د. عبد الحليم قابة

آمال نخشى أن تتبخَّر!.. كنا نأمل -بعد التغيّرات الكبيرة في بلادي الحبيبة- أن يكون التغيير جذريا، لأن الأساس إذا بقي دون إصلاح فإن خطر انهيار البنيان يبقى قائما.

 

ولكن يبدو أن هناك بقية باقية – ممن لا يريد للجزائر أن تتغير عن وضعها الأول – لم يَنَم ولم ييأس وما زال يجتهد أن نبقى تابعين لفرنسا في لغتها وهيمنتها على اقتصادنا وثقافتنا وأوضاعنا !

 

ولكن أملنا لم ينقطع بحمد الله؛ لإيماننا بالله وقدرته، وتصديقنا بوعده، ولوجود بعض الأخيار في بلدنا وفي جميع الميادين، لا يمكن أن يخونوا بلدهم، ولا يمكن أن يتخلوا عنها مهما كانت الصعوبات والعراقيل.

الخير في أمة محمد

فالخير في أمة محمد إلى قيام الساعة، والناس في قلوبهم إيمان لا تقهره فرنسا ولا أتباعها مهما فعلوا.

 

كنا نأمل -بعد التغيرات الكبيرة في بلدي- أن تسند الأمور في جميع الميادين وعلى جميع المستويات إلى الكفاءات المخلصة، التي تخاف الله ولا تقصّر في أداء مهامها وتقدم مصلحة الأمة على مصالحها الشخصية.

 

ولكن يبدو أن ذلك حصل في بعض المجالات والمسؤوليات، ولم يحصل في كثير منها،

فقد فوجئت الأمة ببعض الوجوه التي لا تحترم المبادئ ولا تشرّف الجزائر تسند لها مهام خطيرة على أمن الأمة وإيمانها،

مما طرح تساؤلات عديدة، لم يجرؤ أحد أن يجيب عنها بصراحة وصدق!!!

 

ولكن أملنا لم ينقطع، فإن الله لا يخفي  عليه شيء من صدق الصادقين وكذب الكاذبين، وهو يمهل ولا يهمل، والعاقبة للمتقين.

 

ثم إن وجود بعض الأفاضل والأخيار في مواطن مؤثرة وحساسة فيه بصيص من الأمل نتشبّث به – بعد الله – لكي لا يقتلنا اليأس،

ولنستمر في تطلعنا وسعينا لما يتطلع ويسعى إليه الشرفاء في بلادنا الشريفة.

كنا نأمل

كنا نأمل -بعد التغيرات الكبيرة في بلادنا الحبيبة– أن تسند مهمة وضع دستور لجزائرنا الجديدة لأناس مختصّين ومخلصين في ولائهم للأمة ودينها وثوابتها،

وأن لا يكون فيه أيّ بند لا يرضي الله ولا ترضى به الأمة، وأن لا يكون فيه شيء من مكائد فرنسا بنا وبعوامل وحدتنا،

يأخذ القائمون على كتابته بنصائح المختصين الذين أبدوا اقتراحاتهم، وهم كثيرون جدا، فيكون دستورهم فعلا موافقا لدينهم وثوابت وطنهم، ومعبّرا عن تطلعات الأمة وعطاء خبرائها.

 

ولكن يبدو أن  إسناد المهمة لأشخاص كان بعضهم وراء مهام قذرة فيما مضى، أمر يطرح آلاف الأسئلة؟

 

ووجود بنود أجمعت كلمة الخبراء أنها قنابل موقوتة أمر في غاية الخطورة!

 

والإعراض عن اقتراحات الجمعيات والهيئات والخبراء والإبقاء على أغلب ما اعترضوا عليه، مع ادّعاء خلاف ذلك، أمر زرع اليأس من جديد في قلوب الآلاف إن لم نقل الملايين!

تصويت بنسبة 100/%

ثم إن تصويت المجلس بنسبة 100/% أمر يدل على أن هناك أمرا غيرَ طبيعيّ، دون ريب!!!

أو أننا ما زلنا لا نسند المناصب الحساسة إلا لمن لا يعرف كلمة (لا) بل يخشى حتى من التحفظ، تماما كما كان الأمر فيما مضى!!!

 

أقول هذا وأنا لا أتَّهم الجميع؛ فإن في بلدي أخيارا قد لا نعرفهم،

ولا أتهم النيّات؛ فإنها مما لا يعلمه إلا الله، ولا أعمّم الحكم على كل الموادّ؛

فإن هناك مواد صواب كلّها وليس عليها اعتراض من أحد، ولابد منها،

وأيضا لا أرفع راية التشاؤم؛ فإن التشاؤم أول طريق الهزائم.

وإن تعميم الأحكام دون دليل ظلم للناس وجهل لا يليق.

 

ولكني اُعبّر عن واقع مرير لا يختلف عليه اثنان،

لعلّ مَن كان يريد الإصلاح -حقا وصدقا- ينتبه إلى ما عسى أن يكون غَفل عنه،

فيستدرك ما استطاع أن يستدرك،

أو لعلّ مَن كان يريد شرا بالأمة – جهلا أو مكرا –  يعرف بأن الأمة لا يمكن أن تخدع أكثر مما خُدعت.

وأن آهات المظلومين آن أوان الانتقام الرباني لها. نسأل الله أن لا نعذَّب بما فعل السفهاء منا.

طرح الدستور على الخبراء

كنّا نأمل أن يطرح الدستور على الخبراء والعلماء والفقهاء والمختصين فقط،

ويصوت علية مادة مادة،

بعد الأخذ الجاد بالصواب من اقتراحات الهيئات والمؤسسات والجمعيات والمجتمع المدني، أو الاهتمام الصادق بها.

 

ولكن يبدو أن من يصرّ على التصويت المجمل يريد تمرير ما يريد باسم من لا يريد.

 

ومع ذلك أملنا في الله كبير؛ فإن التجارب علّمتنا أنه رغم قيمة الدساتير وأثرها البليغ،

فإن قيمة إخلاص الرجال، وعزائم الرجال أقوى من الدساتير،

وأن صلاح الرجال سيغطي على فساد الدساتير التي  تعلمنا في بلادنا العربية أن أغلب موادها تبقى حبرا على ورق.

 

كنا نأمل…. ويبدو….. ولكن….

آمالنا كثيرة،

ويبدو أن كثيرا منها لا يريد أعداءُ وطننا وديننا، أن نَنْعم به،

ولكن الأمل في الله كبير، ثم إن أملنا في أفاضل وطننا وأخياره كبير أيضا،

وسيجعل الله كيد الكائدين في نحورهم، (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).

وسيتحرك الإيمان في النفوس، وسنترك خلافاتنا، وسنجتمع على كلمة سواء مع جميع أبناء وطننا دون استثناء،

وسنفوت الفرصة على عدوّنا باجتماع كلمتنا، وقد وعد الله المؤمنين الصالحين بأن يحقّق لهم الآمال،

بشرط أن يحققوا ما طلبه منهم، والله لا يخلف الميعاد.

 

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنوا مِنكمْ وَعَمِلوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيمَكِّنَنَّ لَهمْ دِينَهم الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهمْ وَلَيبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبدونَنِي لَا يشْرِكونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأولَٰئِكَ هم الْفَاسِقونَ (55) وَأَقِيموا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ ترْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا معْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)}. سورة النور

د. عبد الحليم قابة

من د. عبد الحليم قابة

كاتب وباحث جزائري. أستاذ بجامعة الجزائر سابقا وبجامعة أم القرى حاليا