معلومٌ من غير شكٍّ أنَّ ابنَ الميدان أدرى بظرفه وأخبر بمحيطه، وما الذي ينبغي فعله أو تركه وعلى أي وجهٍ يُفعل لو ترجَّح الفعل.

وأنا أكتب هنا عن بعدٍ بدافع الحب لا الخبرة بالميدان عن قرب، وقد يكون ما أسطره من المعلوم البدهي عند أصحاب الشأن،

ومع ذلك فإنَّ ما يُكتب عبر هذا الفضاء العام فإن لم ينفع فأرجو ألا يضر، وأستغفر الله من الزلل.

وقبل تسطير مادة الرسالة أذُكِّر بأمرين:

الأول:

إنَّ أخوف ما يخافه العدو وجود جهة ميدانية موَجِّهةٌ للأحداث تعمل على الأرض لا يظهر في عملها الاضطراب أو التخبط.

ويزداد الوجع عليه لو كان لها اسمٌ واضحٌ يقف خلفه أناسٌ مجهولون،

ولها منصة إعلاميةٌ تتسلل من خلالها إلى كلِّ فردٍ وهو قابعٌ في بيته.

والآخر:

إنَّ العدوَّ أقدر على التتبع التقني منا، وجهودنا مهما عظمت تبقى أقرب إلى الفردية،

وليس هناك أي وسيلة آمنة في وسائل التواصل الاجتماعي المعروفة، بما في ذلك التليغرام،

فهو وإن كان أحسن حالًا من الواتس والفيس.. إلا أنه ليس آمنًا في نفسه ولو مع خاصية التدمير الذاتي للرسائل.

إذا علِمَ ذلك فإني أعرض مادة الرسالة في ثماني نقاط:

أولًا:

لا بد من التواصل مع خبراء تقنيين لإيجاد معادلة مفادها: الاستفادة التامة من الإعلام ووسائله دون الوقوع في شباكه.

ثانيًا:

عدم الإكثار من البيانات، بل تكون قليلة العدد وقليلة الكلمات إلا من حاجة، وتحسِنُ التوجيه وإدارة الميدان كرًّا وفرًّا،

وبث الوعي المطلوب خاصة في قضية القدرة على تنفيذ الهجمات وإعدام كل سبيل يوصل إلى أصحابها، وبذلك تبقى مهابة الجانب، ينتظر قولُها وينفَّذ.

أما المجموعات التفاعلية..

فهذه تكون من وظيفة الجمهور، ويمكن أن تدار من خلال المقرَّبين من أصحاب الشأن، ولكن لا تحمل أي صفة رسمية للعرين،

وينبغي أن تستثمر في جانبين: حسن التحريض والتقاط الأفكار المختبئة في صدور الجماهير.

ثالثًا:

إدارة الهدوء كإدارة التصعيد، فلا بد من خطَّةٍ تطول بحيث لا يكون الحديث عن جولةٍ عابرةٍ تستنفذ المشاعر ثم تنصرف الأذهان،

لا سيما إذا قتل أكابر المجموعة أو اعتقلوا، وهذا أوجع للكيان من الجولات العابرة مهما اشتدت.

رابعًا:

لا يوجد في عالم الحراك الثوري الناجح عملٌ عفويٌّ أو عشوائي كما يتوهَّم؛ بل يوجد عملٌ منظَّمٌ يظهرُهُ القائمون عليه أنه عفويٌّ أو عشوائي.

وأريد بذلك أن يكون هناك مجلسٌ قياديٌّ للحراك، ويتوزع تحته مجموعات من عدة مناطق،

ويتم التشاور طويلًا في إنتاج نظام يورث القيادة تلقائيًّا فيما لو تم القضاء على القادة البارزين، بحيث لا يبقى الحراك مرتبطًا بأشخاص.

خامسًا:

كلما كان الأداء أشد تركيزًا كلما كان أحفظ للنفسيات وأكثر تحريضًا للجماهير، ولذلك فالقليل الموجع خيرٌ من الكثير المُشتَّت.

سادسًا:

حاجة الضفة والقدس للرجال لا تعدلها حاجة، ولهذا لا ينبغي الاستسلام لفكرة استشهاد أكثر من يسلك هذا المسلك،

وأنَّ كلَّ بطل لا بد أن ينتهي المشهد إما بقتله أو باعتقاله، بل حاجة الوقت تفتٍي بتفعيل ثقافة الاحتفاظ بالرجال لأطول مدى، وتقليل أعداد الشهداء ما أمكن،

وأنَّ صاحب المهمة لا بد أن يعود سالمًا في أكثر الأحيان، وتكون العناية بخطة انسحابه وبقائه نفس العناية بهجومه وإثخانه.

صحيحٌ أننا نستفيد غاية الاستفادة من وجود شهداء يحرضون الجماهير بدمائهم.. إلا أنَّ المرحلة تتطلب بقاء الكادر المجاهد فاعلًا،

وإيجادُ المجاهد في بيئة يجتمع عليها عدو محتل وعميلٌ خائن ثم تكوينه وتدريبه وتسليحه وجَعْلُهُ ذا خبرةٍ أمرٌ شاق.

وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر بعدم الهَلَكة، بينما تمنى أن يغزو فيقتل فيما بعد،

ودعا غلام الأخدود بالنجاة حين أحاط به الظالمون في المرة الأولى وكذا الثانية، فلما كان الناس ينتفعون بقتله بادر هو لدلالة الملك على طريقة قتله.

وقد بسطت القول في هذه المسألة ضمن فتوى منشورة هذا رابطها:

 (https://t.me/mastal/1720).

سابعًا: التعمية عند التواصل العادي، فيكون الجوال كشافًا لا تصوير فيه، والتعامل بكلمات مرمَّزة متفق عليها سلفًا،

ولا يظهر للمتعقب من العدو أنها رموز، وغير ذلك مما يعرفه أهل الميدان.

ثامنًا: تيسير استنساخ التجربة، فلو افترضنا أنَّ المجموعة تفككت لأي عارض..

فيكون هناك ثقافة منشورة تشبه الخطة البديلة التي تيَسِّر إنشاء مجموعات على نفس المنوال،

ولا بد من الاستفادة من قنوات التليغرام في توجيه الأفراد والقدرة على تجميعهم.

وأخيرًا:

لقد رفع المجاهدون هناك رؤوسنا عاليًا، فشكر الله لهم وتقبل منهم، وأرجو الله أن يوفقهم وينزل السكينة عليهم ويسدد رميهم ويبعد العيون عنهم.

من د. محمد الأسطل

من علماء غزة وفقهائها