انتشر بين الناس فهم مفاده أن:

 [تبعية المرؤوس للرئيس أو الموظف و الأجير لنظام و قانون الوظيفة تلغي المسؤولية الشخصية للمرؤوس أمام اللّه فيما يتعلق بحل أو حرمة العمل].

فإن قمت مثلا بدعوة و حظ أحدهم على اجتناب شيء من الحرام أو الظلم الذي قد يتخلل عمله ووظيفته كثيرا أو قليلا،

أجابك بلا حرج بأن الأمر يتجاوزه، لأنه مأمور وليس مسئولا!!

ويحاججك بالقول أن المؤاخذة (الشرعية) لا تقع عليه وإنما تقع فقط على الآمر بالعمل أو المؤسسة المؤجرة أو المشرع، وما شابه! 

وهو (أي المأمور) بزعمه مجرد تابع منفذ و بالتالي فهو معذور !!!

فهل هذا الفهم صحيح؟

قال اللّه تعالى:

{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ [166]

وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [167]

[البقرة]

لاحظ : كلاهما في النار التابع و المتبوع، المرؤوس و الرئيس!

وقال تعالى:

{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا[66]

وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [67]

[الأحزاب]

هل لاحظت من القائل؟

إنهم المأمورون في الدنيا، المرؤوسون التابعون المستضعفون، يتكلمون في الآخرة وهم في النار تتقلب وجوههم فيها،

يقولون {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} معترفين بسبب ما هم فيه من مصير {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}.

وقال نبينا وأسوتنا محمد في القوم الذين همّوا بدخول النار التي أمرهم أميرهم (واجب عليهم طاعته)

بإيقادها والدخول فيها بسبب غضبة غضِبها، قال فيهم الرسول ﴿لو دخلوها (أي النار) ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف﴾.

والحديث في الصحيحين، وفيه الدليل على أن واجب الطاعة للأمير لا يبيح لهم المعصية من جهة،

ومن جهة ثانية لا يجلب لهم عذرا إن هم أطاعوه في ما يسخط الله تعالى،

ومن جهة ثالثة دل الحديث بمنطوقه على أن ﴿الطاعة في المعروف﴾ دون ما سواه.

الحاصل

أنه قد تبين لنا من النصوص السابقة أنه لا صحة لذلك الفهم المذكور، بل هو تشوه في وعي وإدراك كثير من المسلمين،

يجعلهم يقعون في منكر التعاون على الإثم والعدوان والترويج له عمليا و التبرير له قوليا، وهم أو بعضهم  يحسبون أنهم يحسنون صنعا !!

بينما الواجب في ذلك لو صح فهمنا للموضوع هو اجتناب الباطل الذي قد يكون ضمن أعمالنا ووظائفنا وغيرها والنهي عنه وعدم الإعانة عليه بأي وسيلة مادية ولا معنوية، عملية ولا قولية،

كائن من كانت الجهة الآمرة أو المنظمة له.

رب فهمنا وجميع المسلمين و فقهنا في الدين