ماكرون مصمم على تمرير قانون التقاعد لأنه ليس لديه ما يخسره

 

صناديق التقاعد فارغة وهناك فائدة اقتصادية من مد فترة العمل 

حوار: أبوبكر أبوالمجد

 

تظاهرات تنذر بخطر كبير على الدولة الفرنسية، وسببها الرئيس، قانون يرغب إيمانويل ماكرون، في تمريره. ووسط توقعات باستمرار التظاهرات وتوسع رقعتها، واندساس مخربين فيها يطالب المعارضون بالاستفتاء على القانون.

 

أما القانون، فهو متعلق بسن التقاعد الذي يرغب الرئيس الفرنسي في رفعه من 62 عامًا إلى 64 عامًا، وذلك من منظور اقتصادي في المقام الأول، لفراغ صندوق مستحقات المتقاعدين لدة الدولة الفرنسية!

 

وللوقوف على مجريات ومستجدات الأحداث في باريس وضواحيها، نحاور الكاتب الصحفي، والمحلل السياسي، توفيق قويدر شيشي، المقيم في فرنسا. 

 

-لماذا كل هذه الثورة الشعبية على قانون التقاعد وما أهم بنوده؟

 

بعيدًا عن تفاصيل بنود القانون الكثيرة والطويلة، فإن أهم مواده هي الماده السابعة، والتي تتيح تأجيل أو إرجاع سن التقاعد من 62 عاما إلى 64.

 

هذه الماده التي خرج من أجلها المواطن الفرنسي إلى الشارع وعبرت عن معارضتها النقابات من خلال الإضرابات المستمرة، والتي شلت الاقتصاد الفرنسي. إذن هذه المادة السابعة التي قالت بأن سن التقاعد الفرنسي ليس كبيرًا، بحسب تصريحات النقابات ورؤساء سياسيين، أجمعوا بأن المواطن الفرنسي ليست لديه “فوبيا العمل” ولا يخاف من العمل، وأنه يعمل، وبالتالي الأجر القاعدي ضعيف، حيث يتراوح بين 1200 إلى 1300 يورو، بالمقارنة بنظرائه الأوروبيين هو ضعيف، وهذا ما يجعل فلسفة هذه المادة مرفوضة بالنسبة للتجمعات النقابية، والشعب الفرنسي، حيث يرفض هذه المادة 85% من الفرنسيين. 

 

وبالتالي النقابات قالت بأن المواطن الفرنسي لا يمكنه أن يعمل إلى ما لا نهاية، وكذلك من حق المواطن الفرنسي الاستمتاع بتقاعده، وما يدعيه ماكرون من أن المواطن الفرنسي يعمر طويلًا ولهذا وجب التمديد، هو مرفوض بالنسبة للنقابات. 

 

-إذا لماذا يصر الرئيس الفرنسي على تمرير هذا القانون؟ ألا يخشى مصير شارل ديغول؟

 

أنا أؤكد على كلمة أصر، حيث أن الرئيس إيمانويل ماكرون استعمل كل الطرق من أجل تمريره، فاستعمل في البداية الآلة الإعلامية، وحضر مسبقًا المواطن الفرنسي بأنه مقبل على قانون التقاعد، سواء بالآلية الدستورية مادة 49 فقرة 3، أو من خلال تمريره بمجلس الأمة ومجلس الشيوخ والموافقة عليه.

 

لماذا يصر؟ لأنه من بين وعوده الانتخابية، فهو قد تعهد بإصلاح قانون التقاعد، كذلك السبب الثاني وهو رئيسي أن هناك لدى ماكرون، ومؤيدوه دراسات تقول أن المواطن الفرنسي يعمر طويلًا، وبالتالي لابد من تمديد سن التقاعد، وهذه فلسفته.

 

إضافة أن هناك مشكل مالي، وهو أن صناديق التقاعد فارغة، وبالتالي لا يمكن السماح بإعطاء فرصة للخروج على سن 62 سنة؛ لأن هذا يعني وجود عجز، وسيكلف الدولة مليارات اليوروهات كي يتم ملء هذه الصناديق، والدولة في هذه الأثناء عاجزة عن سداد هذا العجز.

 

 ووفق دراسات اقتصادية، فإن المواطن الفرنسي وتماشيًا مع نظام دول الاتحاد الأوروبي، فإن عليه أن يعمل كثيرًا حتى يستفيد، فثمة دول كفلندا وغيرها من الدول الاسكندنافية يخرج فيها العامل عن 67 سنة!

 

 يعني على المواطن الفرنسي أن يعمل أكثر.

وعن خوفه من مصير شارل ديغول، وحزبه “الجمهورية للأمام” سابقًا، فإن ماكرون وحزب النهضة الذي ينتمي إليه ليس لديهما ما يخسرانه، فلا أغلبية في البرلمان، ثانيًا هو في نهاية ولايته، فليس له فرصة في ولاية ثالثة بحسب القانون الفرنسي، فلو كانت هذه ولايته الأولى لأجل ذلك القرار خوفًا على خسارة الناخبين، أما وأنها ولايته الأخيرة فليس مهمًا الآن حرصه على أصوات الناخبين، وبالتالي ليس لديه ما يخسره.

 

-هل تكون خسارته للشعبية هذه لصالح منافسته ماري لوبان؟

 

ماري لوبان، لديها حقًا شعبية كبيرة؛ لكن ليس لديها أغلبية، وهي معارضة كبيرة حقًا؛ لكنها تأتي في المرتبة الثالثة بعد حزب التجمع الاشتراكي، وبالتالي هو لا يخشاها، حيث واجهها مرتين في الانتخابات الرئاسية وفاز عليها في الدور الثاني.

