لماذا تدعو حركة عزم للتصويت بـ«لا» على مشروع تعديل الدستور الجزائري؟

مشروع التعديل الدستوري لعام 2020: قراءات في المسار والمضامين

الاستفتاء والهندسة المريبة للوثيقة الدّستوريّة

لماذا تدعو حركة عزم للتصويت بـ«لا» على مشروع تعديل الدستور الجزائري؟
لماذا تدعو حركة عزم للتصويت بـ«لا» على مشروع تعديل الدستور الجزائري؟

كتب: سمير زعقوق

لقد سبق لنا أن أعربنا صراحة في حركة عزم في بيان نشرناه بتاريخ 12/05/2020، عن رفضنا لمسار تعديل الدستور الذي تبنته السلطة منذ البداية، ذلك المسار الانفرادي الأعرج الذي لم تشرك فيه الفواعل والتيارات والنخب السياسية المختلفة، لاسيما تلك المنبثقة عن الحراك الشعبي، ثم أتبعنا بياننا المذكور بـ«دراسة نقدية لمسودة التعديل الدستوري لعام 2020» نشرت بتاريخ 21/05/2020، قلنا فيها بأنّ تلك المسودة تؤسّس لدّستور «ردة حضارية» باعتبارها لم تراعي البعد القيمي والحضاري للمجتمع الجزائري ولم تتضمّن تغييرات جوهرية في منظومة الحكم تعيد الكلمة للشعب صاحب السيادة ومصدر كل السلطات، بل كرسّت لتضخّم في المنظومة الحقوقية على الورق بدون ضمانات حقيقية لاحترامها وتطبيقها. ولقد دعونا آنذاك، إلى العمل والدفع نحو إجراء انتخابات تشريعية مسبقة قبل أيّ تعديل دستوري لكي يتسنى للبرلمان المنتخب حلحلة المعضلات وفكّ الألغام التي زرعت في المسودة التي أعلن عنها يوم 08 مايو 2020.

 

إلا أنّه وبالرغم من حالة الحجر الصحيّ العام الذي حتمته جائحة كورونا طيلة أشهر، وبالرغم مما أثارته المسودة من ردود فعل رافضة لها عبر منصات ووسائط التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة، فقد مرّرت واعتٌمدت بتغييرات شكلية طفيفة جدًّا عبر برلمان مطعون في شرعيته، مُنع حتى من حقّ المناقشة و/أو حقّ التعديل لما جاء في مضامينها.

 

استنادا إلى هذا، فإننا في حركة عزم ندعو مجدّدًا إلى ضرورة التعبئة الجماهيرية للتصويت بـ«لا» على مشروع التعديل الدستوري في استفتاء الفاتح من نوفمبر 2020، رفض تعضده حجج وبراهين منطقية وسياسية وقانونية تتعلّق بمواد معيارية وإجرائية استُحدثت أو كانت سابقا وغُيّر محتواها.

 

في هذه الورقة الموجزة، نعرض على الشعب الجزائري أبرز الأحكام القانونية والتي أسّست حركة عزم في ضوئها موقفها الثابت الرافض لمشروع التعديل الدستوري والتي استنادا إليها تدعو الشعب الجزائري إلى التصويت بـ«لا» عليه:

 

أولاً: لا لدستور «الإذعان» نريد دستور الشعب

 

إننا نستند في هذا إلى نص المادة 8 الفقرة 01 من الدستور الحالي: «السّلطة التّأسيسيّة ملك للشّعب.»

 

هناك مساران مختلفان لتعديل الدستور؛ المسار الديمقراطي المنشئ لما يعرف بـ«دستور العقد»، وهو عقد رضائي بين الحاكم والمحكوم ينشأ ابتداءً من وضع لجنة صياغة منتخبة، مرورا إلى تعديل أو إقرار الوثيقة الدستورية من قبل ممثلي الشعب المنتخبين بطريقة شفّافة ونزيهة، وصولا إلى الاستفتاء الشعبيّ كآخر محطّة، وهذا هو المسار المفضي إلى «دستور الشعب».  في المقابل، هناك «المسار غير الديمقراطي» الذي يفضي إلى «دستور المنحة أو دستور الإذعان»، وهذا المسار منتقد لأنه نتاج للإرادة المنفردة للحاكم الذي يعيّن لجنة الصياغة ويحدّد مخارج الوثيقة الدستورية. ويفضي هذا المسار إلى دستور شكلي.

 

فأيّ المسارين اعتمد في مشروع تعديل الدستور المعروض للاستفتاء؟

 

بمقتضى المادة الثامنة (08) الفقرة الأولى (01) من الدستور، والمشار إليها أعلاه، يتّضح جليًا بأنّ الشعب هو صاحب السلطة التأسيسيّة، إلا أنّ المسار المعتمد لتعديل الدستور جاء مخالفا لهذا النصّ، فكان مسارا سلطويّا انفراديا، وهو ما تثبته القرائن التالية:

 

1- لجنة صياغة معينة غير تمثيلية طغى عليها لون أيديولوجي واحد.

 

2- الإصرار على الإبقاء على لجنة لعرابة بالرغم من المطالب الشعبية بتغييرها.

