على مدار الأزمات والحروب التي شهدها العالم عبر تاريخه الطّويل، استغلت بعض الأطراف تلك المواقف الأليمة من أجل صناعة مشاريع تخدم مصالحها الإستراتيجيّة وتقوّي من شوكتها وتزيد من هيمنتها وحجم نفوذها.

ولعلنا نبرز مؤتمرات ما بين الحربين وما حدث خلالها من ترتيبات وإعادة صياغة المفاهيم والرؤى، بل وحتى في بناء وصناعة هياكل وتجمعات جديدة خدمة لمشاريعها وتنفيذا لأجنداتها.

فالحرب العالميّة الثانية لحظت على مستواها السياسي عقد العديد من الاجتماعات الحاسمة بين قوى محددة قادتها الولايات المتحدة الأمريكيّة وضعت من خلال بعضها اللبنات الأساسيّة لميلاد هيئة الأمم المتحدة ثم ميلاد النّظام الدولي الجديد عطفا على عديد المؤسسات والهيئات والمشاريع السياسيّة والاقتصادية والعسكريّة والثقافيّة التي خدمت بشكل أو بأخر النمط الأمريكي وتوجهاته في عالم ما بعد الحرب، في الوقت الذي ظنّ العالم فيه أنّها مؤتمرات لخدمة الإنسانيّة جمعاء!!

وهو عين ما حدث غداة نهاية الحقبة-ثنائيّة القطب- وتداعي المعسكر الاشتراكي ومؤتمر باريس 1990 الذي كان صورة شبيهة لمؤتمر يالطا 1945.

الحرب الروسية الأوكرانية

باريس تحتضن مرة أخرى بعد ما يناهز اثنتان وثلاثون سنة مؤتمرا آخر يجمع كل المهتمين وأصحاب الشأن بالقضيّة الأهم في الوقت الرّاهن-الحرب الرّوسية الأوكرانيّة- والفاعلين أصحاب الصّلة،

مؤتمر يأتي في وقت تشتد فيه القبضة الحديديّة بين الغرب والرّوس وكذا تزامنا مع الظروف الاقتصادية العصيبة التي تمسّ جميع دول العالم،

فمن مشكل التوريد في الموارد إلى أزمة تذبذب أسعار الموارد الاستراتيجيّة –غاز وبترول…-،

إلى أزمة بنوك دول وسط وشرق أوروبا إلى تصاعد الأصوات حول مدى فاعليّة الإتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي…..

تريد القوى الغربيّة من وراء هذا المؤتمر ونحوه إيلاج روسيا إلى بيت الطاعة وتأديبها على أفاعيلها

وكذا دراسة جدوى وجود دول لا تقدّم ولا تقوم بكامل وظائفها ومسؤولياتها داخل المظلة الغربيّة

وربما سحبها والاستعاضة عنها بـ أحلاف جديدة وبالتالي إعادة ترتيب المواقع وبناء نظام دولي جديد.

مؤتمرات الحرب في سوادها الأعظم لا تتوجه بمخرجاتها في الغالب إلى حلحلة الأزمات

وتلطيف الأجواء بل إلى خدمة المصالح والتوجهات الخاصة بـ«منظميها وأحلافهم»،

فلذلك لا يجب المراهنة كثيرا عليها من أجل إيجاد أرضيات وفاق وسلام بين الأطراف المتنازعة،

بل ربما إلى خلق مزيد من الاحتقان وصناعة مزيد من الأزمات في القابل

ولو خلصت المخرجات إلى ما يظهر للعلن من أنه حلّ للأزمة فإنّ الباطن منه وما يضمره غير ذلك

والتاريخ يخلص بنا إلى صحة هذه الفرضية التي أصبحت جزءا من تاريخ أزمات ورهانات هذا العالم المتصارع.

عزيز فيرم– كاتب سياسي وروائي جزائري

من عزيز فيرم

كاتب سياسي وروائي جزائري