 

واعتقد أن حزب ماري لوبان يمكن أن يصل في ظروف معينة إلى الحكم في مدة 20 سنة قادمة، وعلى أي حال فلوبان ليست معترضة على تعديل قانون التقاعد، وإنما كانت تؤيد تمريره عبر استفتاء شعبي، حيث ترى أن هذه الطريقة هي الأكثر تعبيرًا عن الديمقراطية.

 

-إذا هناك فائدة اقتصادية مستهدفة من وراء تمرير هذا القانون؟

 

نعم.. هناك فائدة اقتصادية طبعًا، فبحسب الرئيس ماكرون ووزراؤه، فإن هذا التعديل على قانون التقاعد سيوفر 100 مليار يورو سنويًا على الأقل.

 

 ولأنه المخطط الأول لهذا القانون، فقد أوضح ماكرون، أنه ليس متحمسًا لهذا القانون؛ لكن عدم تمريره يعني أن يكون هناك عجزًا كبيرًا في الميزانية، فيما يبدو أنه مرغمًا على ذلك، مؤكدًا أنه من واقع مسؤوليته والمصلحة الوطنية يرى ضرورة تمرير هذا القانون، موجهًا المجتمع الفرنسي لتحمل مسؤولياته.

 

بينما يرى ماكرون أن مد سن التقاعد إلى 64 سنة، يوفر مليارات اليوروهات، ويساعد في ملء صناديق التقاعد الفارغة، ما يسمح بدفع استحقاقات المتقاعدين مستقبلًا.

 

وهناك التفاتة يجب أن نشير إليها، وهي استثناء الفئات العاملة في القطاعات الشاقة، كالشرطة والحماية المدنية، وبجال الإطفاء، وسائقي سيارات النقل،والقطارات، والطيران، فهذه أعمال من الصعب على أصحابها أن يقوموا بمهامها عند سن 64 سنة.

 

-ما هي توقعاتك لمستقبل التظاهرات الفرنسية؟

 

طبعا سوف تستمر بحسب استطلاعات الرأي العام، والنقابات، وسوف تأخذ منعرجات خطيرة، وستتسع رقعة المظاهرات، فلن تتوقف على المناطق المعروفة في باريس؛ بل ستكون هناك نقلة نوعية في الشوارع، فبدلًا من ميدان الكونكورد، ستتفرع في باقي شوارع باريس، فلا ننسى أن التظاهرات انتقلت إلى منطقة لوبيرا، وهي منطقه حساسة، وهناك مخطط لاقتحام جادة الشانزليزيه، الذي يمنع التظاهر بها بقانون، منذ تظاهرات “السترات الصفراء”.

 

كما أتوقع أن الاحتقان سوف يزداد والمظاهرات طبعا سوف تزداد والغلق سوف يزداد وكذلك التعبئه سوف تزداد، حيث دخل على خط التظاهر فئات جديدة كطبقة الشباب وطلاب الثانوية، ما يعني أن التركيبة الاجتماعية للتظاهرات ستتسع لتشمل كل فسيفساء المجتمع، من أطباء وموظفين ومن شباب، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى صدامات مع الشرطة وتخل بالتظاهر السلمي، خاصة في ظل وجود “بلاك بلوك”، وسيسمح بالمندسين ومن شأن هذا أن يؤدي إلى العنف، وهذا ما سيخل بالتظاهر السلمي وسيسمح بالخروج عن القانون.

 

وأعرب العديد من المسؤولين الفرنسيين تأييدهم للتظاهرات السلمية؛ لكن العنف والحرق والاعتداء على سيارات ورجال الشرطة أمر غير قانوني، وهو ما أدى إلى توقيف العشرات. ولا ننسى جماعة زاد المتطرفة وهي جماعة متخصصة في العنف والتكسير، وموازية للبلاك بلوك.

 

-هل هناك ارتفاع لأسعار السلع وندرة في وجود بعضها كما يردد بعض الإعلام العربي؟

 

الحقيقة أن هناك بالفعل ارتفاع في أسعار السلع تقريبا بنسبه 40% إلى 50% في بعض السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية، مثل الزيت والسكر والعجائن ولخضر والفواكه، فمثلا أسعار الوقود ارتفعت للضعف، كذلك هناك بعض الندرة في بعض المواد، وطبعا هذا راجع أكيد إلى الأزمة الأوكرانية، ففرنسا بالفعل استغنت عن الغاز الروسي، لكن بثمن باهظ جدا، فسعر لتر البنزين ارتفع من 1.5 يورو إلى ما زاد عن 2 يورو، وبخصوص السلع ففعلا هناك ندرة لبعض السلع وهذا راجع لمسألة الشحن، وهي صعبة بسبب الأزمة الأوكرانية.

 

فالمواطن الفرنسي دفع ثمنًا باهظًا على عكس المواطن الأمريكي، فهو في اريحية أما المواطن الأوروبي، وخاصة الفرنسي، فقد دفع ثمنا كبيرا لهذه الأزمة، ولم تتخذ الحكومة للأسف الإجراءات اللازمة لحماية المواطن من ردات فعل الغلاء على الفرنسيين، وقال وزير التجارة إن الأسعار خاضعة للعرض والطلب؛ لكن الحقيقة أن الأزمة الأوكرانية لها الأثر الكبير على هذا الارتفاع الرهيب للأسعار، فهي لم تقم بسياسة التدعيم أو سياسه التسقيف(تحديد السعر) فقط قامت بتسقيف السعر في محطات الوقود لمدة معينة، وهي من أجل الحيلوله من عدم ارتفاعه ووصوله إلى ثلاثة يورو للتر الواحد.

من أبوبكر أبوالمجد

صحفي مصري، متخصص في الشئون الآسيوية