د. عبد الحليم قابة

(نرجو أخذ ما صفا وترك ما كدر، والتريث في التعليق إلا بعد الانتباه إلى القيود والاحترازات، وأن تنتبهوا إلى أن هذه الرؤية مستقاةٌ من كلام كثير من أفاضل الجزائر والمهتمين بشأنها من الباحثين والخبراء والمفكرين، وأن تنشروها على أوسع نطاق لتصل إلى من يحوِّل علمَها إلى عمل، فإن الدال على الخير كفاعله).

 

نقول وبالله التوفيق:

 

– الجزائر تمر الآن بمرحلة حرجة وحسّاسة، دون ريب.

 

– والقرارات فيها حاسمة وخطيرة وذات أثر كبير على الجميع، دون شك.

 

– وقد طرح كثير من الأفاضل مبادراتٍ وآراءَ وحلولاً، لا شك في أهميتها ونضجها وضرورة العمل بما فيها.

 

– والخطر الأكبر يكمن في الإعراض عن مجموع آراء جمهور أفاضل الأمة وأخيارها وعقلائها، واتخاذ قرارات ومواقف بناء على ردود أفعال هوجاء، أو بدوافع لا يقرها شرعٌ ولا عقل، وليست في مصلحة البلاد والعباد.

 

– وهناك مخاطر محدقة ببلادنا، من تخطيطات الأعداء، أو من أخطاء بعض الأولياء، أو من تعصب بعض المتعصبين، وجهالات بعض الجاهلين، خصوصا الدعوة النشطة – بقصد أو دون قصد – لتحريك العداوات بين الأمة الواحدة (شعبا وجيشا، عربا وغيرهم، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا…) والدعوة إلى تجاوز الثوابت (دينيا ووطنيا) وهي أظهر من أن تُظهر، ومصادرها معلومة لا تخفى.

 

كلُّ ذلك يحتِّم على الجميع المبادرة لترك حظوظ النفس، والكفر بالعصبية النتنة بجميع صورها، والاجتهاد في جمع الآراء على كلمة سواء، والتعاون على مقاومة المكائد وصدّ المخاطر، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. ووضع اليد في اليد لإنقاذ الجزائر، واستغلال لهذه الفرصة الثمينة لمصلحة وطننا وأمتنا وديننا.

 

وهذه محاولة أخرى، ألخص فيها ما تريده الأمة – من خلال كثير من المنشورات والمبادرات – فيما نستقبل قريبا من قرارات مصيرية ومهمة للغاية على مستقبل البلاد وأمنها ورقيها واستقلالها.

 

أولا: قرار انتخاب رئيس للبلاد – بالشكل المناسب وفي الوقت المناسب – مطلبٌ للجميع، دون ريب، وبقاء البلاد دون رئيس منتخب، أو استمرارها في وضع مضطرب، أمرٌ لا يرضاه أحد ممن يريد الخير للبلاد أو العباد. ومن لا يُسَلِّم بذلك فهو لا يعرف سنن الله في الأمم والجماعات، ولم يجرّب مآسي الكوارث والأزمات.

 

ثانيا: فتح المجال للكفاءات – بشروط معقولة متفقٍ عليها – للترشح للرئاسيات أو للترشيح لها ، أمر ضروري ولازم، وهو من الأهمية بالمكان الأعلى؛ للاستفادة مما في بلدنا من الاختصاصات والقدرات، ولضمان تحقيق الأهداف، وللسلامة من تكرار تجارب أليمة أضرت بالبلاد والعباد، ولتحقيق التغيير المنشود الذي هو مطلب عام، ونخشى من أن غيابه سيعيدنا إلى ما كنا عليه. والعياذ بالله.

 

ثالثا: ضمان نزاهة الانتخابات بشكل واضح وسليم وشفاف، وذلك بإبعاد كل المكروهين (المشبوهين، أو ذوي السوابق المُخزية، أو الذين لا ترضاهم الأمة) عن صناديق الانتخابات، والإشراف عليها، وتسييرها،.

