دروس في السياسة وتأثيراتها على الساحة التركمانية (7)

الأتراك والسياسة.. الدروس المستفادة من سياسة إمبراطورية «گوك تورك»

هيأت الأوضاع في بداية القرن السادس الميلادي ولادة قوة جديدة أخرى بعد دولة «هون HUN» التركية التي أحكمتْ السيطرة على المنطقة ووسعت من مناطق نفوذها نحو الغرب، ألا وهي سلالة «گوك تورك» التي أسست أول إمبراطورية تحمل اسم «الترك» بشقيها الشرقي والغربي ووضعت اللبنات الأساسية للتاريخ التركي .

تأسست إمبراطورية «گوك تورك» عام 522م في مناطق آسيا الوسطى والصين واستمرت حتى العام 744م، واتخذت من مدينة «اوتوكن Otüken» التي تبعد حوالي 60 كم عن مدينة «قره قوم Kara Kum»عاصمة لها، وحكمت لمدة قرنين من الزمن في مناطق شاسعة امتدت من سد الصين وﺴﻭﺍﺤل ﻤﻀﻴﻕ «سخالين Sakhalin» في شرق روسيا على المحيط الهادي الشمالي، وﺒﺤﻴﺭﺍﺕ «آﺭﺍل» ﻭ«ﺒﺎﻟﻘﺎﺵ» ﻭ«ﺒﺎﻴﻘﺎل» وﺍﻟﺴﻭﺍﺤل ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﺭﻗﻴﺔ ﻟﺒﺤﺭ «ﺍﻟﺨﺯﺭ» وﺠﺒﺎل «ﺍﻭﺭﺍل» ﻭحوض «ﺍﻭﺭﺍل» ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﻭلغا ﻏﺭﺒﺎ، وﺇﻟﻰ ﻜﺸﻤﻴﺭ ﻭﺍﻟﺘﺒﺕ جنوبا، واُعتبرت واحدة من الإمبراطوريات التركية التي أضفت على التاريخ التركي أهمية خاصة، وتركت بصمات واضحة في تاريخ الأتراك وفيما وصلوا إليه من التطور والتقدم في جميع المجالات وفي تأسيس الدول والإمبراطوريات التركية وخاصة الإمبراطوريتين السلجوقية والعثمانية .

ويُعتبر «بومين كاغان Bumin Kağan» مؤسس هذه الدولة، وكان شقيقه «إسته مي كاغان İstemi Kağan» حاكما للقسم الغربي من الإمبراطورية، وكان والدهما «اولوغ يابغو Uluğ Yabgu» ملكا لقبيلة «گوك تورك» قبل تحولها إلى إمبراطورية.

واستطاعت هذه الإمبراطورية بفضل سياستها الحكيمة من توحيد جميع القبائل التركية تحت رايتها ما عدا «البلغار» و«الياقوت».

وقد مرت هذه الإمبراطورية عند تأسيسها بمرحلتين: دولة «گوك تورك» الأولى (552 – 630م) و دولة «گوك تورك» الثانية (681 – 744م)، ودخلت هذه الدولة تحت النفوذ الصيني بين السنوات (630 – 681م) .

وكانت لهذه الإمبراطورية مجلس سياسي يتم فيه مناقشة القضايا السياسية والأمور المتعلقة بالإمبراطورية، وأقامت بفضل سياسة الانفتاح علاقات عسكرية وسياسية واقتصادية مع الصين والدولة الساسانية في إيران والإمبراطورية البيزنطية في الغرب .

وكانت لإمبراطورية «گوك تورك» مجلس سياسي خاص يجتمع فيه الشيوخ والحكماء والمستشارين لمناقشة القضايا الخاصة بالدولة، وقد ورد اسم هذا المجلس على شكل «طوي Toy» في كتابات «اورهون Orhun Yazıtları» وسُمّي أعضاء المجلس بإسم «طويغون Toygun».

لقد اعتمدت الدول التركية على سياسة حكيمة، وكان «الخاقان» أو ملوك الأتراك يعتمدون في قراراتهم على الوجهاء والمستشارين الذين كانوا يشكلون مجلساً استشاريًا يتم فيه مناقشة جميع الأمور المتعلقة بالدولة وبالإمبراطورية، وعليه فقد استمر حكم هذه الإمبراطوريات لقرون عديدة وخاصة الإمبراطورية العثمانية التي حكمت ما بين السنوات 1299 – 1922م .

