لم يدر بخلد أغلب المراقبين العربيين أن يخرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبرز الرابحين من الأزمة التي اشتعلت في حديقته الخلفية كازاخستان بعد نجاح قواته في إخماد الانتفاضة الشعبية التي اشتعلت جذوتها في العاصمة أالماتا وعدد من مدن الجمهورية السوفيتية السابقة شاسعة المساحة والغنية بالنفط  اعتراضا علي قرارات رفع اسعار المحروقات من قبل حكومة الرئيس  المثير للجدل قاسم توكاييف

فالقرارت غير المبرر التي أصدرتها حكومة توكاييف المقالة لم يكن لها ما يبررها وواجهت بغضب شعبي عارم وهو غضبحاولت بعض دوائر غربية بحسب موسكو  توظيفه لإشعال الحرائق في اكبر حليف للكريملين لاشغاله عن مساعيه لاجتياج اوكرانيا التي يقف علي حدودها قرابة ٢٧٠الف جندي روسي يستعدون لغزوهامتي صدرت لهم الاوامر.

موسكو وكازاخستان وحزمة من المكاسب 

بل نجحت موسكو في تعزيز نفوذها في كازاخستان والتحول للاعب الرئيس ان لم يكن الوحيد  في المشهد الكازاخي  بعد عقود حاول خلالها الرئيس نور سلطان نزار باييف علي مدار سنوات ايجاد نوع من التوازن في علاقاته مع كل من واشنطن وموسكو فمحاولات الاقتراب من الإدارات الامريكية المتعاقبة لم تكن ابدا علي حساب الدب الروسي

لكن هذا التوازن لا يبدومتاحا  أمام خلفه قاسم توكاييف الذي أظهرت خطواته خصوصا بعد القاء القبض علي رئيس الوزراء ورئيس جهاز المخايرات المرتبطين بصلات وثيقة بدوائر امريكية عزمه علي تقوية صلاته بالحليف الروسي وادارة ظهره لواشنطن وهو نهج لا يبدو ان امامه خيار اخر غيره بعد ان صار مدينا لموسكو في استمرار نظامه ودعم محاولاته لتعزيز نفوذه خصوصا بعد قراره باقالة الرئيس السابق نزار باييف من رئاسة مجلس الامن القومي الذي اصر علي الاحتفاظ به بعد تنازله عن السلطة عام ٢٠١٩  بعد ثلاثة عقود قضاها حاكما مطلقا لأغني بلد في اسيا الوسطي.

فيما أظهرت السرعة التي نشرت بموجبها موسكو قوات معاهدة الامن الجماعي والقدرة علي  قمع انتفاضة الكازاخ اظهر جدية موسكو في عدم قبول أي مساعي لاشاعة اجواء عدم الاستقرار في دولة حليفة لها بحجم كازاخستان وقطع الطريق علي الدخول في أية مساومات لانتزاع تنازلات مؤثرة في دول الجوار التي تسير في الفلك الروسي

ولعل أهمية كازاخستان الاستراتيجية تعود لكونها مقرا لمحطة الفضاء الروسية بايكنور بشكل جعل تحرك موسكو صارما وغير قابل للمساومة فلا يمكن مقايضة موسكو علي احتمالات شنها عملية عسكرية ضد أوكرانيا بالعبث في واحد من أهم الدول الحليفة لها حيث عملت موسكو علي وأد أية  محاولات لاشعال ثورة ملونة في حديقتها الخلفية بالإضافة لما تمثله كازاخستان للصين فهي الطريق البري الوحيد الذي يربط بين الصين وأوروبا لذا رأينا جدية صينية في دعم جهود روسيا ومن وراءها كازاخستان لوقف العبث الامريكي في دول الجوار.

: ومن الثابت هنا أن موسكو قد خرجت من أزمة كازاخستان رابحة علي الصعيد الاستراتيجي حيث أوصلت رسالة واضحة للغرب وفي مقدمتهم الإدارة الامريكية أنها لن تقبل أي تدخل غربي أو أي امتداد للنفوذ الامريكي او اي توسع لحلف الناتو شرقا وهي رسالة سيضعها الغرب نصب عينه  هو يفكر في ضم اوكرانيا للناتو

أحداث كازاخستان

حيث لن تقبل موسكو الامر جملة وتفصيلا بل سترد عليه ردا عنيفا قد يصل الي اجتياح الاراضي الاوكرانية والبقاء فيها طويلا وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الامريكي انطوني بلينكن حين أوضح أن القوات الروسية اذ دخلت اراضي فلن تخرج  منها في معرض تعليقه علي دخول قوات روسية عبر مظلة اتفاقية الامن الجماعي كازاخستان

وفي المقابل فان فشل واشنطن وحلفاءها الغربيين في الحاق الهزيمة بموسكو والموالين اليها في كازاخستان قد اضعف كثيرا من الموقف الأمريكي في أية مفاوضات مستقبلية مع موسكو سواء فيما يتعلق بتوسيع الناتو شرقا وتوثيق الصلات مع أوكرانيا بل قد يدفعها للبحث عن حل وسط في هذه الملفات العالقة وتليين الخطاب مع موسكو والذي ظهر بوضوح في تصريحات مفوض العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوسيبي بوريل حين شدد علي أهمية العلاقات مع موسكو مع عدم تجاهل سلاح الردع وهي اشارة لضعف خيارات الأوروبيين   في التعامل مع الدب الروسي سواء في ملف اوكرانيا او كازاخستان

وليس بعيدا عن خسائر الغرب في هذه المواجهة مع روسيا ان انضمام اوكرانيا الي حلف شمال الاطلطني او نشر أسلحة هجومية استراتيجية شرق أوروبا صار قريبا بل أن من تجليات الأزمة الكازاخية ان روسيا لن تقبل باي نوع من الثورات الملونة في حديقتها الخلفية وانها قادرة علي واد هذه الثورات بلكل الوسائل.

بوتين وتوكاييف

كما أنها أي موسكو قادرة علي حشد ما يزيد عن ٢٠٠الف جندي علي حدود اوكرانيا ان تلجم توسع الناتو غربا وهو موقف اكدته تصريحات الامين العام للناتو ستولتبرح من ان هناك موافقة  مبدئية  علي عضوية اواكرانيا وجورجيا بالحلف لكن لا موعد محددا  للانصمام الفعلي وهو تراجع تكتيكي بان رسالة موسكو بكون عضوية كييف في الحلف الغربي لن تمر مرور الكرام

ولا يغيب عنا في هذا السياق الإشارة الي إنه بحسابات الربح والخسارة فان تأييد تركيا لجهود حكومة قاسم توكاييف في كازاخستان قد عزز من النفوذ التركي في كازاخستان ومنطقة اسيا الوسطي خصوصا في منظمة الدول التركية واظهر انقرة كحليف موثوق به وعزز من دورها السياسي الاقتصادي في هذه المنطقة المهمة من العالم لاسيما ان انقرة فد اكتسبت ارضية ومثلت شريكا استراتيجيا وتجاريا مهما يمكن التعويل عليه في المحطات الصعبة.