د. محمد الفرا

الطبيعيُّ في علاقتِنا بالصهاينةِ أنّهم احتلّوا أرضَنا، ودنّسوا مقدساتِنا، وانتهكُوا حرماتِنا، وأخرجونا مِن بلادنا، فيلزمُنا الدفاعُ عن حقوقنا، ويجبُ علينا قتالُهم كما قاتَلونا، وإخراجُهم مِن حيث أخرَجُونا، والفتنةُ أشدُّ من القتل.

التّطبيعُ مع الاحتلالِ قائمٌ على جعلِ ما ليسَ طبيعياً طبيعياً، وتحويلِ العدوِّ القاتلِ إلى وليٍّ حميمٍ، وصديقٍ مسالم، وجارٍ له حقٌّ في الأرض التي غصبَها من أهلِها، فيمنع قتالُه، وتجبُ نصرتُه وتلزمُ نجدتُه علَى من قاتلَه!

التّطبيعُ مع الاحتلال ليس مجرّد هُدنةٍ يسعُها النّظر في تدابير السّياسة الشّرعية، بل هو نصرةٌ مطلقةٌ للأعداءِ، وولاء كامل لهم، ونسجٌ كاملٌ للعلاقات الاقتصادية والعسكرية والاقتصادية والثقافية معهم، وهذا رِدّة وكفرٌ، وقولٌ بغيرِ ما عليه ملّةُ أهلِ الإسلامِ؛ ومَن يتولّهم منكُم فإنّهُ منهُم.

لا باركَ اللهُ في عمامةِ شيخٍ كبُرَت، ولا لحيةِ مُتعالم مهما طالَت، ولا ثوبِ داعيةٍ مهما قصُر، ولا قلمِ مثقّفٍ مهما سالَ؛ يحاولُ التّدليسَ على المسلمينَ بتحريفِ السُّنةِ والسّيرةِ، وليِّ أعناقِ الآياتِ القرآنيّة؛ للتسويغِ للأنظمةِ المُجرمةِ الفاجرةِ التي تسارعُ في ولاء المحتلينَ، ونُصرتِهم علينَا.

كل دولةٍ عربيّةٍ أو إسلاميّةٍ، فتحَت لها سفارةً أو قنصليّةً، في الكيانِ الصهيونيّ الغاصبِ، أو كانَ للاحتلالِ الصهيونيّ سفيرٌ، أو قنصلّ، أو ممثلٌ فيها، أو نسجَت علاقاتٍ سياسيةً، أو اقتصاديةً، أو ثقافيةً، أو أمنيةً معهُ، فهي دولةٌ مطبّعةٌ مع الاحتلالِ، ونظامُها خائنٌ للهِ ورسولِه وللمؤمنينَ.

ليسَ مِن حقِّ أيِّ نظامٍ عربيٍّ، أو غيرِ عربيٍّ، أن يتذرّع في تطبيعِه مع الاحتلالِ الصهيونيُّ بأنه يفعلُ ذلكَ من أجلنا أو لمصلحة فلسطين، فنحنُ راشدونَ، ولا نقبلُ وصايةً مِن أحدٍ علينا، والنيةُ الصالحةُ – لو افترضنَا وجودَها جدلاً – لا تصححُ العملَ الفاسدَ، وما بني على باطلٍ فهوَ باطلٌ.

التّطبيعُ في السّرِّ كالتّطبيعِ في العلنِ، والمجاهرةُ بالزنَى لا تجعلُ منه زواجاً شرعياً، بل يُصبحُ فجوراً علنيّاً، والراضي بِه ديوثٌ، والمُدافعُ عنه ملعونّ، والمُبرِّرُ له مأفونٌ، من سكتَ عن نصرةِ الحقِّ وأهلِه كانَ مناصراً للباطلِ وحزبِه.

ليسَ مِن حقّ السّلطةِ أن تستنكرَ التّطبيعَ العلنيّ بينَ إماراتِ الشّر والاحتلالِ الصهيونيّ؛ لأنها وليدةُ سفاحٍ محرّمٍ مع الاحتلالِ اسمُه أوسلو، ونبتةٌ شيطانيّةٌ سُقيت بماءِ آسنٍ، فأثمرَت مقاولةً أمنيّةً قامَت على معادلةِ الأمنِ مقابلَ السّلام، والواجبُ على منظمةِ التحريرِ الفلسطينيّةِ أن تتحلّل من ربقةِ كل الاتفاقيّاتِ السياسيّةِ المُهِينَةِ التي وقّعَتها مع الاحتلالِ، وأن تُعيد للقضيّةِ الوطنيّة سيرتَها الأولَى.

لفظُ التّطبيع، ومواجهةُ حالةِ الرّدّةِ العربيّةِ عن نُصرةِ القضيّة الفلسطينيةِ يتطلّبُ اجتماعاً للكلمةِ على الحقِّ، ونبذاً للفرقَة والانقسامِ، واعترافا بفشل المُراهنة على الشّرعية الدوليّة، والحلولِ السّلميّةِ التي ما زادَت أصحابَها إلا خبالاً، وتفعيلا للمقاومة المسلحةِ في الضفّةِ المحتلةِ.

أقسمُ باللهِ العظيمِ غير حانثٍ؛ أن الانعتاقَ من الذلِّ والتخلُّصَ من الاحتلالِ ليسَ مستحيلاً، ولكن له ضريبةٌ، ولا ينالُ الحريّةَ إلا من بذلَ الثمن، وتجربةُ المُقاومَة المسلّحةِ في غزّةَ يجبُ نقلُها إلى الضّفةِ، وعندهَا ستصلُ أقدامُ المجاهدينَ في الضفّةِ إلى حيثُ وصلَت صواريخُ غزّة.

وما ذلكَ على اللهِ بعزيزٍ..