 

3- عدم إشراك ومشاركة الفعاليات السياسية المختلفة في إثراء مسودّة تعديل الدستور.

 

4- حالة الحجر الصحي التي حالت دون فتح فضاءات شعبية واسعة للحوار والنقاش حول مضمون التعديلات.

 

5- التعامل بطريقة طغى عليها الغموض وغياب الشفافية مع المقترحات المرسلة إلى رئاسة الجمهورية.

 

6- تمرير مشروع تعديل الدستور على برلمان مطعون في شرعيته.

 

7- حالة الاستعجال التي مرّر بها هذا المشروع على غرفتي البرلمان وحرمان أعضائه من حقّي المناقشة الموسّعة والتعديل، وفي هذا إخلال صارخ بكلّ من القانون العضويّ المنظّم للعلاقات الوظيفية بين الحكومة والبرلمان، وبالنظامين الداخليين لكلا غرفتي البرلمان.

 

8- استصدار نصّ استدراكي على مشروع التعديل بعد نشر النسخة النهائية منه في الجريدة الرسمية، وهذا مؤشّر آخر على الاستعجال المستهجن الذي لا يليق أن يكون في مثل هكذا محطّات مصيرية في تاريخ الجزائر.

 

9- اختيار يوم الفاتح من نوفمبر كموعد للاستفتاء الشعبي على وثيقة لا ترقى لروح نوفمبر ولا لمضمون بيانه يمثل مسًّا بخاصية الإجماع الوطني، ومحاولة توظيف لذكرى جامعة في مسائل خلافية.

 

ثانيًا: نحو علمنة المجتمع بقوّة القانون:

دلائل وأبعاد علمنة الوثيقة الدستورية

 

جاء في الفقرة العاشرة المستحدثة من ديباجة مشروع هذا التعديل الدستوري: «يعبر الشعب عن حرصه على ترجمة طموحاته في هذا الدستور بإحداث (تحوّلات اجتماعية عميقة) من أجل بناء جزائر جديدة.»

 

فما المقصود بالتحوّلات الاجتماعية العميقة التي يراد لها أن تكون بموجب هذا الدستور؟

 

بالرجوع إلى تصريحي رئيس لجنة الصياغة ومقرّرها، والتي جاء فيها: «الدساتير موجّهة لمواطنين وليس لمؤمنين، ما يعني أنّ عناصر الهوية يمكن إبعادها عن الدستور ليصبح بإمكانك أن تكون جزائريا دون أن تكون عربيا ولا أمازيغيا ولا مسلما». إنّ في هذا دليل واضح لنزعة العلمنة التدريجية للمجتمع الجزائري من خلال أسمى نصّ قانوني في الدولة والذي ستصاغ ضمن إطاره كل القوانين العضوية والقوانين العادية للجمهورية. وبالعودة إلى النصّ، سنجد ما يثبت ذلك في:

 

1- إغفال الحاكمية: تقزيم دور الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع لصالح دسترة المعاهدات والاتفاقيات الدولية (حقوق الإنسان من المنظور الليبرالي، وهي فلسفة غربية غالبًا ما استخدمت مطيّة للتدخّل في الشأن الوطني) وهو ما يلتمس أساسا في الفقرات 13، 16و24، وهي إمّا فقرات مستحدثة أو معدّلة في الديباجة.

 

2- إعطاء الاتفاقيات الدولية الحجّية والأولوية أمام القضاء الدستوري (المطة الرابعة من المادة 190 المستحدثة)، وأمام القضاء العادي (المادة 171 المعدّلة) بدل القوانين الداخلية بما فيها  الأحكام المستنبطة من الشريعة الإسلامية، ونذكر هنا تحديدا قانون الأسرة، أمر يضع قيم المجتمع أمام مخاطر حقيقية في ظل تعارض بعض اتفاقيات حقوق الإنسان مع قيم الجزائري المسلم، وعدم إمكانية التحفظ عليها في حالة الانضمام و/أو المصادقة عليها، وخير دليل الحملات المتتالية ودعوات حقوق الشواذ والمثليين وحقوق المرأة وفقا للمنظور الغربي وتعطيل القصاص والأحكام الشرعية.

 

3- دسترة الحقّ في الحياة ومحاولة تقييد الحق في القصاص (لمنع عقوبة الإعدام) ( المادة 38  المستحدثة).

 

4- دسترة مبدأ حياد المدرسة، أو بالأحرى علمنتها (المادة 65  المعدّلة الفقرة 04)، إذ تعد الأخيرة من المواد الملغمّة في مشروع الدستور، وهي استمرار لنهج وزيرة التربية السابقة بن غبريط في حربها على مقومات الهوية الوطنية داخل المؤسسات التربوية، والتي جاء فيها: «تسهر الدولة على حياد المؤسسات التربوية…».

 

وبمقارنة بسيطة مع الدستور التونسي ندرك الفرق، وما القيم التي ينبغي أن يُربى عليها الأبناء في المؤسسات التربوية  الموجودة في البلاد المسلمة، إذ ينص الفصل 39 من الدستور التونسي لعام 2014  على: (… تعمل الدولة على تأصيل الناشئة في هويتها العربية والإسلامية وانتمائها الوطني…).

