حمّل محمود عبد الجبار رئيس كتلة المشروع الوطني الجامع في السودان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك وحاضنته السياسي من شيوعيين وبعثيين بالمسئولية

عن تعريض وحدة السودان واستقرار للخطر مشيرا إلي نهج حمدوك الإقصائي يقود السودان للنفق المظلم

ولا يؤمن أي فرص لنجاح لأي مشروع وطني يحظي بالتوافق لإنقاذ السودان

وانتقد بشدة تصميم حمدوك وحلفائه علي إدارة السودان بإرادة منفردة

ومحاولة فرض علمانية متطرفة دون رضا السودانيين

أو الحصول علي تفويض منهم ومعتبرا أن عدم تغيير هذا النهج من قبل حمدوك يهدد بإبعاده عن المشهد مجددا

ونفي عبد الجبار أن تكون تحركات الخامس والعشرين من أكتوبر انقلابا عسكريا،

مشددًا علي أنها كانت محاولة جادة لتصحيح مسار الثورة السودانية،

وتأكيدا علي رفض نهج الإقصاء والتهميش والشماتة التي اتبعه حمدوك وجوبه برفض واسع من الشعب السوداني والذي كان قطاع واسع منه مرتاحا لما جري.

واستنكر بشدة محاولات إقصاء التيار الإسلامي من المشهد السياسي في السودان

رغم من يملكه هذا التيار من قوة وشعبي مدينا بشدة التعامل مع الإسلاميين ككتلة واحدة

وتحميلهم المسئولية المشاركة في حكم الإنقاذ وفي وقت كانت تتطلب الشراكة محاسبة من أخطأ وعدم إقصاء تيار أصيل في المشهد السوداني في زمن الثورة.

الحوار مع السياسي السوداني محمود عبد الجبار

تطرق لقضايا عديدة نسردها بالتفصيل في السطور التالية.

ما تقييمك  للاتفاق الأخير بين حمدوك  والبرهان هل هو مؤشر علي استقرار الأوضاع في السودان أم مجرد تنازل مرحلي من الطرفين استعدادا لمواجهة قادمة؟

♦♦ بعد تحركات ٢٥اكتوبر التي قادها الفريق أول عبد الفتاح البرهان لم تكن هناك إمكانية لعودة حمدوك للمشهد السياسي،

ولكن الضغوط الدولية والإقليمية المكثفة التي تعرض لها المكون العسكري هي من فرضت هذا الاتفاق،

الذي يمكن حالة تطبيقه بأمانة ووطنية أن يقود السودان إلى الأمام،

شريطة تخلي حمدوك  عن النهج الإقصائي الذي تعامل به وحاضنته من اليساريين البعثيين والحزب الشيوعي،مع جميع مكونات الشعب السوداني .

وأنا من هنا أرغب التشديد علي أن هدف تحركات ٢٥  أكتوبر لم يكن الانقضاض علي السلطة كما ظن البعض،

ولكن هدف المكون العسكري كان تصحيح مسار الثورة وتخطي السودان المرحلة الانتقالية

والوصول بالشعب السوداني لانتخاب من يحكمه وبالتالي

فالحديث عن رغبة المكون العسكري في الهيمنة علي السلطة بشكل مباشر وأحادي مجرد هواجس لا أساس لها من الصحة.

 

السودان دولة مؤثرة

ردود الأفعال حيال انقلاب البرهان كانت متباينة  في الإقليم حيث أيدت الرياض وأبو ظبي عودة حمدوك فبما ظلت القاهرة تدعم البرهان حتى النهاية هل من تفسير؟

♦♦ السودان دولة مؤثرة وذات موارد وله تأثيرات علي الوضع الإقليمي والدولي

وبالتالي فتباين ردود الأفعال ضد ما جري في ٢٥ أكتوبر كان طبيعيا

سواء أكانت سالبة أم موجبة في ظل تباين مصالح السودان ونظرة الدول المختلفة  لمصالحها

ولمن يمثل مصالحها في المشهد السوداني وضمان الاستقرار وهو ما ظهر بشكل واضح

وفيما يتعلق  بموقف السعودية والإمارات فقد  كانوا منذ البداية يؤيدون الإطاحة بحكم البشير

ووعدوا بدعم النظام السوداني القادم أما حمدوك فقد كان يمثل أملا وحلما لبعض القوى الإقليمية والدولية في رعاية مصالحها وفي السير وفق رغباتهم

ولا يغيب عنا أن حمدوك وصل للسلطة بدعم إماراتي مفتوح،

وكان هذا واضحا الجميع ولكن المؤسف أن التدخل الدولي بشان السودان أصبح سافرا ومؤثرا للغاية.

