عام 1858م، صدر مرسوم الخديوي سعيد باشا بتأسيس مصلحة الآثار المصرية والمتحف المصري، في محاولة لوقف نزيف سرقة وتهريب الآثار المصرية للخارج.

وانخفضت معدلات سرقات الآثار تباعا منذ ذاك الحين، وفق مختصين بشؤون الآثار، بينما استمرت عمليات التنقيب غير الشرعية والسرقات المتقنة، ثم التهريب عبر مسارات خفية.

ورغم صدور مرسوم عام 1835 من محمد على باشا والي مصر يحظر تماما تصدير جميع الآثار المصرية، كانت القطع الأثرية المحفوظة في دار الآثار المصرية أو “الأنتيكخانة” تَخرج هدايا من حكام مصر لمسؤولين وأمراء في أوروبا، فتناقصت مجموعة القطع الأثرية المحفوظة حتى نقلت إلى قاعة صغيرة بالقلعة، قبل أن تهدى لأمير أوروبي.

وتسعى مصر لاستعادة المسروق والمهرب من آثارها للخارج بجهود حثيثة، وتكللت هذه الجهود بالنجاح في كثير من الأحيان وأخفقت في أحيان أخرى.

وأعادت الكويت قبل أيام مجموعة من القطع الأثرية إلى مصر بناء على قرار من النيابة العامة، كانت الجمارك الكويتية ضبطتها عام 2019 بحوزة مسافر وصل في رحلة مباشرة من مطار الأقصر إلى الكويت.

وقال مصدر بوزارة الآثار إن الآثار خرجت من المطار بشكل رسمي باعتبارها “قطعا مقلدة غير أصلية”، مؤكدا أن آلافا من القطع غير الأصلية تخرج بهذا الشكل، ولافتا إلى إحالة العديد من الموظفين والمسؤولين في الآثار بالأقصر للنيابة في أعقاب إعلان الكويت عن وصول القطع، وسافر وفد من الخبراء المصريين للتعاون مع الجانب الكويتي في التثبت من أثرية القطع.

ويضيف المصدر ـالذي تحفظ على الكشف عن اسمه- أن واقع حال مفتشي الآثار وأمناء المتاحف غاية في “البؤس”، ولولا “بقية من ضمير ودين، لصار الواحد منهم مليونيرا في شهور، بمجرد أن يغمض عينيه عن واجبات وظيفته”.

وتلك هي المرة الثانية التي تعيد فيها الدولة الخليجية آثارا مصرية مهربة، وفق تصريحات مسؤول كويتي، ووُصفت القطع بأنها “لا تقدر بثمن”.

استعادة ومزيد من التهريب

وبالتوازي نجحت عصابات التنقيب والتهريب في إخراج الآلاف من القطع الثمينة خارج البلاد، فيما استعادت القاهرة الكثير من تلك القطع، من أهمها تمثال جماعي من البازلت، ومقصورة صغيرة عليها اسم الأمير “خع إم واست” في عام 2014.

وفي العام التالي استردت مصر من إسرائيل غطائين لتابوتين من العصر الفرعوني على شكل آدمي ومصنوعين من الخشب والكارتوناج الملون، والخشب منقوش ومزخرف.

واستردت السلطات تمثالا عاجيا من برلين يعود إلى القرنين السابع والثامن الميلادي، كما استردت لوحة الزيوت السبعة المقدسة من سويسرا، وتعود لعصر الدولة القديمة.

واستردت مصر كذلك لوحة أثرية من الغرانيت الأسود تعود لعصر “الأسرة الـ30″، ومشكاتين كانتا مسروقتين من مخازن متحف الحضارة، ولوحة جنائزية لمصري قديم يدعى “سشن نفرتوم” مصنوعة من الحجر الجيري.

وبين عامي 2018 و2021 استردت مصر عددا كبيرا من القطع الأثرية شملت 222 قطعة أثرية و21 ألف عملة من 5 دول، واستعادت تابوتا أثريا مُذهبا يوصف بأنه فريد من نوعه اشتراه متحف المتروبوليتان بالولايات المتحدة الأميركية من أحد تجار الآثار، وكان معروضا بالمتحف الأميركي بأوراق مزورة.

وتعتمد مهمة لجنة الاسترداد على متابعة كل المزادات التي تعرض القطع الأثرية المصرية في الخارج.

