الأمة ووكالات

يتحول العالم الآن نحو الطاقة النظيفة لكن في ظل حاجة ماسة وشديدة للبترول والغاز، الأمر الذي ساهم في حدوث طفرة في دخول دول الخليج؛ غير أن هذه الطفرة ربما ستكون الأخيرة بعد نجاح مساعي الدول الكبرى خاصة في تحقيق هذا الهدف.

 

وفي حين يختلف الخبراء بشأن توقيت التخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري، مع توقعات باستمرار الطلب عليه في السنوات المقبلة، وهو ما يؤكده مسؤولون خليجيون، إلا أن العالم سيشهد في نهاية المطاف بلا شك تغييرا في طريقة استهلاك الطاقة.

 

وتقول “سي أن أن” في تقرير عن الموضوع إن الطفرة النفطية التي أحدثتها حرب أوكرانيا جعلت دول الشرق الأوسط الغنية بالطاقة أكثر ثراء و”انتشلت دول الخليج من ركود اقتصادي استمر قرابة عقد”، لكن الخبراء يحذرون من أنه قد يكون آخر ارتفاع من هذا القبيل.

 

ومرت دول الخليج بطفرات نفطية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ثم حدثت طفرة أخرى في أوائل القرن الحادي والعشرين.

 

ويقول الخبراء إن تغير اتجاهات استهلاك الطاقة يعني أن مثل هذه الطفرات ربما لم يعد من الممكن أن يستمر، “وعلى دول الخليج أن تكون مستعدة لذلك”.

 

وأدى الغزو الروسي لجارتها إلى ارتفاع قيمة النفط الخام إلى أعلى مستوى في 8 سنوات.

 

وقالت بلومبيرغ، في تقرير سابق، إنه في الفترة من يناير إلى يونيو الماضيين، ارتفع سعر برميل خام برنت من 80 دولارا إلى أكثر من 120 دولارا (حاليا حوالي 95 دولارا ). 

 

ويتوقع صندوق النقد الدولي حصول، مصدري الطاقة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى على 320 مليار دولار من عائدات النفط أكثر مما كان يتوقع في السابق، وهو رقم يعادل حوالي 7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي لديهم، على مدى السنوات الخمس المقبلة.

 

وقالت كارين يونغ، كبيرة الباحثين في مركز كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية في تقرير “سي أن أن”: “هذه بالتأكيد بداية نهاية الثروة النفطية على هذا المستوى المستدام”.

 

وقال عمر العبيدلي، مدير الأبحاث في مركز أبحاث “دراسات” ومقره البحرين للشبكة: “هناك شعور ملموس بأن هذه طفرة عابرة وأنها قد تمثل آخر ارتفاع مستدام في أسعار النفط”. 

 

إلا أن الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون الطاقة، عامر الشوبكي، قال لموقع الحرة إنه يرى أن “فكرة أن الطفرة ستكون الأخيرة تعتمد على معطيات عدة”، مشيرا إلى أن “الدراسات لا تعطي نتيجة حاسمة”.

 

وتأتي هذه التكهنات بينما تعمل الدول الغربية على التحول نحو الطاقة المتجددة، التي تبدو اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى بعد أن أدت حرب أوكرانيا إلى تعطيل تدفق النفط والغاز الطبيعي إلى أوروبا.

 

ويقول الشوبكي إن أزمة حرب أوكرانيا سرعت خطط العديد من الدول في دخول مجال الطاقة النظيفة، مثل الولايات المتحدة، التي سنت قانونا يقلص الاعتماد على الوقود الأحفوري ويزيد من استخدام الطاقة النظيفة.

 

ويشير إلى أن الصين لديها أكبر إنتاج لطاقة الرياح والطاقة الشمسية، بالتزامن مع أزمة الطاقة العالمية. 

 

ويقول إن دول الخليج تعلم تماما أنها ستصل إلى نقطة في نهاية المطاف، حيث يضعف اهتمام العالم بالوقود الأحفوري، لذلك كانت هناك خطط متوالية لخفض اعتماد ميزانياتها عليه، ويشير إلى خطط مستقبلية في الإمارات وقطر والبحرين والسعودية لتنويع مصادر الدخل.

