سيف الهاجري

لا يمكن فهم ترحيب النظام الإيراني بعودة نظام الأسد لجامعة الدول العربية قبل معرفة العلاقة التخادمية التاريخية بين النظامين الإيراني الطائفي والعربي القومي في مواجهة أي ثورة شعبية سواء في إيران أو في العالم العربي برعاية من المحتل الغربي الأمريكي الأوربي الروسي!

وقد بدأ هذا التخادم بين النظامين منذ تأسيسهما خاصة بعد رعاية أمريكا المباشرة للانقلابين في إيران على حكومة مصدق وعودة الشاه رضا بهلوي للحكم ١٩٥٢م ووصول العسكر لحكم مصر سنة ١٩٥٢ لتصبح المنطقة بعد ذلك منطقة نفوذ أمريكية حيث أصدر الرئيس الأمريكي أيزنهاور مبدأه عام ١٩٥٧ ليعلن به وضع المنطقة تحت الحماية والرعاية الأمريكية المباشرة في مواجهة أي تهديد داخلي كالثورات الشعبية أو خارجي كالخطر السوفيتي الشيوعي.

فالنظام الإيراني متحالف مع النظام العربي منذ عهد الشاه والذي وقف ضد ثورات الشعوب العربية كما جرى في عمان سواء ثورة الإمام غالب الهنائي الذي قام بثورة إسلامية ضد المحتل البريطاني في الخليج من ١٩٥٤ إلى ١٩٥٨م أو ثورة ظفار الشعبية التي امتدت من عام ١٩٦٥ إلى عام ١٩٧٥، أو ثورة الشعب اليمني ١٩٦٢ على الاستبداد حيث بعث الشاه بجيوشه وطائراته لقمع كل تلك الثورات بترتيب بريطاني في عمان وأمريكي في اليمن.

وما زال هذا الدور التخادمي الوظيفي بين كلا النظامين مستمرا اليوم والذي تجلي بوضوح في دور النظام الإيراني في مواجهة ثورة الربيع العربي في العراق وسوريا واليمن وإرسال مليشياته الطائفية لتفتك بالشعوب العربية الثائرة لتغطي إيران على عجز النظام العربي الذي تفاجأ بانتشار ثورة الربيع العربي وانشغال دوله بثورات شعوبها، فسارع النظامان العربي القومي والإيراني الطائفي بتقاسم الأدوار الوظيفية بينهما برعاية أمريكية أوربية روسية في مواجهة ثورة شعوب الربيع العربي والإيراني، وعندما تحقق هدفهم في احتواء ثورات الشعوب جاء دور التسويات والتفاهمات السياسية لإعادة بناء وتأهيل كلا النظامين العربي والإيراني إقليميا ودوليا بعد أن أنهكتهما الثورات الشعبية.

فهذا التخادم بين النظام العربي القومي والنظام الإيراني الطائفي هو تخادم استراتيجي  وما حالة العداء التي أشاعتها الحملات الإعلامية إلا غطاء تكتيكي انهار مع ثورات الربيع العربي، والربيع الإيراني الذي كاد يسقط النظام الإيراني لولا الدعم الغربي والعربي برفع الحصار الاقتصادي عنه وعودة العلاقات معه برعاية صينية وضوء أخضر أمريكي والذي يفترض، لو كان العداء حقيقيا  لقام كل من النظامين العربي والإيراني بدعم الشعب الثائر على عدوه المزعوم لكن ثورات الشعوب في العالم العربي وإيران كشفت حقيقة الارتباط التخادمي بين النظامين والتي لم تنكشف إلا بأنهار من الدم وملايين من اللاجئين والمهجرين والمعتقلين لتدفع الشعوب ثمن ركونها للظلم والطغيان لعقود باسم القومية والوطنية والطائفية!

ولن يقف هذا التخادم التاريخي عند حد ثورات الشعوب بعد قمعها بل إن هذا التفاهم الجديد بين إيران والجامعة العربية في سوريا والعراق واليمن جاء تمهيدا لدور وظيفي جديد رسم في عواصم القوى الغربية واشنطن ولندن وباريس يتمثل في محاصرة تركيا بعد انتخابات ٢٠٢٣ والعمل على إخراجها من العالم العربي وأذربيجان ومنع اتصالها من جديد بالعالمين العربي جنوبا والتركي شرقا وهذا الهدف بالنسبة للقوى الغربية هدف استراتيجي تاريخي لم يتخل الغرب عنه قيد أنملة منذ سقوط الخلافة العثمانية وحتى اليوم!

‏ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾

من سيف الهاجري

مفكر وسياسي - الأمين العام لحزب الأمة الكويتي