حلل الكاتب المتخصص في الشؤون الدولية بنيامين ليكر، في مجلة “فوربس” المتخصصة في الاقتصاد، أسباب النمو الاقتصادي الذي تشهده ماليزيا في الوقت الراهن.

 

وأعرب الرئيس الماليزي أنور إبراهيم، خلال جلسة عرض الموازنة العامة للدولة، عن تفاؤله بأن الاقتصاد القومي سيحقق نموا أكثر من المتوقع هذا العام ، ليصل إلى نحو 4.5%.

 

ويثير هذا الاهتمام لأن ماليزيا تبدو بعيدة عن آثار التباطؤ في الاقتصاد العالمي. وذكرت صحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست أن “الاقتصاد الماليزي يشهد أفضل نموا منذ 20 عامًا”.

 

عادة، خلال فترات الركود الاقتصادي، تضطر الحكومات إلى الاقتراض بكثافة لتحفيز الاقتصاد، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الدين، إلا أن ماليزيا لها نهجا مختلفا. فقد فرضت الحكومة ضرائب على المواطنين لتعويض نقص النمو وتجنب الإفراط في الاقتراض، ولهذا السبب اقترحت خطة الرئيس الماليزي خفض الإنفاق وهيكلة نظام ضريبي يستهدف الأثرياء. لذلك، في حين أن البلدان الأخرى تشهد ارتفاعا في مستويات ديونها، يبدو أن ماليزيا تحافظ على فرض قبضة حديدية على مواردها المالية، وتجنب الإفراط في الاقتراض. 

 

في العام الماضي، رفع صانعو السياسة الماليزيون سعر الفائدة القياسي بمقدار 100 نقطة أساسية عبر إجراء أربعة تعديلات متتالية، والآن سجلت الدولة أعلى معدل نمو منذ عقود. لذلك، في حين أن الركود في الاقتصاد العالمي أجبر البلدان الأخرى على اتخاذ تدابير محبطة، يبدو أن ماليزيا وجدت طريقها للحفاظ على نمو اقتصادها. 

 

ذكرت بلومبرج أن “ماليزيا نمت بأسرع وتيرة منذ أكثر من عقدين في عام 2022، حيث ساعد كبح الطلب في ماليزيا على التحكم في زمام الاقتصاد الأسرع نموا في آسيا، حتى لو كان هذا التحكم قصير الأجل، كما يبدو”. 

 

يعد ما حققته ماليزيا إنجازا بديعا، إذ ما زالت العديد من البلدان الأخرى تكافح لاحتواء آثار الأزمة. على هذا النحو، فإن ماليزيا تعد مثال الدولة التي نجحت في التغلب على العاصفة الاقتصادية العالمية. 

 

ولكن ما الذي يمكن لقادة الدول الأخرى وصانعي السياسات تعلمه من ماليزيا لتعزيز النمو المستدام؟

 

يبلغ عدد سكان ماليزيا 33 مليون نسمة، بمعدل انتشار واسع للإنترنت يبلغ 90%، ما يضع الماليزيين في المرتبة السادسة لدول العالم الأكثر قضاءً للوقت على الإنترنت. 

 

ويقول عبد العظيم أبو بكر، العضو المنتدب لموقع “فري ماليزيا”، أحد أكثر المواقع الإخبارية زيارة في البلاد، إن نجاح بلاده في التعافي الاقتصادي يبدو واعدًا على المدى القصير، إلا أنه يحتاج إلى المزيد من العمل ليكون مستدامًا. 

 

يوضح أبو بكر أن ماليزيا بحاجة إلى رفع مستوى إنتاجيتها، وأن إحدى الطرق هي الاستفادة من اتجاهات الرقمنة السائدة بالفعل في البلاد، والاستفادة منها كمحرك للنمو. وتابع: “تتكيف الأمة مع التحول الرقمي السريع الذي يحدث في جنوب شرق آسيا، ويجب عليها الاستفادة من التكنولوجيا لصالحها”. وأضاف: “هذه هي الطريقة التي يمكن بها استخدام التحول الرقمي لتعزيز المرونة الاقتصادية ودفع النمو. على سبيل المثال، في صحيفتنا، شهدنا زيادة في مشاركة القراء، بسبب مبادراتنا الرقمية و أثبتنا أنفسنا كعلامة تجارية وطنية من خلال توفير محتوى حول الموضوعات ذات الصلة بما في ذلك الشؤون الجارية، والأعمال التجارية، ونمط الحياة”. 

 

يمكن للبلدان الأخرى أن تتعلم من ماليزيا، من خلال تبني الرقمنة، والتركيز على تنمية المواهب الشابة، والاستفادة من البنية التحتية الحالية، والاستثمار في البحث والتطوير للحلول التقنية القائمة على الابتكار، واستخدام الموارد الفريدة للأمة. ستساعد هذه الاستراتيجيات على تهيئة ظروف للنمو المستدام والانتعاش الاقتصادي. 

 

توافقه الرأي يون شين، الأستاذ المساعد في معهد سوري الدولي، جامعة دونجبي للتمويل والاقتصاد. وقالت في مقابلة: “أظهرت الأبحاث أن الشمول المالي من خلال محو الأمية الرقمية للعامة”. يشير هذا إلى أن زيادة محو الأمية الرقمية والشمول المالي للعامة في بلد ما يساعد على دفع عجلة النمو الاقتصادي. وأضافت شين أن “الشعب الماليزي سيكون بمثابة الملهم لرقمنة القطاع المالي والانتعاش الاقتصادي في أعقاب جائحة كورونا”.

 

ولكن في النهاية، الأمر متروك للقادة واضعي السياسات في كل دولة لتحقيق أقصى استفادة من التقنيات الرقمية وتهيئة بيئة تمكن المواطنين والشركات من الاستفادة من الحلول التقنية المتطورة. يقول أبو بكر: “في نهاية المطاف، يعتمد النجاح على مدى استعداد كل دولة لاحتضان التحول الرقمي، واستخدامه كأداة للنمو الاقتصادي”.

 

ومع ذلك، من المهم أيضا ملاحظة وجود فروق دقيقة واختلافات في كيفية تعامل كل دولة مع التحول الرقمي. لذلك، يجب على كل أمة تقييم ظروفها ووضع استراتيجيات تتناسب مع احتياجاتها وقدراتها. على هذا النحو، يجب تصميم مبادرات التحول الرقمي وفقا لاحتياجات وظروف كل منطقة.

 

في المجمل، تعد قصة نجاح ماليزيا مثالًا يمكن للدول الأخرى أن تتطلع إليه لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. ويجب أن يكون التحول الرقمي ضروريًا لتحقيق النجاح المالي لكل دولة، ويمكن أن يفتح فرصا جديدة ويمهد طرقا للشركات ورواد الأعمال والمواطنين، لتحقيق الازدهار.