حيل طريفة ومعقدة

وحتى عام 1983، كانت مهمة تجار الآثار سهلة وبسيطة، إذ كان هناك قانون ينظم عملية بيع الآثار لكن بشرط وجود شهادات تصاحب هذه القطع، حتى صدر قانون بمنع عمليات تجارة الآثار المصرية نهائيا.

ومنذ ذلك الحين، بدأ اللصوص والمهربون في اختراع الحيل لمحاولة الاستمرار في التجارة التي باتت غير مشروعة.

وكان من أطرف الحيل التي وقعت في تسعينيات القرن الماضي، قيام شاب صغير بمحاولة سرقة المتحف المصري بوسط القاهرة، بالبقاء به مختبئا بأحد أروقته عقب انتهاء أوقات العمل، والمبيت به ليلا، ثم أخذ إحدى القطع وحاول الخروج بها صباحا، قبل أن يتمكن أمن المتحف من توقيفه.

هذه العملية وغيرها من عمليات سرقة نفذها لصوص صغار كشفت ثغرات في عمليات تأمين المتاحف، أشهرها سرقة لوحة “زهرة الخشخاش” للفنان فان جوخ.

وللمفارقة، أعادت الكويت اللوحة المسروقة بعد تهريبها إليها، كما أعادت مؤخرا آثارا أخرى مهربة، ولكن جرت سرقة “زهرة الخشخاش” عام 2010 مجددا، وهذه المرة من دون عودة حتى اليوم.

ولم يتوقف مسلسل السرقات لمتاحف تضم آثارا مصرية قديمة أو إسلامية أو لوحات وقطعا فنية حديثة غالية الثمن، كان منها سرقة متحف الفن الإسلامي في وسط القاهرة، ومسجد الرفاعي الشهير.

وكان من أطرف السرقات الممتزجة بنوع من الخداع، تلك التي قام بها “خرتية” أو عاملون بالجمال والخيول، حيث حاولوا بيع قطع من أحجار الهرم للسائحين، ورغم أنها ملقاة على الأرض بجوار الهرم، وتقريبا بلا ثمن، إلا أنهم نجحوا في بيعها، وجرى القبض عليهم.

كما قام عمال فنيون مصاحبون لفريق عمل فيلم “الكنز” بسرقة تحف فنية وسجاجيد قديمة من مسجد الرفاعي في أثناء تصوير مشاهد فيه للممثل محمد رمضان، وأعيدت المسروقات بعد تحقيقات مطولة.

وبث مدير المتحف المصري الحالي محمد علي فهمي مقطعا مصورا على اليوتيوب، أثار جدلا بلغ صداه البرلمان واستدعى مناقشة بطلب إحاطة لمسؤولي الآثار بشأن ما ذكره المدير عن وقائع إهمال تؤدي لإهدار القطع الأثرية الموجودة فيه، وصدر قرار نقل المدير بعد كشفه عن هذه المخالفات أمام كل الجهات المعنية وأمام وزير الآثار.

واستعرض النائب مصطفى سالم طلب الإحاطة خلال اجتماع لجنة الثقافة والإعلام والآثار قبل أيام، مشيرا إلى تجاوزات ومخالفات عديدة في الشق الأثري والفني والمالي بالمتحف المصري، اضطرت مدير المتحف للاستغاثة بالرئاسة.

وقالت مصادر بالمتحف المصري إن وزارة السياحة والآثار استعانت بلجنة ممولة من الخارج مكونة من أساتذة جامعة عين شمس لمهام في المتحف، سببت ارتباكا إداريا وأدت لقرارات قلصت أدوار أمناء المتحف وسلطاتهم في حماية الآثار بداخله، حتى باتت بعض القطع ملقاة -من دون أن تكون في عهدة أحد- بحديقة العرض المتحفي، ما يعرضها للفقدان والتلف.

وعبّر أحد هذه المصادر عن شعوره بأن هناك “إهمالا يصل إلى حد التعمد لترك الآثار نهبا للضياع”.

بدوره أكد مدير المكتب العلمي للمجلس الأعلى للآثار محمد الصعيدي أن مصر لن تترك أي قطعة آثار مهربة “مهما كان الثمن ومهما طال الزمن”.

وتابع خلال مداخلة هاتفية بإحدى الفضائيات أن نشاطا مكثفا جرى في سبيل استرداد الآثار المهربة بالتعاون مع الجهات المختصة وأعيدت لمصر على إثره “آثار قيمة جدا”.

المصدر: الجزيرة