هذا العمل بلغ من الفنيات والجماليات حدا نستطيع أن نقول إنه دال على اكتمال التجربة لدى الكاتب، فيسرد لنا جملة من الأحلام هي ليست إلا آمالنا وتطلعاتنا جميعا،

 

والأحلام في علم النفس هي كل الانفعالات والاحباطات والتطلعات التي نرتبط بها فتخزّن في اللا وعي، لتطل برأسها مرة أخرى في صورة أحلام، هي ليست إلا تعبيرا عن الذات المسحوقة والمقموعة المقهورة، بل وتشير إلى الطريق أحيانا، وهذا ما جعل الكاتب ينسج لنا هذا العمل البديع بعناوين بعينها تشير إلى مكبوتاتنا التي نبطنها، كأنه يعرّينا ويقول: هذه عوراتكم،

 

سوءاتكم أبنتها فلا تتهربوا، ولا غرو في تجسيد المشاعر الإنسانية السلبية والإيجابية بنزقها وعفويتها، كأن بيده ريشة يرسم دواخلنا ليجلينا أمام أعيننا وهو معنا،

 

فهو مثلنا يطبب نفسه كما يطببنا، ففي قصة “صغيري” استسلم الرجل الخمسيني لرعونة طفل يحذو حذوه في رعونته، كأن السنين لم تتراكم عليه مما أطمس عليه وعلى المارة الرؤية، وهذا ليس إلا جلدا للذات، ذواتنا جميعا

في قصة (أحلام راقصة): عندما انحدرت قطرة من الدموع تبعتها أخريات سعيدات بالتحرر الذي منحه صاحبها لها، أما فرحة الدموع برؤية الأحلام تركض على الطريق دلالة على تحقق هذه الأحلام التي طالما كُبتت، وقد شبّه الحلم الأول بالدمعة الأولى، الحلم هنا هو أمنية الراوي العليم التي بدأت بالتحقق، فتبعتها الأماني الأخرى،

 

 كأنه حفل مقام على شرف الأماني المتحققة، ثم يصرح مباشرة بأمنيته هو شخصيا بالفوز بجائزة من خارج البلاد، ثم فجأة يجد أحلامه التي هي أمنياته تتقافز أمام السيارات المارقة على الطريق، فيحاول جاهدا أن يدفع عنها الخطر، ولكنها صدمتها السيارات فصرعتها وأصبحت مضرجة في دمائها، إنها الأمنيات الصرعى بعد قرب تحققها، يا له من إسقاط…

 

في قصة نبوءة: النبوءة تعني استشراف المستقبل، ويبدو منها التفاؤل والأمل في غد أفضل، وهي التي احتوت على مفردات مثل: العيد، والهدية، والملابس الجديدة، والرجل والصغير اللذين سيلازمان العيد الذي أتى بالهدايا،

إنها الأفق وما يحمله من أنباء سارة يتوق لها الراوي.

 

في قصة أمل: عُنيَ بالكاميرا، والكاميرا ليست أداة لتسجيل اللحظة قبل أن تتفلت، حتى عندما ضاع ابنه أمل أخذ يبحث عنه بين الصور، وفي صورة قاتمة ويأس بيّن قال: إن ابنه أمل يرتدي “قميصا أزرقا وبنطالا أسودا كحظ أبيه” والعيد جاء ليجد الباب مغلقا، والولد مات، فهذه الأبواب المغلقة في وجه العيد تريده العودة إلى من حيث أتى فلم يأن الأوان بعد.

 

ولم يغب عنه تجسيد الخوف ليصبح إنسانا مكتمل الملامح، ينام بجانبه ملازما لوجوده، حتى الفرح أصبح سرادق عزاء مقام بآيات الذكر الحكيم.

 

أما مفتتح المجموعة فيها الحجر هو من يمسد الراوي العليم، وهو من يسري عنه، ويحكي له الحكايا، فلم يعد من البشر من يقوم بهذا الدور، ولا حتى زوجته التي رأته مجنونا.

 

إنها رسم بالكلمات للخبأ في نفوسنا صاغها الكاتب، كأنه كان في تجوال في مرابع ذواتنا ومعها ذاته، إنها مجموعة “زكريا صبح” التي أحالها إلى لوحات فن تشكيلي بالكلمات، أتحفنا بها فتحيات مباركات تليق به كمبدع كبير.

————————-

والكاتب زكريا صبح

خريج قسم الفلسفة جامعة عين شمس

عضو اتحاد كتاب مصر

عضو مجلس إدارة نادي القصة

أحد مؤسسي ملتقى السرد العربي

عضو نادي أدب الدقي

 

صدر له:

 

رقصة الموت – الولد العاشق – منذ قليل – أشبه بمحارب كبيرهم – أحلام راقصة

 

وله تحت الطبع:

 

مذكرات حرفى – بين الأدب والخشب – ملح الأرض – إنهم لا يعرفون الأحزان – بائع القصص – رحيل مسبب