فاتن فاروق عبد المنعم

العاهرة ترتدي ثوب الفضيلة

عندما تم عزل مراد بك عزلة تامة، قال لهم نابليون:

«إنني أريد إعادة ملكوت العرب، فمن الذي يمنعني عن ذلك؟ لقد دمرت المماليك المليشيا الأكثر جسارة في الشرق، وعندما يسود التفاهم بيننا،

وعندما تدرك شعوب مصر كل الخير الذي أريد عمله من أجلها، فإنها سوف تتعلق بي بإخلاص، إنني سوف أحيي زمن مجد الفاطميين»

(الفاطميين الذين أحدثوا في الدين ما ليس فيه، الفاطميين الذين ابتدع ملتهم عبد الله بن سبأ اليهودي، ولماذا لا يكون مجد صلاح الدين؟!! إنه نابليون جد الحضان ماكرون)

استهزاء

خديعة الود مع علماء الدين

 

مازال نابليون يطالب كبار علماء الدين بضرورة مساعدته ومؤزارته فيجيبونه أن هذا يستوجب أن يعتنق الجيش الفرنسي الإسلام.

 

وإمعانا في التضليل والتدليس ليبدو أمامهم مستعد لفعل أي شيء من أجلهم يقول:

أن أمامهم عقبتي الختان وتحريم الخمر.

 

فيقولون: الختان عمل محبب وليس إلزامي، ومن الممكن أن يشربوا النبيذ ولكن لن يدخلوا الجنة.

 

يقول الشيخ المهدي أن لديه حلا وسط مبني على استشارة شريف مكة، وبعد طول سجال يتفقون على اعتبار شرب الخمر إثما يمكن التكفير عنه بالإكثار من أعمال الخير.

 

ويروي هذا نابليون بين خاصته متفاخرا أن نسج حبال الود بينه وبين كبار علماء الدين لم يكن إلا خديعة تتطلبها السياسة كي يكسب ودهم وولائهم له في الوقت نفسه أنهم يعلمون أنه لم ولن يكون مسلما.

 

صيحة القومية العربية

 

نعود إلى صيحة القومية العربية حيث يعترف لورانس بأنها بالأساس نزعة علمانية تاريخية لمواجهة الإسلام،

وسريعا أتت ثمار هذه الدعوة في سوريا (قادها نصارى سوريا) والذي ارتأى نابليون وجوب استغلالها وتسخينها لتمزيق الدولة العثمانية على الأقل في جزأها الأسيوي عبر تمرد شعوبها.

 

كانت العقبة الكؤود أمام نابليون في سوريا هي أحمد الجزار، فما كان من نابليون إلا أن يتخذ من مناوئيه في الداخل متكأ ودعامة قوية له،

وبالطبع هو يعلم التركيبة السكانية للشام فاستمال معارضيه في الداخل من شيعة الجنوب اللبناني وزعيم الدروز والماوارنة،

الذي يظهر الإسلام ويبطن النصرانية وهنا يصف لورانس مثل هذا التحرك بكونه البذرة لما سمي فيما بعد «بالثورة العربية الكبرى» على الأتراك..

وهي الربيع الذي يمهد لتفكيك الدولة العثمانية وقيادة هذه الشعوب للزحف إلى القسطنطينية لضربهم في عقر دارهم..

وهو في ذلك ليس إلا الإسكندر الأكبر لذلك الزمان حتى يأمن وجوده بمصر بصفة دائمة، والتحام الشرقيين والفرنسيين..

وهذا هو الطريق لإعادة أمجاد العرب وتنقية الإسلام من تحريف الزنادقة والجهلاء وتدشين عصر جديد لآسيا من العلم والمجد،

كل هذا بيد نابليون الفرنسي الماسوني،

هكذا كان الخطاب الموجه للشعوب العربية الساذجة والعائق الوحيد أمامه هو أحمد باشا الجزار.

 

حملة سوريا

 

زحف جيش نابليون إلى العريش ثم يافا مرتكبا المجازر الوحشية دون وجل حتى قتل من أهل يافا 2500 من الشيوخ والنساء والأطفال مابين الخرطوش والسلاح الأبيض..

وعلى حد تعبير لورانس أن هذه الوحشية والدموية كان ولابد منها ليستولوا على كل فلسطين عبر الرعب،

وأن تلك الأساليب التي استخدموها مغايرة تماما للأساليب المتبعة عند احتلال دولا أوروبية خاصة بعد إعلان حقوق الإنسان الأوروبي والتي لا يمكن تطبيقها على الشرقيين الذين اعتادوا على الاستبداد والإكراه..