 

إن جملة «حياد المؤسسات التربوية» هي عبارة مبطّنة تحوي بداخلها الكثير من الغموض، ومن المحتمل جدّا أن تفسّر لاحقا على أن المقصود بها هو علمنة المؤسسات التربوية.

 

5- الخوض في الأمور التفصيلية المتعلقة بحرية المعتقد لاسيما حماية دور العبادة والديانات (الفقرة الثالثة المستحدثة ضمن المادة 51 المعدلة)، علمًا أنّ هذه المسائل موجودة في النصوص التشريعية الحالية ولا تستدعي ترقيتها إلى النصّ الدستوري. وعليه، فما هو الهدف المتوخى من ذلك؟

 

إنّ التنصيص على حرية ممارسة العبادات هو اتجاه نحو لائكية الدولة في تناقض صارخ مع المادة الثانية من الدستور «الإسلام دين الدولة»، ويتناقض أيضا مع خصوصية المجتمع الجزائري الذي تدين الأغلبية الساحقة من أفراده بدين الإسلام. فالدين الإسلامي، يعترف صراحة في نصوص قرآنية كثيرة على حرية المعتقد كقوله تعالى: {لا إكراه في الدين}، أي أنّ الدين الإسلامي الذي تدين به الدولة يضمن حرية المعتقد، فلماذا الذهاب أبعد من هذا نحو إقرار حرية ممارسة العبادات؟ إن هذا سيفتح الباب أمام أصحاب المعتقدات المختلفة لممارستها عباداتهم بحرية، أمر ينذر بإمكانية ظهور «الأقليات الدينية» التي قد يتطور موقفها مع مرور الوقت إلى مطالب سياسية  تستخدم من قوى المنظومة الدولية لابتزاز الجزائر والضغط عليها.

 

6- حذف الإشارة إلى دور المجتمع في حماية الأسرة والطفل، والذي كان مكرسا في النصّ السابق (المادة 71 المعدّلة).

 

7- عدم تعديل المادة المتعلقة بالمجلس الإسلامي الأعلى على نحو يعزّز من دوره في المجتمع (المادتين 206 و207)، فضلا عن عدم دسترة مجلس وطني أعلى للتربية.

 

ثالثا: بذور الفدرلة والتقسيم

 

انطوى مشروع التعديل المعروض على الاستفتاء على مضامين من شأنها المساس بالوحدة الوطنية، في تناقض صارخ مع روح الدستور الجزائري الذي يجب أن يكرس الوحدة الوطنية والاندماج والتناغم بين كل مكونات الشعب الجزائري. في هذا السياق، نجد أنّ بعض المواد المستحدثة تزرع بذور الفدرلة  والتقسيم في الجزائر.

 

 أهم هذه الأحكام المستحدثة:

 

1.لغة رسمية ثانية مصطنعة تنطوي على محاولة القضاء على التنوع اللساني والثقافي الجزائري.

 

ضمن أحكام مشروع التعديل الدستوري أدرجت «تمازيغت» ضمن البنود الصمّاء كلغة وطنية ورسمية، والتي لا يمكن لأي تعديل دستوري أن يمسّها. وهنا نطرح التساؤلات التالية:

 

-ما الهدف الحقيقي من إدراج هذا البند في هذا الظرف بالذات، والذي يتميز بالاستقطاب الحاد على الساحة الوطنية؟

 

-ما المقصود بلغة «تمازيغت» التي تقترح المسودة إدراجها هنا، بدل مصطلح «اللغة الأمازيغية» (المادة الرابعة المطة الثالثة) والتي استعملت سابقًا في مناقضة حقيقية لواقع الحال، فإن كان الاختلاف والتضارب أصلا في تسمية اللغة المعيارية هل هو «تمازيغت» أو «أمازيغية»، فكيف هو الأمر بالنسبة للقضايا اللغوية الأخرى الأكثر تعقيدا، على غرار مفردات المعجم المرجعي لها أو الحرف الذي تكتب به؟

 

إنّ الاختلاف والتردّد في تسميتها لهو دليل على وجود تجاذبات سياسوية تغذي القضية، ويجب أن ننوّه هنا -من ناحية قانونية حقوقية بحتة- أنّ توحيد اللهجات يتناقض مع الجيل الثالث من حقوق الإنسان المتعلّق بحماية التراث اللامادي الشفوي، ذلك أنّ إقرار لغة مصطنعة يدعي مبتكروها أن تجمع كل التنوّعات اللسانية التي يستخدمها الجزائريون يعني القضاء على هذا التنوّع لصالح «اللهجة المرجعية»، وكان الأجدر في هذا السياق:

 

– فتح نقاش أكاديمي بين أهل الاختصاص يفضي إلى تفكيك المعضلات المتعلّقة بهذا الموضوع بشكل جدّي وجريء دون توجّس أو عصبية أو تطرف.

 

– إنّ صناعة لغة هجينة لن تضع حدّا للنقاش اللغوي الهويتي بل ستفتح جبهات جديدة تتعلّق بطبيعتها وحقيقتها وأبجدياتها، وإنّ الشرعية العلمية لهي الفيصل الموضوعي في هذا الجدل.