هذا عن الدعم السعودي الإماراتي لحمدوك فماذا عن موقف القاهرة؟

♦♦ والسودان ومصر مهما اختلفت الأنظمة دولتان شقيقتان وروح وجسد واحد والاستقرار في السودان هو استقرار لمصر.

ناهيك عن أن الطابع التكاملي لعلاقات البلدين لا يقبل المواقف الوسط أو المنطقة الرمادية

بل يحتاج لمواقف واضحة وهو كان باديا بقوة في الدعم المصري للسودان منذ بداية الأزمة حتى توقيع الاتفاق بين البرهان وحمدوك.

هناك من يري أن الرفض الدولي لانقلاب البرهان يؤشر لعدم القدرة علي تمرير أي انقلابات عسكرية قادمة؟

♦♦ ما جري في ٢٥ أكتوبر لم يكن انقلابا عسكريا بل حركة فرضتها الأحداث لتصحيح مسار الثورة السودانية

الذي كان متعثرا للغاية في رأي معظم ألوان الطيف السوداني بما فيهم كتل مؤثرة داخل الحرية

والتغيير فلم تكن هناك أي رغبة داخل أي فصيل سوداني وحتى المكون العسكري في المجلس السيادي في وجود حكم عسكري للبلاد

وإنما المطلوب تصحيح مسار الثورة وعدم الانحراف بها تجاه سيطرة تيارات بعينها علي المشهد

مقابل إقصاء أطراف أخرى وكان من المأمول أن تستعيد الثورة السودانية عافيتها وكذلك المرحلة الانتقالية

ولا تكون هناك انقلابات عسكرية بل نريد حكما مدنيا وجيشا سودانيا قويا ومحترفا وقادرا علي وحدة واستقرار السودان وضمان قوة البلاد ورفاهيتها.

الاستماتة في إعادة حمدوك

في هذه الأجواء بدا حرص المجتمع قويا علي إعادة حمدوك فيما لم يبد نصف هذا الإصرار في التعامل مع  انقلابات مماثلة في دول الجوار مثل مصر وتونس فهل تفسر لنا الأمر؟

♦♦ الدفاع عن حمدوك كان لافتا طبعا بالمقارنة بشخصيات منتخبة جرت الإطاحة بها في دول الجوار

ولم تبد الدول الكبرى أي مواقف مماثلة والأمر طبعا سهل التفسير فالجميع يعلم  أن حمدوك كان رأس الرمح في المشروع الغربي

الراغب في الهيمنة علي السودان والتحكم في مقدراته والسيطرة علي قواته المسلحة وجميع قواه النظامية،

وإبقاء اقتصاده أسيرا  لرغبات صندوق النقد والبنك الدولي لذا كانت حركة ٢٥ أكتوبر ضربة قاضية

وطعنة قاتلة لهذه الأحلام والتطلعات من قبل القوي الدولية والاتحاد الأوروبي،

الذين شعروا بالخسارة الكبيرة دفعتهم لممارسة جهود غير عادية لإعادة حمدوك والحرية

والتغيير للمشهد ليحافظوا علي شيء من مشروعهم في السودان،

بعد أن كانوا مهددين بفقدان مصالحهم ومعه هذه الهيمنة حال استمرار تحركات ٢٥ أكتوبر في مسارها وتحقيق أهدافها

وهو ما كان  كفيلا بالحفاظ علي استقلال السودان كاملا هو ما لا يرغبون فيه بشكل يفسر استماتتهم في الدفاع عن حمدوك.