(إنها الحملة العلمية، حقوق الإنسان لا تطبق إلا للأوروبي لأن الشرقي لا يعرف سوى الاستبداد والإكراه، هل ترون أن ما يحدث اليوم يختلف كثيرا عن الأمس)

 

وصف مذبحة يافا

 

ميو أحد عساكر نابليون يصف مذبحة يافا فيقول:

عندما وصلوا أخيرا للكثبان الرملية لجنوب غربي يافا، جرى إيقافهم أمام بركة ماء راكد،

وعندئذ أمر الضابط الذي يقود القوات بتقسيم الحشد «العثمانيون» إلى مجموعات صغيرة، وبعد توجيه هذه المجموعات إلى عدة نقاط مختلفة، جرى قتلها هناك رميا بالرصاص،

وقد استغرقت هذه العملية المريعة الكثير من الوقت، بالرغم من عدد الجنود المخصصين لهذه التضحية المشئومة والذين لم يتحملوا إلا ببالغ التقزز،

تلك الطقوس المقيتة المفروضة على أيديهم الظافرة، والحال أن الأتراك يتوضأون في هذا الماء الراكد..

ثم إذ يشدون على الأيدي فيما بينهم، بعد إذ يضعوها على قلوبهم وأفواههم، شأن المسلمين في تبادل التحية، يتبادلون وداعا أبديا،

لقد بدا أن أرواحههم الجسورة تتحدى الموت، كان جنودنا قد استنفدوا الخرطوش فكان ولابد من ضرب الصفوف الأخيرة بالحربة والسلاح الأبيض،

وتشكل هرم مرعب من القتلى والمحتضرين الذين تنزف دمائهم،

وكان ولابد من سحب الجثث التي قضت بالفعل للإجهاز على التعساء الذين كانوا لم يتم الإجهاز عليهم بعد، في حمى هذا المتراس المرعب المخيف.

 

إن أي تعليق على ما سبق يصغر أمام «التحضر الفرنسي» الذين جاءوا من بلدهم لينثروه بيننا!!

 

نابليون يهدد أهالي فلسطين

 

واستمرارا في التجبر والغرور والتدليس في آن، خطب نابليون في أهالي فلسطين «يبث فيهم الهزيمة ليستسلموا دون قيد أو شرط» يقول:

«يجدر بكم أن تعرفوا أن أي جهود بشرية ضدي هي غير مجدية،

لأن كل ما أقدم عليه لابد أن يكتب له النجاح، وأولئك الذين يصادقونني سوف يكسبون،

وأولئك الذين يعادونني سوف يهلكون ومثال ذلك ما حدث في غزة ويافا..

لابد لكم أن تعرفوا أنني إذا كنت لا أرحم أعدائي فإنني كريم مع أصدقائي، وأنني رؤوف رحيم خاصة مع الفقراء»

بنفس البيان توجه به إلى أهالي نابلس والقدس، فيقول: إنني رؤوف رحيم مع أصدقائي ولكنني رهيب كالصاعقة تجاه أعدائي.

 

إنها الدعوة المستترة لكسب الطابور الخامس سريعا، ويقوم جيش نابليون المتحضر بأعمال السلب والنهب، حتى داهمهم الطاعون ليحصد أرواحهم.

 

الدروز والموارنة والشيعة

 

وعندما وصل نابليون عكا أرسل للدروز والموارنة والشيعة يطمئنهم بالتعاون معه للقضاء على عدوهم المشترك..

وعليهم أن يأتوا إليه للاجتماع بهم ومن يرغب من التجار لديهم في بيع المؤون والنبيذ والطعام فهم مرحب بهم،

واستجابوا على الفور واعتبر نابليون ذلك بداية لتشكيل تحالف سياسي معهم (لماذا نستنكر الذين ارتموا في حضن ماكرون وأجدادهم فعلوا الشيء نفسه مع نابليون)

وكما سعى الفرنسيون لكسب ولاء غير المسلمين في الشام فإن الانجليز سعوا للشيء نفسه،

ولكن الرابح الأكبر كان من نصيب نابليون..

الذي بدأ بالحديث عن إنشاء دولة يهودية بفلسطين وقد اعتبر أن بلوغ نابليون سوريا يعد البداية لنشوء دولة لليهود في فلسطين.

 

الطائفية محرقة المحتل

 

الطائفية محرقة المحتل التي يقذف بها الكل لكي يضمن بقاء الكل بقبضته:

إنه الداء ويوهم السذج والبلهاء أنه الدواء، يخلق واقعا جديدا مازال ماثلا حتى اليوم كما قال لورانس،

يتجلى هذا في لبنان أو الشام بعامة، عبر سجال بين الشقيقتين فرنسا وانجلترا..

ذلك لاستقطاب الدروز والموارنة والشيعة لمواجهة أحمد باشا الجزار في سوريا والباب العالي في تركيا والذي تقف معه انجلترا،

تلك هي بضاعتهم الرائجة وللأسف خلق الطائفية التي مازالت ترتع في بلادنا يذكيها وينميها أئمة هذه الطوائف نكاية في الإسلام.

 

وبالفعل تعاونت هذه الطوائف مع نابليون بصورة أو أخرى بالإضافة إلى ذلك واستجابة لحركات بروتستانتية ويهودية في أوروبا..

بدأت الصحافة الفرنسية والإنجليزية تتحدث عن نشأة وطن لليهود بفلسطين، وأن نابليون سوف يعلن عن ذلك عند وصوله إلى سوريا.

 

وللحديث بقية إن شاء الله

فاتن فاروق عبد المنعم

من فاتن فاروق عبد المنعم

كاتبة روائية وعضو اتحاد كتاب مصر