إذن ما هي الدروس المستفادة من هذه المقدمة؟ وما هي تأثيراتها على الساحة السياسية التركمانية؟

يعتبر تشكيل المجلس السياسي لأي حزب من الأحزاب مقوم أساسي من مقومات العمل السياسي، ويجب على التركمان تطبيق سياسة إمبراطورية «گوك تورك» والقيام بتشكيل مجلس سياسي أو «مجلس التركمان».

ويضم هذا المجلس ممثلي جميع الأحزاب السياسية التركمانية الحقيقية بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية والمذهبية بالإضافة إلى الشخصيات السياسية ورجال الأعمال ومن الطبقة المثقفة وممثلين عن الطبقة العاملة مع عدم استثناء أي طبقة من طبقات الشعب، لأن الشعب كتلة واحدة ولا يجب التفريق بينهم .

ويجب أن يشارك في هذا المجلس ممثلين أو مندوبين عن جميع المناطق التركمانية «توركمن إيلي» ولا يجب حصر العمل السياسي في كركوك فقط وهذا خطأ كبير لأن ذكر اسم كركوك فقط سيُبعد تركمان المناطق الأخرى عن القضية،

فنحن بأمس الحاجة اليوم إلى أشقائنا في تلعفر والموصل والقرى التابعة لها، وفي أربيل وكركوك وصلاح الدين وبغداد وديالى والكوت بالإضافة إلى التركمان المستقرين في بقية المحافظات العراقية وفي خارج العراق.

كما أنه من الضروري جداً استدعاء الشخصيات السياسية التركمانية من خارج العراق والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم السياسية .

وقد أوجب الله سبحانه وتعالى الشورى على الأمة في سور كثيرة منها سورة آل عمران الآية 159،

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) .

إن تأسيس المجلس هو مشروع وحدة إقليمية يجمع جميع المناطق التركمانية في إقليم التركمان «توركمن إيلي»، وفي حالة تعذر تحقيق اجتماع أعضاء المجلس لبعض الأسباب الطارئة فينوب عنه المجالس الفرعية المشكلة في كل منطقة من إقليم «توركمن إيلي».

ويتولى المجلس رسم سياسات عامة للأحزاب، ويكون تكريساً لمبدأ العمل المؤسسي منها: إصدار قرارات ترشيح المرشحين للانتخابات ومراجعة القرارات الصادرة من قبل الحكومة العراقية وعدم الاعتراف بالقرارات الفردية المتخذة من قبل السياسيين الذين يمثلون الشعب في أروقة البرلمان، وتوحيد الخطاب السياسي التركماني، وتشكيل لجان تقوم بالواجبات الملقاة على عاتقها منها:

اللجنة السياسية، اللجنة الاقتصادية والمالية، اللجنة العسكرية، اللجنة الثقافية، اللجنة الاجتماعية، لجنة حقوق المرأة أو التشكيلات النسوية، لجنة الشباب، اللجنة القانونية، اللجنة الاستشارية، لجنة الاستثمار والمشاريع، اللجنة الصحية، اللجنة الزراعية، اللجنة الرياضية وغيرها من اللجان . وسأقوم بتقديم شرح وافٍ عن كيفية تشكيل هذه اللجان ومهام كل لجنة في الحلقات القادمة ان شاء الله .

وفي الختام فإن تشكيل مجلس التركمان الذي يضم جميع اللجان هي دعامة أساسية في العمل السياسي وبدونها ستتعثر الخطوات السياسية، وهذا ما يحصل اليوم فالقضية التركمانية وبفضل أخطاء بعض السياسيين دخلت في دهاليز تاهت فيها القضية التركمانية، وتاه معها السياسيون، ولكن يجب علينا مساعدتهم وإنارة الطريق لهم بمشعلة مجلس التركمان ليصلوا إلى الهدف المنشود .

على أمل اللقاء بكم في الحلقة الثامنة: الأتراك والسياسة.. الدروس المستفادة من سياسة الدولة السلجوقية.

من د. عاصف سرت توركمن

ممثل الجبهة التركمانية العراقية السابق في بريطانيا ثم أمريكا