 

– إنّ ترسيم لغة هجينة لا يتناقض فقط مع التنوّع اللساني الذي يعتبر مصدر ثراء للثقافة الجزائرية، بل هو أيضا تفتيت للهوية الواحدة، ذلك أن التأطير الدستوري وفق هذا الشكل سيكون له مخاطر على تماسك النسيج الاجتماعي الجزائري وعلى وحدة الدولة مستقبلا.

 

فما خلفيات هذه الدسترة؟

 

إنّ بعض الجهات المستلبة والخادمة للمشروع الإدماجي الجديد هي من يدفع نحو إلغاء التنوّع اللساني في الجزائر لصالح لغة مصطنعة غير مقعّدة والدفاع عنها وإنشاء أقسام لتدريسها في المعاهد والجامعات، وإن هذا في حدّ ذاته مبعث حقيقي للريبة.

 

كما أنّ انحياز السلطة إلى نموذج قيمي، تُراجع فيه توافقات المجتمع الجزائري التاريخية والاجتماعية الكبرى، ويعاد فيه ضبط مفاهيم الهوية، ينذر بأخطار على الوحدة الوطنية لأنّ التشظّي داخل الدول يبدأ لغويا فهوياتيا ثم ينتهي جغرافيا وسياسيا.

 

2- اللامركزية السياسية واللامركزية الإدارية: غموض المفهوم

 

تنص المادة 18 (المستحدثة) في هذا المشروع صراحة على: «تقوم العلاقات بين الدولة والجماعات المحلية على مبادئ اللامركزية وعدم التركيز». فبعدما كانت الجماعات المحلية وفقًا للأحكام التأسيسية السابقة جزءًا من «الدّولة» بالمفهوم الدستوري المتعارف عليه للدّولة، يراد لها بمقتضى هذا المقترح (أي الدولة) أن تكون طرفًا و«الجماعات المحلية» طرفًا آخر يوازيه. ومعلوم بأن هذا لا يكون إلا في الأنظمة الفيدرالية بالدرجة الأولى. وللتنويه، فإنّ هذه المادّة جاءت في الفصل الأول والمعنون بـ«الدولة»، والذي يحدّد شكل الدولة الجزائرية وهو ما يعضد الشكوك التي تحوم حولها.

إنّ هذه المادة تؤكد التخوّف السابق من خطر السير نحو وضع أسس دستورية ومسوغات قانونية «للفدرلة»، فما الهدف من إضافة هذه الأحكام؟ وهل طالب الجزائريون في حراكهم بها؟

 

3- دسترة اللامساواة في تقلّد المناصب السامية في الدولة: الاستثناء الهادم للمبدأ.

 

تنصّ المادة 67 المعدلة في فقرتها الأولى على: «يتساوى جميع المواطنين في تقلّد المهام والوظائف في الدولة، باستثناء المهام والوظائف ذات الصلة بالسيادة والأمن الوطنيين.»

 

من الأحكام الجديدة التي جاءت في مشروع تعديل الدستور، ضمن المادة 67، هذا الاستثناء الذي يهدم مبدأ «الحقّ في المساواة بين المواطنين» عبر تكريس الانتقائية وعدم تكافؤ الفرص في أسمى وثيقة قانونية في الدولة.

 

رابعًا: عولمة الوثيقة الدستورية:

نحو ارتهان السيادة القانونية للدولة

 

اللافت للانتباه في الفقرات المستحدثة في الديباجة، تلك المكانة التي احتلّتها المعاهدات والاتفاقيات الدولية فيها، خاصّة المتعلقة بحقوق الإنسان، بدءا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948. لا شكّ أنّ تكرار ذكر هذه الاتفاقيات بشكل مفصّل في الدستور سيؤدّي الى إعطائها حضورا أكبر ودائما في التشريع الجزائري بالمقارنة مع ذي قبل، غير أنّ الأهم من ذلك أنّ هذه الدسترة للمعاهدات والاتفاقيات الدولية مرتبطة بالمحكمة الدستورية المقترحة التي أصبح من اختصاصها النظر في توافق القوانين الوطنية مع المعاهدات الدولية.

 

فبموجب الفقرة الرابعة من المادة 190 من المشروع التي حددت اختصاصات المحكمة في: «فصل المحكمة الدستورية بقرار حول توافق القوانين والتنظيمات مع المعاهدات ضمن الشروط المحددة على التوالي في الفقرتين 2و3» أصبحت للمحكمة الدستورية صلاحية جديدة وأساسية وهي مراقبة مدى توافق القوانين والتنظيمات وتطابقها مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وهذه مهمّة مختلفة عن مهمّتها الأصلية التي كانت تدور حول مراقبة دستورية القوانين والتنظيمات.