 

وكان صندوق النقد الدولي توقع أن تحصل الدول المصدرة للطاقة في الشرق الأوسط على 1.3 تريليون دولار من عائدات الهيدروكربونات على مدى أربع سنوات، نتيجة الازدهار الحالي. 

 

تحذير من “هدر” الثروة

ويحذر الخبراء من أن تهدر دول الخليج هذه الأموال الهائلة، ويدعونها إلى استغلال هذه الأرباح المفاجئة لتنويع اقتصاداتها بعيدا عن الثروات النفطية.

 

وشدد تقرير صادر عن البنك الدولي، في مايو 2022، على أن الثروة التي حصلت عليها دول الخليج بعد الوباء وبعد حرب أوكرانيا يجب استثمارها في “التحول الاقتصادي والبيئي” للكتلة.

 

وخلال فترات الازدهار النفطي السابقة، كانت دول الخليج “تبدد ثرواتها على استثمارات مسرفة وغير فعالة، وشراء أسلحة، وتقديم مساعدات للمواطنين”، وفق “سي أن أن”. 

 

وقالت إيلين والد، زميلة المجلس الأطلسي بواشنطن: “في كثير من الأحيان يتم البدء في مشروعات البناء ثم يتم التخلي عنها عندما تنفد أموال النفط لأن لديهم الكثير لإنفاقه، وفي كثير من الأحيان كان لا يوجد إشراف فعال، وكان هناك الكثير من الفساد”.

 

وقال العبيدلي إنه كان هناك تركيز كبير على زيادة التوظيف في القطاع العام وزيادة رواتب العاملين فيه.

 

وأعقبت تلك الطفرات فترات ركود عندما هدأت أسعار النفط، حيث استمرت الدول في الاعتماد على الهيدروكربونات في تحقيق إيراداتها.

 

ودول الخليج، وفق التقرير، كانت تعمل منذ سنوات على تنويع مصادر الدخل، فمنذ الطفرة النفطية الأخيرة التي انتهت عام 2014، فرضت أربع من دول الخليج الست ضريبة القيمة المضافة، وذهبت الإمارات إلى أبعد من ذلك بفرض ضريبة على دخل الشركات. 

 

وتستثمر السعودية في قطاعات غير نفطية مثل السياحة، لكن الخبراء شككوا في قدرة هذا القطاع على تعويض عائدات النفط. 

 

ويشير الشوبكي إلى أن “صدمة” أسعار الوقود الوقود الأحفوري قد تكون فرصة أخرى لتجميع المزيد من الإيرادات لتنويع مصادر الدخل.

 

جدل حول التوجه الجديد

لكن رغم ذلك، تراجعت دول الخليج عن الفكرة القائلة بإمكانية التخلص التدريجي من الهيدروكربونات كمصدر أساسي للطاقة مع انتقال الدول المهتمة بالبيئة إلى مصادر بديلة. 

 

وتقول إن النفط يلعب دورا حاسما في الاقتصاد العالمي، وسيظل كذلك.

 

وحذرت الإمارات، إحدى أكبر مصدري النفط في العالم، من أن الانتقال السريع للغاية بعيدا عن الهيدروكربونات قد يسبب أزمة اقتصادية.

 

وانتقد رئيس شركة “أرامكو” السعودية العملاقة للنفط، أمين الناصر، الثلاثاء، الخطط العالمية لتحول الطاقة ووصفها بأنها “غير واقعية”، داعيا للتوصل إلى “توافق عالمي جديد” بما في ذلك استثمارات كبيرة في الوقود الأحفوري لمواجهة النقص الكبير في الإمدادات.

 

وأشار رئيس الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين إلى “سوء الفهم العميق” الذي تسبب في أزمة الطاقة الحالية، وقال إن “عامل الخوف” يعيق مشاريع النفط والغاز “المهمين” على المدى الطويل.

 

وقالت يونغ، من مركز كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، إنه حتى لو ابتعدت الاقتصادات عن النفط كمصدر للطاقة، فإن المنتجات القائمة على النفط مثل البتروكيماويات والمواد البلاستيكية سيستمر الطلب عليها.

 

مستقبل النفط

ومع ذلك، يقول الخبراء إن دول الخليج تدرك أنه حتى مع استمرار الطلب على النفط، فإن “مثل هذه الارتفاعات في أسعاره قد لا تحدث مرة أخرى بنفس الدرجة أو التردد”.

