الأوضاع في إيران بعد قرابة 45 سنة عجاف لا تسر عدواً ولا حبيب

وصلت الأوضاع في البلاد إلى طريق مسدود، ولم يعد النظام يفكر إلا في البقاء مهما كلفه ذلك غير مكترثا بالقوانين والأعراف الدولية،وبينما يستمر رئيس جمهورية خامنئي المُعين إبراهيم رئيسي بالحديث عن إنجازاته وقطار التقدم الذي يزعم أنه يتحرك بشكل سريع نجد الصحف والتقارير الاقتصادية التي تنشرها مراكز ومؤسسات تابعة لحكومة رئيسي نفسها تقول خلاف ذلك، إذ تؤكد تراجع الوضع المعيشي وتدهور الحياة الاقتصادية والمعيشية للمواطنين في إيران.

وأشارت صحيفة «اعتماد» في تقرير لها إلى ما كشفته وزارة الرفاه الإيرانية حول الفقر حيث ذكرت أن متوسط خط الفقر للأسرة المكونة من 4 أشخاص بلغ 7.7 مليون تومان في عموم إيران، بينما بلغت هذه النسبة للمواطنين في طهران أكثر من 14 مليون تومان، وباتت فرص بقاء نظام الملالي في إيران محدودة وأيامه معدودة لا مخارج له سوى العنف والمزيد من القتل مستفيدا من تيار المراضاة والمهادنة في الغرب الذي أوصله وأبقاه في السلطة إلى هذا اليوم.

النظام يصل إلى طريق مسدود؛وتعاني البلاد من انهيار اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي

كعادتها تتجاهل السلطة الشعب ومآسيه بشكل كبير وكأنهم غير موجودين بالأساس، وأدى هذا التعامل الإقصائي من جانب الحكومة إلى تآكل شعبيتها حتى في أوساط من هم محسوبين على خطها، وهو ما أدى إلى عدم تفاعل الشارع مع أي إجراء أو سياسة تُقدِم عليها السلطة.

إن إقصاء المجتمع عن دائرة التأثير والتفاعل مع الحكومة يؤدي في نهاية المطاف إلى نوع من العزلة مع المجتمع، ويشعر المواطن بأنه أجنبي على الحكومة، وهو بالمواطن إلى خياري المواجهة للخلاص من هكذا سلطة لا تنتمي إليهم ولا تمثلهم بل وأصبحت وبالاً عليهم، فيما يفكر البعض بالهجرة وترجيحها على البقاء بأي ثمن كان.

تمر إيران الآن في ظل حكم الملالي بمرحلة انغلاق اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي، كما أن المجتمع لم يعد يثق فيما يسميه النظام بالإصلاحات خداعاً التي يتغنى بها ويغازل بها الغرب منذ عقود، وها قد وصل نظام الملالي الآن إلى طريق مسدود.

تأثير الاحتجاجات الشعبية في إيران على المشهد الاقتصادي

تختلف هذه الاحتجاجات الحالية عن سابقاتها لمطالبتها بالحريات ودعم حقوق المرأة بأدبيات تنم عن إدراك وساع بأن السبيل إلى كل الحلول هو إسقاط النظام الحاكم، نعم لقد كان الوضع الاقتصادي أحد أهم العوامل التي أزكت غضب المحتجين في فترات سابقة إلا أن الرفض الشعبي لنظام الملالي قد بلغ مبلغا من الرشد ما جعله يحدد ما يريد ويعلنه في مظاهراته وتجمعاته واعتصاماته وفي منشوراته الواقعية والافتراضية، وفي ضوء احتمالات استمرار تصاعد حالة الحراك الاجتماعي التي تشهدها إيران حالياً من المتوقع أن تؤدي الاحتجاجات إلى إرباك النظام كلياً وتحدث شروخاً كبيرة في صفوفه تؤدي تهالكه وتهلهله ذاتياً على المدى المُرتقب أو اندحاره واندثاره أمام مواجهة موجة مواجهة ثورية أقوى من سابقاتها، وقد كان النظام على وشك السقوط لولا حقن العافية العربية والغربية التي تم زرعها في أوصاله وأخرجته من الإنعاش إلى غرفة العناية المركزة، أما على الجانب فإن الشعب الإيراني ومقاومته الوطنية يرون بأنه كلما طال بقاء كلما زاد المشهد الاقتصادي تأزماً وزادت حياة الناس سوءاً وبؤساً.