 

وفي سياق غير بعيد عن هذا، وبموجب نصّ المادة 171 من مشروع تعديل الدستور فإنّ: «القاضي يلتزم في ممارسة وظيفته بتطبيق المعاهدات المصادق عليها وقوانين الجمهورية وكذلك قرارات المحكمة الدستورية.» فماذا يعني كل هذا عمليًا؟

 

إنّ مدلول هذا أنّ جميع القوانين الوطنية التي تتضمّن أحكاما مخالفة للاتفاقيات والمعاهدات الدولية ستصبح قوانين غير دستورية على المحكمة الدستورية إلغاؤها، وعلى القاضي أن يطبّق الاتفاقيات الدولية بالأولوية ويمتنع عن تطبيق القوانين والتنظيمات المخالفة لها، فما هي آثار وانعكاسات هذا على القوانين الوطنية؟

 

هناك عدد معتبر من الاتفاقيات التي صادقت عليها الجزائر والتي تتضمّن أحكاما ومواد مخالفة للتشريع الوطني، خاصّة في مجال الأحوال الشخصية وأحوال الأسرة، مثل اتفاقية منع ومكافحة جميع أنواع التمييز ضدّ المرأة أو اتفاقية حقوق الطفل وغيرها.

 

ومعلوم بأنّ الجزائر تتحفّظ عادة على أحكام المعاهدات المخالفة للشريعة الإسلامية، لكن في ظلّ العولمة لم يعد التحفّظ ممكنا دائما، كما أنّ العديد من التحفّظات قد رُفعت في عدد من المعاهدات، لذلك لم يعد من المستبعد في ظل هذا التصوّر، وكمثال عن ذلك، أن تنطق المحكمة الدستورية في يوم ما  بعدم دستورية بعض الأحكام الحالية في قانون الأسرة وهو قانون له أعداء يعدّون بالآلاف في الداخل وفي الّخارج، لاسيما المنظمات الدولية التي تطالب بإلغائه بسبب مسألة تعدّد الزوجات وقضايا الميراث التي يختصرونها في {للذكر مثل حظّ الأنثيين} والتي يعتبرونها مناقضة لمبدأ المساواة حسب زعمهم.

 

بالموازاة، فإنّ إلزام القاضي الوطني بتطبيق المعاهدات والاتفاقيات الدولية مباشرة ليس بالمسألة الهيّنة، ففي البلدان الأوروبية نجد عادة أنّ الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تصادق عليها السلطة التنفيذية يجب أن تكون مطابقة وغير مخالفة للقانون الداخلي، ويتم إدخالها في التشريع الوطني بإجراء يثبت ذلك، أمّا إذا كانت مخالفة أو متضاربة مع قانون داخلي، فلا تتمّ المصادقة عليها إلا بموجب قانون يصادق عليه البرلمان، وهكذا يكون القاضي محميًا ويعمل في إطار منظومة قانونية متناسقة.

 

خامسًا: تمييع الحقوق والحريات العامة:

إفراغ النصوص من مضامينها

 

يُلاحظ ارتفاع وتضخيم في عديد من الحقوق والحريات التي ارتفعت إلى مصفّ الحقوق والحرّيات الدستورية بعدما كان منصوصا عليها في نصوص عضوية أو عادية فقط، وهي حقوق مغيّبة في واقع الممارسة.

 

ويقرّ المختصّون بأنّ مشروع هذا التعديل الدستوري لم يأت بجديد في مجال الحقوق والحريات، لأنّ ما يتغنّى به المدافعون عن هذه الوثيقة كان موجودا من قبل في نصوص مدوّنة، وما قامت به لجنة الخبراء هو إعادة ترتيب أو إعادة صياغة؛ إمّا بإضافة أو بحذف كلمات أو عبارات، وما لم يكن مذكورا في الدستور، كان موجودًا في التشريعات الوطنية الأخرى.

 

إنّ أهمّ مآخذنا في حركة عزم في هذا الباب هي:

 

1- سيطرة المنظور العلماني على صياغة الأحكام المتعلقة بالحقوق والحريات العامة.

 

2- تضخّم في المنظومة الحقوقية على الورق دون إقرار آليات حقيقية لاحترامها وتطبيقها.

 

3- إفراغ المنظومة الحقوقية والحريات المدسترة من مضامينها بإحالة شروط وكيفيات استيفائها على القانون ودسترة مجالس استشارية دون صلاحيات ملموسة في هذا المجال.

 

سادسًا: تغيير العقيدة العسكرية:

من العقيدة الدفاعية إلى العقيدة التدخلية

 

كيف تحوّلت العقيدة الأمنية الجزائرية والقائمة أساساً على احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول في مشروع دستور 2020؟

 

تنصّ المادة 29 من الدستور الحالي على: «تمتنع الجزائر عن اللجوء إلى الحرب من أجل المساس بالسيادة المشروعة للشعوب الأخرى وحريتها.»، وهو ما تغيّر في مشروع تعديل الدستور الذي تنصّ المادة 31 منه على: «يمكن للجزائر في إطار احترام مبادئ وأهداف الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية أن تشارك في حفظ السلم.»