 

ويشير الشوبكي إلى توقع وكالة الطاقة الدولية أن تكون ذروة الاعتماد النفط، في عام 2025، حيث ستصل إلى 105 ملايين برميل، وسيبدأ الطلب على النفط بعد ذلك في الانخفاض.

 

ويقول إن الإنتاج العالمي حاليا يقارب 100 مليون برميل، وهذا لايزال أقل من السقوف العليا للطلب المتوقع في السنوات المقبلة، في حين أن الاستثمارات لاتزال منخفضة في الوقود الأحفوري، رغم المساعي لزيادة الإنتاج في دول مثل الولايات المتحدة والبرازيل وفي بعض مناطق الاستكشاف الجديدة في غانا وغينيا الجديدة، مع وجود نقص إمدادات من روسيا بسبب العقوبات.

 

ويشير إلى وجود مشروعات ضخمة في الصين لزيادة إنتاجها محليا من الغاز والنفط، وكذلك في بريطانيا حيث تم رفع الحظر عن التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي، وبالتالي استكشاف أماكن الغاز غير التقليدي، وقد يمتد هذا الأمر لأوروبا التي تحوي احتياطات ضخمة، لكن لغاية الآن هناك حظر على التنقيب والاستخراج لدواع بيئة.

 

ويقول الشوبكي إن معادلة الطلب على النفط والغاز “ستعتمد على التوجهات البيئية في الفترة المقبلة”.

 

ويشير كذلك إلى خطط دول الخليج لزيادة إنتاجها، مثل السعودية التي تخطط إلى وصول إنتاجها إلى 13 ميلون برميل يوميا حتى 2027.

 

ويرى أن دول الخليج تسعى إلى زيادة نصيبها من إيرادات كعكة النفط العالمية، وأن تكون آخر الدول التي سوف تستفيد من إيرادات الوقود الأحفوري مستقبلا، عندما يبدأ الطلب عليه في الانخفاض.

 

ويشير الشوبكي إلى دراسة أجراها، تشير إلى زيادة الطلب على الوقود الأحفوري من جراء زيادة عدد السكان في العالم والحاجة للنفط في بعض الصناعات البتروكيماوية، وليس فقط النفط، حيث ستنخفض نسبة الحاجة للنفط في قطاع النقل البالغة 60 في المئة، لكن ستعوضها زيادة الحاجة له في الصناعات البتروكيماوية.

 

ويشير أيضا إلى أن وزارة الطاقة الأميركية توقعت أن تكون أسعار خام برنت حوالي 102 دولار، وخام غرب تكساس الوسيط حوالي 100 دولار العام المقبل، مما يعني استمرار الطلب.

 

وهذا يعني أن دول الخليج سيكون لها فرصة في السنوات المقبلة، وبعد ذلك، سيكون هناك انخفاض في أسعار النفط، لكن حسب نسبة الاعتماد على النفط في النقل، وحسب نسبة استخدام السيارات الكهربائية والوقود النظيف الآخر، وما سيحل مكانه من طلب إضافي على الصناعات البتروكيماوية، بالموازاة مع ضعف الاستثمارات، وما ستتخذه أوروبا من قرارات بشأن نشاطات الوقود الأحفوري والاستثمارات في هذا الشأن في الفترة المقبلة.

 

وينبه إلى أن الاستثمارات في الوقود الأحفوري تحتاج لفترات طويلة للجدوى الاقتصادية، مشيرا إلى بناء محطات لاستقبال غاز مسال ستعمل ربما لـ25 سنة مقبلة، وهناك نية لإنشاء أنابيب غاز جديدة، وكلها أمور تحتاج فترات زمنية للجدوى الاقتصادية.

 

ونبه إلى أن الاتحاد الاوروبي ووكالة الطاقة الدولية اعتمدا الغاز والطاقة النووية كمصدر نظيف للطاقة، وهذا أمر كان “جديدا ومستغربا”، لكنه سيخفف من استخدامات النفط مستقبلا.

 

وهناك مشروعات ضخمة في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا ودول أوروبية أخرى لإنشاء نحو 19 مفاعلا نوويا خلال السنوات المقبلة.

 

وهذا سيقلل الاعتماد على النفط والمشتقات النفطية.

من أبوبكر أبوالمجد

صحفي مصري، متخصص في الشئون الآسيوية