استماتة الغرب في الدفاع عن حمدوك كيف جوبهت من جانبكم؟

♦♦ من جانبنا لم نبلغ المكون العسكري  والقوي الوطنية الأخرى أن حمدوك يشكل خطرا علي السودان إن لم يراقب أو يشكم

وبالتالي فعلي شركاء حمدوك في السلطة والمكون العسكري أن يعلموا أنه إذا استمر علي نهجه القديم في تسيير شؤون البلاد فسيجد نفسه خارج السلطة.

إبان الربيع العربي كان قطاعات واسع يراهن علي دعم غربي للديمقراطية لكن ما جري في تونس ومصر جاء بصورة عكسية تمام.

♦♦ الحريصون علي حمدوك لا يرون أنفسهم ولا مشروعهم إلا  في استمراره باعتبار أن وجوده هو السبيل الوحيد لاستمرار مشروعهم في السودان وتنفيذه..

أما القوي الكبرى وبعض دول الجوار فهم لا يجدون مشروعهم في القوي الأخرى سواء مدنية أو إسلامية كما لم يجدوه في مصر في عهد الراحل الدكتور محمد مرسي، 

ولذا كان موقفه متساهلا مع الإطاحة به ولم يتحدثوا بالشكل الواضح عن الانقلاب عليه في المقابل،

فإن حمدوك يمثل خطرا كبيرا علي السودان ووحدته واستقراره،

لكن  ما يطمئن أن السودانيين يتمتعون بدرجة كبيرة من الوعي ولديهم القدرة علي مواجهة التحديات والمخاطر ومن بينها حمدوك.

السعي لفرض العلمانية علي السودان

وجهت انتقادات شديدة لقوي ما يطلق عليه الحرية والتغيير بتبني نهج إقصائي تجاه القوي السودانية

وفي مقدمتهم الإسلاميون هل تري أن هذا النهج قادر علي بناء شراكة وطنية قادرة علي إنقاذ السودان؟

♦♦ الجميع يعلم أن الفترة الانتقالية قبل 25 أكتوبر كان مسيطرا عليها من قبل فصائل منها الحزب الشيوعي وتيارات بعثية ويسارية،

وكانوا يسعون بكل السبل لفرض علمانية متطرفة وصارخة علي السودان دون تفويض من الشعب,

ودون رضا منه بالتزامن مع إقصاء كامل لكل القوي السياسية الأخرى بشكل فتح الباب علي مصراعيه لحدوث اضطرابات في شرق السودان وغربه ووسطه،

وبالتالي أصبحت البلاد في وضع شديد الضعف بشكل أكد حاجة البلاد لعملية جراحية دقيقة كي تعيد الأمور في السودان إلي نصابها الصحيح.

اعتصام القصر الجمهوري

غير أن هذا ما بدا توحدا معظم الشعب السوداني موحد ضد انقلاب البرهان

باستثناء فصائل مسلحة في دارفور ما هي الرسالة التي أراد الشعب السوداني توصيلها للعسكر؟

♦♦ ليس صحيحا أن الشعب السوداني كان موحدا في الموقف مما جري في الخامس والعشرين من أكتوبر فهناك قطاعات واسعة، أيدت هذه التحركات،

فيما رفضها المؤيدون لحمدوك والداعمون له والمستفيدون من استمرار إدارته للبلاد،

وليس أدل علي وجود تيار قوي مؤيد لما جري من قبل الفريق أول البرهان من الاعتصام الواسع

الذي جري تنظيمه في ساحة القصر الجمهوري وكانت مطالبه إقالة حكومة حمدوك وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة في مقدمة مطالبه.

  هل أيد قطاع عريض من السودانيين ما جري في 25 أكتوبر؟

♦♦ لم يكتفوا بالتأييد فقط بل كانت  قطاعات واسعة من الشعب السوداني تشعر بارتياح كبير لتحركات 25 أكتوبر في الولايات السودانية المختلفة،

بل خرجت تظاهرات ضخمة في ولاية الجزيرة ودارفور وولايات الشمال والشرق  مؤيدة لتحرك المكون العسكري،

فيما اقتصر تأييد حمدوك علي الشباب المتحمسين والقوي اليسارية، التي وجدت نفسها خارج المشهد وخارج الوظائف والمكتسبات،

ومن ثم فلا يمكن لمظاهرات تضم 7 آلاف أن تفرض الوصاية علي 42 مليون سوداني،

ناهيك عن العاصمة الخرطوم التي تضم 13 مليونا فكيف يمكن لمظاهرة بالآلاف أن تسيطر وتحكم علي إرادة المواطنين.

