هل يوجد في العالم قضية أعظم من العدل في تحققه، ومن حصول الألم المصاحب لغيابه..

ومن الظلم في حصوله وأوجاع المظلومين المتحققة بسببه؟!

ما أعظم شيء حققه المسلمون عبر عصورهم منذ البعثة حتى أفول دولتهم وسقوط خلافتهم أكثر من «العدل»؟!  حتى وثق فيهم وفي عدالتهم المصري القبطي كي يتحاكم إلى أمير المؤمنين «عمر بن الخطاب» في مدينة رسول الله مختصما إليه، والي مصر «عمر بن العاص» وولده؟!

إنه العدل يا سادة..

أعظم معالم الإسلام، ومن أجله قامت السماوات والأرض، ولغيابه أظلمت الدنيا وفسدت الأرض وشح الخير وقلت الأرزاق وانهدمت الممالك وتفسخت الأمم.

فهل من العقل والحكمة أن ننسى هذا المَعْلم -بتسكين العين المهملة- العظيم، وأن نستهين بوقوع الظلم المشين وقد عمّت بلوته وزكمت الأنوف رائحته، حتى يستحضر البعض منا ما يصرف الأنظار عن القضية محل الإجماع بين النفوس السوية في كل أتباع الديانات، ألا وهي :

مناصرة العدل ومحاربة الظلم.

من الذي أوعز إلى بعضهم من أجل إثارة قضية الديانة لمراسلة الجزيرة المظلومة، والقتيلة بألة مجرمي العصور والدهور، الراحلة «شرين أبوعاقلة» ليحدثنا عن ديانتها المسيحية وجواز الترحم عليها أو عدم الجواز؟ّ!

من الذي أهمل انتصارها لقضية القدس وفلسطين وفضحها للصهاينة المعتدين ودورها الكبير في كشف اللثام عن وجه الاحتلال البغيض؟!

هل هي مؤامرة؟!

مؤامرةٌ لإظهار الإسلاميين حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام؟! متخبطون -دون سواهم- من اليسار والعلمانيين- ممن يحترفون الخطاب الإعلامي، أما الإسلاميون فمهمتهم صرف الأنظار وتضييع الجهود وتشتيت الأذهان وسكب الزيت على النار ووضع الملح فوق الجرح المفتوح! وإلقاء قنبلة الدخان بما يثيرونه من أطروحات غريبة مثل ديانة الراحلة المغدور بها، حتى قال أحد الظرفاء تأكدوا لو كانت «شيرين» مسلمة لأثارو قضية الحجاب والسفور!

أم تراها قلة فهم وعدم معرفة بالأولويات؟!

والإسلاميون أكثر من غيرهم دراسة لفقه الأولويات أو ربما هم كذلك!

أما كان يسعهم السكوت والحديث عن ظلم الصهاينة وفجرهم في اقتحامهم للمسجد الأقصى واستباحته بقطعان المستعربين؟! ثم استهدافهم للمراسلة وإراقة دمها؟!.

سيقولون وهميصرخون لا نستطيع السكوت! عن قضية اعتقادية مثل الترحم على كتابية لم تؤمن بالرسالة المحمدية!

أقول: وهل طالبكم أحد بالإيمان بألوهية المسيح أو بعقيدة التثليث؟!         

إن ترحم البعض أو إطلاقه لقب شهيدة على الراحلة هو لجياشة العاطفة وهيبة الموت والتأثر بالظلم الذي حدث من تفجير جمجمة المراسلة الكريمة للخلاص منها وترهيب أصحاب القضية مثلها.

وماذا يفعل المسلم الذي تزوج كتابية -يهودية أو نصرانية- وقد فعلها اثنين من أكابر الصحابة عثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود! ولقد تزوج كثير من الخلفاء العثمانيين بكتابيات.

فماذا يفعل الزوج المسلم ان ماتت زوجته الكتابية؟!

هل يبكي موتها_كأي زوجة_لما كان بينهما من المودة والرحمة له ولأولاده؟ أم يتحدث عن كفرها وعدم الترحم عليها؟

أين هؤلاء من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على أحد زعماء يهود بني قريظة «مخيريق» في الوقت الذي انضم فيه حُيّ بن أخطب «زعيم بنو النضير» لبني قريظة يحرضهم على نقد العهد والانضمام للأحزاب،

فقد أثنى رسول الله على فعل مخيريق حينما تمسك بالعهد والوفاء دون قومه وأعلن ذهابه مدافعا عن المسلمين حتى قتل،

ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعله أثنى عليه وقال: مخيريق أفضل يهود،

ولم يذّكر أصحابه ساعتها بيهودية مخيريق أو أنه في النار!

 لربما عاجلك أحدهم بالقاعدة الأصولية القائلة:

لا يؤخر البلاغ عند وقت الحاجة، فهل آخره الرسول؟! حاشاه

أما كنا في حاجة لتفريغ الذهن وشحن الهمم وتعريف الناس بالقضية وتسليط الضوء على إجرام اليهود واعتداءهم على مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومعراجه؟

أما وسعهم السكوت؟!

أو لا تستحق القضية منا أن نتحرى ما نقول..وفي أي وقت نقول..

أولا نجد في سنته صلى الله عليه وسلم تباينا لذلك وفي حياة صاحبته الكرام وفي مواقف أئمة التابعين كشيخ الإسلام ابن تيمية ما يشفي غليلنا؟؟

من طه الشريف

كاتب وباحث سياسي