 

واضح بأن هذه المادة تدستر السماح بإرسال وحدات من الجيش خارج الحدود الوطنية؛ سواء للمشاركة في عمليات حفظ السلام تحت المضلّة الأممية أو بعض المنظمات الحكومية الإقليمية الأخرى، وهو مؤشّر على إحداث تغيير جذريّ في العقيدة العسكرية للجيش الجزائري. ومن المعلوم أن العقيدة العسكرية الجزائرية التي ترسخت منذ الاستقلال هي عقيدة تقوم على الامتناع عن اللجوء إلى الحرب أو المساس بسيادة الدول الأخرى وتحبيذ -بدلا من ذلك- الجهود  الدبلوماسية لإدارة/تسوية الخلافات والنزاعات الدولية في إطار المساعي السلمية.

 

إن مسألة مشاركة الجيش الجزائري في الحروب خارج الحدود الوطنية تثير العديد من المخاوف المشروعة المرتبطة بتوريط الجيش الجزائري في صراعات تخدم مصالح بعض القوى الدولية النافذة في المنطقة، وإذا ما نظرنا إلى الجوار الإقليمي غير المستقر للجزائر، يظهر جلياً وجود العديد من التهديدات الأمنية الليّنة والصلبة التي تمسّ أمن واستقرار الدولة الجزائرية وفي مقدمتها الأزمة الليبية المشتعلة والاضطرابات الأمنية والسياسية في مالي وانتشار الحركات الإرهابية في منطقة الساحل الإفريقي وغيرها.

 

إن التعامل مع المعطيات السابقة لو تم وفقا لما جاء في المادة 31 من الوثيقة المقترحة سيجرّ الجيش الجزائري إلى تطبيق مقاربة هجومية بدلا من مقاربة دفاعية. وينبغي التأكيد في سياق تنامي التهديدات الأمنية وتأثيرها على الأمن الوطني الجزائري على ضرورة إعادة التفكير في الآليات والاستراتيجيات الأمنية للحدّ من تأثير هذه التهديدات، ولا يتأتّى ذلك إلا عبر ضبط دقيق لمجال تدخل الجيش الجزائري وتحديد طبيعة المشاركة العملياتية لأفراده خارج الحدود الوطنية وذلك بتحديد المجال الإقليمي (الإفريقي والمتوسطي) باعتباره المجال الجغرافي والجيواسترايجي الذي يمس مباشرة بالأمن الجزائري.

 

أمّا فيما يتعلق بالمشاركة في عمليات حفظ السلام، فلا بد من التأكيد بداية أنّ “مفهوم حفظ السلم” لا يزال غامضا وغير مضبوط بشكل دقيق، وإنّما يقتصر المفهوم حسب منظمة الأمم المتحدة على تسهيل العملية السياسية وحماية المدنيين والمساعدة في نزع سلاح المحاربين السابقين وتسريحهم وإعادة دمجهم، وتقديم الدعم لتنظيم الانتخابات، وحماية وتعزيز حقوق الإنسان، والمساعدة في استعادة سيادة القانون كما جاء في ميثاق الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم.

 

سابعًا: دسترة النظام الرئاسي المغلق:

نحو تكريس الاستبداد الدستوري

 

إنّ الأمر الأكثر أهمية في أيّ دستور هو كيفية تحديد وضبط العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والعلاقة بين مكوّنات كل سلطة، والذي على أساسه يتم تكييف طبيعة النظام الدستوري.

 

وقد عرف النظام الدستوري في الجزائر أقصى درجات شخصنة السلطة وتجسيدها في شخص رئيس الجمهورية في عهد الرئيس المخلوع، وهو وفقا لهذا يكيّف على أنّه نظام رئاسي مغلق يجمع ويركز جميع سلطات الدولة بين يدي الرئيس. ولقد أدى هذا إلى تغييب مؤسّسات الجمهورية؛ سيما البرلمان وحتى الحكومة نفسها، وكذا المجلس الدستوري والقضاء، فهل عالج المشروع المعروض للاستفتاء هذه الاختلالات الدستورية العميقة أو ساهم في تعميقها بإعطاء رئيس الجمهورية صلاحيات جديدة؟

 

كان من المنتظر أن يأتي التعديل بتوزيع جديد وأفضل للسلطات ولكن المفاجأة أنه جاء معاكسًا تمامًا لهذا التطلع، فنجد فيه تركيزًا وشخصنة أكبر للسلطة، وهو ما يتجلّى في:

 

1- الإنفراد بالسلطة التنظيمية: كانت السلطة التنظيمية مقسّمة بين رئيس الجمهورية والوزير الأوّل بموجب المادة 143 من الدستور الحالي، إذ يصدر رئيس الجمهورية المراسيم في المجالات غير المخصصة للتشريع في حين يصدر الوزير الأول المراسيم التنفيذية في المجالات الأخرى، وخاصة تنفيذ القوانين.

 

في المشروع المعروض للاستفتاء، ألغيت المادة 143 نهائيا وأسندت السلطة التنظيمية برمّتها إلى رئيس الجمهورية المبينة في الفقرة السادسة (06) من المادة 91 من المشروع. وعليه فإنّ السلطة التنظيمية باتساعها وضخامتها وحجمها الهائل، أسندت كلّها إلى رئيس الجمهورية، أمّا المراسيم التنفيذية التي يصدرها رئيس الحكومة بتفويض ضمني من رئيس الجمهورية أو تحت إشرافه ورقابته، فبموجب المادة 112 من مشروع التعديل يطبق رئيس الحكومة القوانين والتنظيمات (الفقرة الثالثة) ويوقع على المراسيم التنفيذية (الفقرة الخامسة) مما يؤكّد أنـّه ليس صاحب سلطة أصليّة طالما أنّ السلطة التنظيمية موكلة برمتها لرئيس الجمهورية وحده.