تحوّلت الاحتجاجات الإيرانية سريعاً إلى حراك اجتماعي تقوده الطبقة الوسطي ضد النظام الحاكم انطلاقاً من بطشه وقمعه وتعثره في إدارة الاقتصاد الإيراني أو التعامل مع تحدياته

ويُمكن إيضاحها على النحو التالي:

1- تفاقم معدلات التضخم: يعتبر ارتفاع معدل التضخم واقعاً متأصلاً في الاقتصاد الإيراني إذ شهد ارتفاعاً في معظم السنوات خلال العقدين الماضيين، باستثناء عامي 2016 و2017 فقط حيث كانت معدلات التضخم أقل من مستوى الـ 10% نتيجة رفع العقوبات عن إيران إثر إبرام الاتفاق النووي بيد أن السنوات الأخيرة قد شهدت تفاقماً في معدلات التضخم لتبلغ 40.1% خلال عام 2021 وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.

وبالنظر إلى الأشهر الأخيرة فقد سجل التضخم حوالي 39% في مايو 2022 وفقاً للبنك الدولي أيضاً، وتشير تشير معظم التقديرات حالياً إلى أن التضخم قد وصل إلى مستويات الـ 50% في ظل ارتفاع أسعار العديد من السلع نتيجة لإلغاء الدعم؛ مما يزيد من الضغوط على الفئات الاجتماعية في إيران خاصةً ذات الدخل المنخفض ويؤدي إلى تراجع القوة الشرائية.

2- انخفاض قيمة الريال الإيراني (التومان): شهدت العملة الإيرانية انخفاضاً أمام الدولار خلال الأشهر الماضية ليصل إلى مستويات قياسية من الانخفاض تأثُراً بتوقف المحادثات النووية بين إيران والقوى الغربية إذ فقد الريال الإيراني أكثر من ربع قيمته منذ بداية العام ليصل أكثر من 360 ألف ريال مقابل الدولار وجدير بالذكر أن محاولات السلطات الإيرانية لدعم الريال قد تسببت في تآكل الاحتياطي النقدي.

3- تراجع أداء الاقتصاد: لقد أثر ارتفاع معدلات التضخم وتراجع أداء العملة سلباً على النشاط الاقتصادي إذ تتوقع معظم المؤسسات الدولية تراجع معدل نمو الاقتصاد الإيراني خلال العام الجاري، وهو ما يؤدي تلقائياً إلى تدهور الأوضاع المعيشية للشعب.

4- ارتفاع معدلات البطالة: يعاني الاقتصاد الإيراني من ارتفاع معدلات البطالة، ووفقاً لبيانات البنك الدولي بلغ معدل البطالة في إيران 11.5% من إجمالي القوة العاملة خلال عام 2021، وبلغت البطالة بين الإناث نحو 19% وبين الذكور حوالي 9.9%، وعلى الجانب الآخر تصر الحكومة على أنها وفرت العديد من فرص العمل حيث أعلنت عن توفير 750 ألف فرصة عمل خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام المالي الجاري مؤكدة وجود ما يقرب من 300 و400 ألف فرصة عمل من دون طلب وهو أمر دعائي وقول مرفوض إذ لم يتضح ذلك على واقع الحياة اليومية كما أنه يتناقض مع التصريحات المختلفة للسلطات الإيرانية.

5- تدهور الأوضاع المعيشية: يعاني الإيرانيون من تراجع مستويات المعيشة في ظل القرارات التي اتخذتها الحكومة بشأن التخلي عن دعم الدولار المخصص لاستيراد السلع الغذائية أو ما يُعرف بالدولار التفضيلي الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية بما في ذلك القمح الذي من المفترض أن تنتجه الدولة مما زاد من الضغوط على الأسر الإيرانية، ولم يخطط النظام الإيراني في سياساته إلى تعويض الفئات المتضررة من آثار ارتفاع الأسعار.

6- تزايد معدلات الفقر: ارتفعت معدلات الفقر في إيران مع تدهور الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الماضية وبات حوالي ثلث السكان اليوم يعيشون تحت خط الفقر، فيما تشير أحدث إحصاءات صادرة عن البنك الدولي في عام 2019إلىأن معدل الفقر في إيران قد بلغ حوالي 27.6%.

