومئذٍ! وخبرُه مذكور في كُتب المغازي.

ومن النساء:

28- أمُّ سُليم بنتُ ملحان، والدةُ أنس بن مالك رضي الله عنهما، كانت تحمل خنجرا في يدها وتقاتل به، وكانت حينئذٍ حاملًا بعبدِ الله بن أبي طلحة رضي الله عنهما!

29- وأمُّ عمارةَ: نُسيبةُ بنت كعبٍ رضي الله عنها، مشهورةٌ بالشجاعة، قتَلَتْ يومئذِ وسَلَبَت، وكانت تندِّدُ بالمنهزمينَ يومئذٍ وتصيحُ فيهم منكِرةً عليهم!

30- وأمُّ سُليْطٍ رضي الله عنها.

31- وأمُّ الحارثِ الأنصارية رضي الله عنها، لم تنهزِم يومئذ!

ونقلت هذه الأسماء أيضا عن «سبل الهدى والرشاد»، يعزوها إلى مصادرها.

32- وأبو مالكٍ القرَظي رضي الله عنه، من بني قريظة من بني إسرائيل! ذكره ابن أبي حاتم في «تفسيره» في أثرٍ يرويه ابنُه ثعلبةُ بن أبي مالك، أن أباه أصيبَ يوم حُنين وكان من المئة الصابرة يومئذ، ولم أجد هذا الأثرَ في غير هذا الموضع، والعجيبُ أنه وَرد عند قول الله عز وجل: { فإن يكن منكم مئة صابرةٌ يغلبوا مائتين}، ولم يرِد عند ذكر آيات غزوةِ حنين في سورة التوبة.

فهذه المنقبة الرفيعة كما ترى، دخل فيها رجالٌ ونساءٌ، من أهل بيت رسول الله ، وأصحابه من المهاجرين والأنصار، ودخل فيها رجلٌ حضر المعركة مشركا ثم أسلم خلالَها، ورجلٌ من بني إسرائيل أيضا!.

وبعدَ هؤلاءِ لم أقِفْ على خبرٍ ينُصُّ على رجلٍ بِعينه، لكن يمكن أن يُستنبَط بعضُ الأسماء من سياق حكاية الغزوة، ممن يُحتمَل أن يكون من هؤلاء الصابرين، مثل ما ورد أن العباسَ رضي الله عنه نادى في الأنصار، ثم قَصَر النداءَ على بني الحارثِ بن الخزرج، فقال رسولُ الله : هذا حينَ حميَ الوطيس.

فمِن بني الحارث هؤلاء، ممن شهد هذه الغزوة، وبعضهم كان له حضورٌ بيِّنٌ في المغازي عموما:

ثابتُ بن قيس بن شماس، وبشيرُ بن سعد، وقَرظةُ بن كعب، وأبو سعيد الخدري، وعبدُ الله بن زيد بن ثعلبة، وخُبيب بن إساف، وخالد بن إساف.

كما قد يُتصَوَّرَ من سيَر بعض الصحابةِ أنهم كانوا من الصابرين يومئذٍ، ممن ذُكِرَ أنهم اشتركوا في الغزوة، أو شهدوا جميع المشاهد، واشتهروا بالشجاعة النادرة وحُسن البلاء في الحروب، فمنهم:

الزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وأبو حذيفةَ بن عتبة بن ربيعة، وعكاشة بن محصن، وهؤلاء من المهاجرين.

وعبَّاد بن بشر، ومحمد بن مسلمة، وأبو بُردَة بن نيار، وقتادة بن النعمان، ومعن بن عدي، وسهل بن حُنَيف، وعبادة بن الصامت، وهؤلاء من الأنصار.

عليهم جميعا سلامُ الله تعالى ورحمته ومغفرته ورضوانه.

والله تعالى أجَلُّ وأعلى وأعلم.

من د. أنس الرهوان

طبيب، كاتب وباحث