 

2- صلاحية إرسال وحدات من الجيش الشعبي الوطني إلى الخارج: تنص المادة 91 من مشروع تعديل الدستور في فقرتها الثانية على: «يقرّر (رئيس الجمهورية) إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن بعد موافقة البرلمان بأغلبية ثلثي 2/3 أعضاء كلّ غرفة من غرفتي البرلمان.»

 

3- تعيين جميع الأعضاء المسيرين لجميع سلطات الضبط:

 

جاء في المطة الحادية عشر من المادة 92 من مشروع تعديل الدستور أنّ رئيس الجمهورية يعيّن الأعضاء المسيّرين لجميع سلطات الضبط. ومن المتّفق عليه أنّ سلطات الضبط، المتعاظمة أهميتها والمتزايد عددها، هي من الآليات التي استحدثت من أجل تحقيق استقلال تامّ عن الإدارة والسلطة السياسية والحرص على تسيير عقلاني واقتصادي للمرافق العمومية، لذلك فإنه من الشروط الأساسية لاستقلاليتها أن يكون مسيروها منتخبين من طرف مجالس إدارتها لا أن يعينهم رئيس الجمهورية، وبالتالي فإن إضافة سلطة تعيين الأعضاء المسيرين لسلطات الضبط إلى صلاحيات رئيس الجمهورية هي تضخيم لسلطاته وتأتي في الاتجاه المعاكس لمطالب تكريس الديمقراطية.

 

4- سلطة تعيين رئيس مجلس المحاسبة:

 

كان من المنتظر تعزيز استقلالية هذه المؤسسة العامة والتمكين لها مثلما هو معمول به في البلدان الأخرى، لكن المشروع المعروض للاستفتاء لا يسير نحو هذا بل يكرّس النهج القديم في التعامل مع هذه المؤسسة الرقابية المهمة، فعوض أن يكون رئيسها منتخبا، وكذلك طاقم إدارتها، فإذا بالمادة 199 في فقرتها الثالثة من مشروع تعديل الدستور تُدستر تعيين رئيس الجمهورية لرئيس مجلس المحاسبة، وبهذا نتجه نحو تضييع فرصة إرساء استقلالية مؤسّسة مهمّة لمكافحة الفساد وتبديد الأموال العمومية.

 

5- تعيين رئيس السلطة المستقلة للانتخابات وجميع أعضائها:

 

من الصلاحيات التي أضيفت إلى صلاحيات رئيس الجمهورية، الحكم الوارد في الفقرة الأولى (01) من المادة 201 على تعيين رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وأعضائها من قبل رئيس الجمهورية، وفي هذا التفاف صارخ على أهم ضمان من ضمانات الاستقلالية الذي أسّس له القانون العضوي رقم 19-07 المتعلّق بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في مادّتيه 26 و32، وهو مبدأ انتخاب مجلس السلطة وانتخاب رئيسها.

 

ثامنا: تهميش وإقصاء لممثلي الشعب في أسمى وثيقة دستورية

 

كان من المنتظر إجراء تعديلات جوهرية تساهم في استرداد البرلمان لصلاحياته وسلطاته، إلا أنّ هذا المشروع أبقى على حالة الانسداد والضعف المؤسّساتي للبرلمان سيما في المجال التشريعي أو الرقابي، وقرائن ذلك:

 

1- تكريس حصر مجالات التشريع للبرلمان لصالح السلطة التنظيمية لرئيس الجمهورية: كان يجدر توسيع مجالات التشريع المحددة بموجب المادة 139 بتوسيعها إلى المجال الاقتصادي ولاسيما مجال استغلال الثروات الطبيعية كالغاز والبترول والمعادن والقروض والاتفاقيات المالية.

 

2- هيمنة رئيس الجمهورية على السلطة التشريعية في مشروع تعديل الدستوري من خلال الثلث المعين في مجلس الأمة: لقد كان من الأجدر إلغاء مجلس الأمّة الذي لا يعدو أن يكون مجرّد أداة لتعطيل الإرادة الشعبية، أو على الأقلّ إلغاء تعيين الثلث الرئاسي من أعضائه، لكن مشروع تعديل الدستور أبقى على هذا المجلس دون تغييرات جوهرية في تركيبته وصلاحياته، وبالرغم من مراجعة النصاب المطلوب للتصويت في مجلس الأمّة للحدّ من دور الثلث الرئاسي المعطل، إلا أنّ الملاحظ أنه لم يتم مراجعة هذا النصاب في حالة طلب مداولة ثانية للنصّ التشريعي من قبل رئيس الجمهورية وفقًا لنص المادة 149 من مشروع التعديل الدستوري، وهذا في حد ذاته تحايل على هدف تخفيض النصاب.