  كلامك يسير في إطار أن حمدوك فشل في إقناع القطاع الكبير من السودانيين بقدرته علي إخراج البلاد من النفق المظلم؟

♦♦ من أكبر عيوب المرحلة الانتقالية كانت هيمنة تيار بعينه علي قوي الحرية والتغيير وفرضها نهج الإقصاء والتشفي والانتقام

وبالتالي هذا النهج لا يمكن أن يقود لاستقرار السودان أو إلي تدشين شراكة حقيقية لا مع المكون العسكري ولا مع القوي السياسية الأخرى

وخلال عامين مضوا كان السودان يتشظى وينقسم علي بعضه البعض

ووصل الأمر إلي أن حمدوك نفسه أقر بالفشل الذريع في خطابه يوم 21 أكتوبر في تحقيق الوفاق الوطني

أو تبني مشروع وطني قادر علي جمع شمل السودانيين أو تحقيق انجاز ذو قيمة.

غير أن نهج الإقصاء لم يفلح يوما في السودان؟

♦♦ نهج الإقصاء لا يصلح في السودان الذي يضم 750 مكونا قبليا، وكل مكون قبلي له نظارة وقيادة وإدارة،

وبالتالي النهج الوحيد الذي ينفع في السودان هو نهج التوافق ووحدة الصف ولم الشمل والوفاق انطلاقا من قاعدة أنه ليس لأحد فضل علي أحد في السودان،

وأنا شخصيا نقلت رسالة للعديد من القوي السياسية السودانية بمن فيهم الصادق المهدي وإبراهيم الشيخ

وفصائل داخل  قوي الحرية والتغيير مفادها أن هذا النهج الاقصائي لن يفلح ولا يمكن أن يقود السودان للاستقرار والتقدم والنهضة،

وهي رسالة وصلت لجميع القوي بما فيها القوي المسلحة، حيث التقيت منى اركو مناوي

والعديد من الطرق الصوفية بل وقابلت البرهان نفسه ووجهت له رسالة بان نهج الإقصاء لا يصلح بقيادة السودان بل انه سيقود البلاد للانهيار والضعف والتشظي.

أخطاء المرحلة الانتقالية

من التيارات التي تعرضت للإقصاء والتهميش التيار الإسلامي في السودان كيف راقبت هذا الأمر؟

♦♦ من أخطاء المرحلة الانتقالية الإقصاء التام للإسلاميين 

ومحاسبة الغائب علي جريرة الحاضر، والعكس،

مع أن الإسلاميين، هم الأكثر انتشارا وتنظيما وقدرة علي قيادة السودان

وكان الأولي من هذا النهج الإقصائي جمع السودانيين خلف مشروع وطني يحظي بالتوافق

ويقود السودان للامان بدلا من سيطرة فصيل كان نهجه خطرا علي أمنه واستقراره،

وبل عرّض نفس الفصيل المهيمن نفسه للمخاطر؛ الاتهام بالعمالة لأجهزة الاستخبارات الدولية والفساد والتعرض للسجن،

بدلا من ذلك كان علي قوي اليسار أن  تدرك أن السودان شعب متعدد الاثنيات والعرقيات تجعله بحاجة للتوافق وجمع الشمل بدلا من الإقصاء والتهميش.

في هذه الأجواء الملتبسة كيف تري مستقبل الإسلاميين في السودان؟

♦♦ الإسلاميون شأنهم شأن جميع الفصائل والتيارات السودانية لهم كل الحقوق وعليهم كافة الوجبات

ولا يجب أن يحاسبوا جملة علي المشاركة في حكم الإنقاذ، والبشير ومن أفسد منهم فليتم اقتياده إلى المحاكمة

وأما البريء منهم فله حقه، في ممارسة حياته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، بكافة الوسائل،

فليس من المقبول في زمن الثورة أن يحاسب الإفراد والتيارات علي انتماءاتهم السياسية والفكرية وعلي مواقفهم .