 

والمطلوب تشكيل لجان حرة موثوقة؛ لتُقبل الأمة على انتخاب رئيس يشرّفها، وهي راضية مرضية.

 

وهذا الأمر هو أهم أمر على الجميع (شعبا وجيشا وحكومة) الحرص عليه؛ لخطورة التساهل فيه، والذي قد يؤدي إلى رفض عملية الانتخاب، أو فشلها، أو ضعفها، أو ذهاب ثقة الناس منها، وكل ذلك ليس في مصلحة أحد، وقد يجعل الأمور تتعقد.

 

رابعا: على الأمة أن تبادر إلى ترشيح بعض الكفاءات التي ترضاها، والذين قد يكون لديهم شيء من التردد، بعد ضمان نزاهة الانتخابات، وتوفّر شروط شفافيتها.

 

وعليها تركُ التردد في المشاركة إذا تحققت الشروط، وترك الخضوع لدعوات المقاطعة غير المدروسة العواقب؛ لأن المقاطعة – بعد تحقق الشروط – خطر ينتظره أعداء الاستقرار في الجزائر، والراغبون بخلط الأوراق، لأنهم لا شعبية لهم ولا وزن، فمن مصلحتهم الاضطراب. وكلمة العقلاء متفقة على أن الاجتماع ولو على المفضول أفضل من التفرق على الأفضل؛ لما في الاجتماع والاتفاق من خير عميم .

 

خامسا: ندعو المسئولين ومن بأيديهم القدرة على القرار والتنفيذ، أن يستعجلوا بالإصلاح الشامل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وإسناد الأمور إلى من هو أهل لها ممن يخاف الله، و تلبية المطالب المشروعة والصالحة من مطالب الجماهير؛ لأن هذا واجبهم أولا، ولأنه السبيل الوحيد لكسب ثقة الأمة، والتخفيف من ردود الأفعال التي لا تُحمد عقباها، ولا يستفيد منها إلا أعداؤنا.

 

سادسا: ندعو أبناء جزائرنا الحبيبة – وهم في مسارهم السلمي الراقي – أن ينتبهوا إلى مكائد من اخترقهم ليدفعهم إلى ما يضرهم من المطالبة بما ليس فيه مصلحة للبلاد والعباد، أو المطالبة بما لا يمكن تحقيقه الآن، أورفع شعارات جاهلية وعصبية، أو شعارات فيها استفزاز وتخوين لبعض الناس أو الجماعات ولا مصلحة فيها إلا لمن يريد أن لا تسير الأمور إلى نهايات طيبة.

 

وندعوهم جميعا أن يجتمعوا على قضاياهم الكبرى وثوابتهم الدينية والوطنية، وأن لا يسمحوا لأحد باختراقها، كلُّ ذلك دون إحداث فتن وصراعات لا مصلحة للجزائر فيها.

 

سابعا: إذا قدر الله وسارت الأمور على غير ما نحب ونرضى، وعلى غير الكمال المرغوب والمحبوب؛ فلا بد من جعل الحفاظ على الجزائر أولى الأولويات، ولا بد من استمرار السعي نحو تحقيق المعالي من المطالب بما هو ممكن ومتاح، ولا ينبغي التخلي والانسحاب من واجب خدمة البلاد والعباد بما نستطيع كما أمر الله، مع مراعاة المصلحة العليا للجزائر، والثبات على ثوابت الأمة وعوامل وحدتها، حتى يُحدث الله أمرا كان مفعولا. ولله الأمرُ من قبل ومن بعد ، والله الموفِّق وهو يهدي السبيل.

د. عبد الحليم قابة

من د. عبد الحليم قابة

كاتب وباحث جزائري. أستاذ بجامعة الجزائر سابقا وبجامعة أم القرى حاليا