 

3- المساهمة في تشكيل المحكمة الدستورية:  لم يعد من حق البرلمان انتخاب الأعضاء الذين يمثلون السلطة التشريعية في هذه المحكمة، فليس للبرلمان ذلك بل يختار  كل من رئيسي الغرفتين عضو بمجموع عضوين (المطة الثانية من المادة 186 المعدّلة)، بعد أن كانوا أربعة (04) أعضاء منتخبين .

 

تاسعا: استقلالية العدالة: الوهم والحقيقة

 

إن أهم المآخذ على مشروع تعديل الدستور فيما يخصّ قطاع العدالة:

 

1-تغيير تسمية “السلطة القضائية” سلطة تساوي القوّة، إلى مجرّد “العدالة” كمدخل وظيفيّ فقط، وهذا دليل جدّي آخر على إضعاف ممنهج ومتدرّج لهذا القطاع في أسمى نصّ قانوني بنزع صفة السلطة عنه.

 

2- جاء في عرض أسباب مشروع تعديل الدستور بأنه تمّ تعزيز استقلالية القضاء عن طريق المجلس الأعلى للقضاء بإبعاده عن تأثير السلطة التنفيذية، لكن التساؤل الذي يطرح هنا: أيّ إبعاد هذا عندما يوضع المجلس تحت رئاسة رئيس الجمهورية الذي هو نفسه رئيس السلطة التنفيذية بموجب الفقرة الثانية من المادة 180 من هذا المشروع!

 

3- دسترة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء وخضوعها لرئيس السلطة التنفيذية. كما يُلاحظ أنّ التشكيلة المذكورة غير مبرّرة ولا يفهم لماذا لم تضمّ في عضويتها أعوان العدالة من الموثّقين أو المحضرين، أو الهيئات الدستورية المستقلة الأخرى.

 

4- التنصيص على وجوب تطبيق المعاهدات مباشرة دون انتظار دمجها ضمن قوانين الجمهورية، أمر يرهن الأمن القانوني.

 

عاشرا: السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات

 

-المادة 200 (مستحدثة) من مشروع تعديل الدستور: “السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات مؤسّسة مستقلّة.” وتضطلع السلطة المستقلة بموجب المادة 202 بمهام تنظيمية تتمثّل في: التسجيل والمراجعة في القوائم الانتخابيّة، تحضير العمليّة الانتخابية، وعملية التصويت والفرز والبت في النزاعات الانتخابية حسب التشريع الساري المفعول.

 

بيد أن النصّ المعروض للاستفتاء فيه تخلّ عن وصف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بأنها مؤسّسة تتمتّع بالشخصية المعنوية، والاستقلال الإداري والمالي، وتمّ الاكتفاء بالإشارة لضرورة تأديتها مهامها في شفافية وحياد وعدم تحيّز في انتظار نصّ القانون العضويّ المتعلّق بنظام الانتخابات الذي يحدد قواعد تنظيم السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وسيرها وصلاحياتها. (المادة 201 الفقرة الثالثة)

 

يستشف من عدم توضيح الشخصية المعنوية للسلطة في نصّ المشروع بأنـّها ستكون تابعة مستقبلا لهيئة حكومية، وهذا ما تؤكده المادة 203 المستحدثة: “تقدم السلطات العمومية المعنية الدعم الضروري للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات لممارسة مهامها.” ووفقا لهذا، فإنّ السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي تعد واحدا من أكبر مكاسب الحراك الشعبي لسنة 2019، لم تعد المؤسسة الوحيدة المعنية بالإشراف على العملية الانتخابية وتنظيمها ومراقبتها لأنها ستكون مرفوقة بسلطة عمومية (وزارة الداخلية) تتكفّل بدعمها وتوجيه نشاطها، أو بتعبير آخر، تتدخّل في صلاحياتها.

 

إنّ أخطر تراجع عن مكتسبات الحراك الشعبي هو استبدال آلية الانتخاب ما بين النظراء لأعضاء السلطة المستقلة للانتخابات بآلية التعيين من طرف رئيس الجمهورية، وفي هذا ردة تنبئ بالعودة إلى غلق اللعبة السياسية في المستقبل خلال الانتخابات التشريعية والمحلية.

 

خاتمـــة:

 

إن المضامين المريبة التي أبنّا بعض أخطر ملامحها لكافية للتأسيس لموقف الرفض الشعبي لهذا المشروع الذي يهدّد وحدة الوطن ويرهن حريته ويمسّ بمقومات هويته، وهي تضعنا وتضع الجزائريين اليوم جميعا أمام واجب إسقاط مشروع تعديل الدستور بكل الوسائل المشروعة المتاحة لعل أبسطها هو التصويت بـ«لا» يوم الاستفتاء، وإنـّها لمحطّة تاريخية حرجة حري بالشعب الجزائري، لاسيما جيل الشباب الذي تمتد جذوره إلى جيل نوفمبر؛ جيل الشهداء الأبرار، أن يبرهن فيها أنّه أهل للمسؤولية كلما استدعاه الوطن وأنه من وحي التضحيات الأجداد يستمدّ عزمه اليوم وغدا.