تداعيات الاحتجاجات:

1- مقاطعة شركات قوات حرس نظام الملالي:

بدأ المستهلكون الإيرانيون مقاطعة كبار تجار التجزئة والشركات التي يُعتقد تبعيتها لسيطرة الحرس الثوري وكيانات النظام، حيث تشير التقديرات إلى أن الحرس الثوري يسيطر على قرابة ثلث الاقتصاد الإيراني، ويهيمن على المطارات والموانئ، كما يدير العديد من الشركات، كذلك تعاني الشركات المتوسطة والصغيرة نتيجة ضعف المبيعات بسبب تراجع القوة الشرائية للمواطنين واستمرار الاحتجاجات.

2- تباطؤ النمو الاقتصادي:

تزامناً مع الاحتجاجات خفض البنك الدولي توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد الإيراني ليصل إلى2.9% فقط عام 2022، في حين كان البنك يتوقع أن يصل النمو إلى3.7% خلال ذلك العام، أما بشأن العام المُقبل فقد خفض البنك توقعاته إلى2.2% مقارنة بتوقعاته السابقة البالغة 2.7% ليكون هو الأضعف بين الاقتصادات المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وذلك وفقاً لتقرير البنك الدولي بشأن اقتصادات المنطقة الصادر في أكتوبر 2022.

3- تراجع سعر صرف الريال:

يشهد الريال الإيراني تراجعاً أمام الدولار الأمريكي وسط الضغوط الاقتصادية واستمرار الاحتجاجات،وقد هبطت العملة الإيرانية في 5 نوفمبر 2022 على نحو قياسي أمام الدولار خلال التداول لتصل إلى مستويات أكثر من 360 ألف ريال أمام الدولار ومرشحٌ لمزيد من التدهور في هذه السياسات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية التي يتبعها النظام.

4- تأثُر الاستثمارات والصادرات النفطية سلباً:

في حال استمرار الاحتجاجات وتزايد حدتها في المقاطعات الغنية بالثروات النفطية، قد تتأثر عمليات الاستثمار في قطاع الطاقة سلباً فضلاً عن اضطراب عمليات الإنتاج والتصدير، علماً بأن ارتفاع معدلات تصدير النفط والمكثفات قد أدى إلى ارتفاع دخل الخزانة الإيرانية بنسبة 580% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام المالي الجاري.

5- زيادة معدلات هجرة العقول:

ترفع الاضطرابات الاجتماعية وسياسة القمع وانعدام الحريات وسوء المعيشة من رغبة الشباب الإيراني في الهجرة إلى الخارج في ظل تأزم أوضاع الاقتصاد الإيراني بحثاً عن فرص تعليمية ومهنية ومعيشية أفضل ويقدر صندوق الدولي الخسائر المترتبة على هجرة العقول في إيران بحوالي 50 مليار دولار سنوياً.

ووفقاً لهذه المعطيات التي أوردناه في هذا الجزء من المقال والأجزاء الثلاثة السابقة فإن كل الظروف الداخلية مهيأة لسقوط وزوال نظام ولاية الفقيه وقد أصبح أمراً حتميا بعد أن رأى الشعب الإيراني حجم وخطورة المؤامرات المحيطة به من الداخل والخارج وأيقن أنه لا خلاص له ولا حل له سوى الذي يصنعه هو بثورة عارمة تقوم ولا تقعد إلا وقد حققت أهدافها المرجوة.  وتجدر الإشارة هنا إلى أن الملالي قد وزعوا مكرهم وإجرامهم وإرهابهم ونزعتهم العدوانية الفوقية على منطقة الشرق الأوسط برمتها فلم ولن يسلم منهم أحدا سواء طبع أو لم يطبع،كما نؤكد هنا على أن القوى المدنية الحرة في الغرب تدعم ثورة الشعب الإيراني ومقاومته، وأن انتصار ثورة الشعب الإيراني ومقاومته لا محالة واقعٌ، وسوف يغير من سياسة الدولة العميقة في الغرب ويفرض الحقائق على الأرض كأمر واقع لابد منه حتى ولو بعد حين.

د. سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي