أكد المحلل السياسي التركي يوسف كاتب اوغلو أن سياسة تصفير المشكلات مع دول الجوار وفي مقدمتها مصر وسوريا  والعراق والكيان الصهيوني ستكون أبرز ملامح السياسة التركية خلال الولاية الثانية للرئيس اردوغان في إطار المساعي لتسوية ملفات الطاقة في شرق المتوسط وترسيم الحدود البحرية.

قال كاتب اوغلو في حواره مع «جريدة الأمة الإليكترونية» إن السياسة التركية خلال المرحلة القادمة ستعمل علي حفظ التوازنات الإقليمية وعدم الانجرار لأي صراعات عسكرية بالانحياز لطرف دون الآخر وستعمل كذلك علي بذل جهود حثيثة لإنهاء الحرب في أوكرانيا عبر وقف مستدام لإطلاق النار تعقبه تسوية سياسية ودبلوماسية.

تركيا ستعمل بقوة علي حفظ التوازنات الإقليمية وعدم الانحياز لأي طرف في الصراعات المسلحة

ونبه إلي أن علاقات تركيا مع واشنطن ليست في أفضل حال وستمر خلال المرحلة بموجات  مد وجزر بسبب تدخل واشنطن الخشن  ودعمها المالي والسياسي الواضح للمعارضة  في الانتخابات ورهانها الخاسر علي كليجدار أوغلو وهي السياسة التي لم تحقق أيا من أهدافها.

وشدد المحلل السياسي التركي علي أن التعديلات التي شهدتها وزارات الداخلية والدفاع والخارجية لا تعني وجود أي تقصير من الوزراء الثلاث بل تؤشر لدور قوي وحيوي للوزراء داخل البرلمان خصوصا مع مساعي إقرار دستور مدني يليق بقرن تركيا.

الحوار مع المحلل السياسي التركي تطرق لملفات عديدة نرصدها بالتفصيل خلال السطور التالية

• كيف تري تأثير نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية علي مجمل الوضع التركي خصوصا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وكذلك بالأوضاع الداخلية لاسيما الاقتصاد؟

الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا كانت تشكل أكبر عقبة أمام استمرار برنامج الإصلاح والتطور والبناء الذي كان يقوده الرئيس رجب طيب اردوغان حيث كان يتوجب علي الأخير تجاوز هذه العقبة والفوز بالانتخابات البرلمانية  والرئاسية.

وهذا ما تحقق وبالتالي أزيلت العقبات وأصبحنا نتحدث عن وجود استقرار سياسي خلال السنوات المقبلة سينعكس بالمطلق علي استقرار اقتصادي  وبالتالي سنجد استمرارا للسياسة الخارجية  المتبعة خلال العامين الماضيين.

صياغة دستور جديد يليق بقرن تركيا ابرز مهام البرلمان وصويلو وجاويش اوغلو فرسا الرهان في معركته

وسيتم كذلك عبر الاستدارة وفتح الملفات الشائكة وسياسة تصفير المشاكل مع الدول التي لديها هذه الملفات الشائكة  مثل مصر وسوريا والعراق ودول الخليج عبر المحافظة علي التوازنات الإقليمية وعدم الانخراط تحت أي ضغوط في أي صراعات بالانحياز لطرف علي حساب الآخر.

‏ وكذلك العمل بكل السبل لمواجهة تداعيات الحرب الأوكرانية والتي تديرها تركيا بذكاء ولن ترضخ للضغوط الغربية بل علي العكس ستستمر جهود تركيا لنزع فتيل هذه الأزمة والقيام لدور ايجابي لتسوية أية مشكلات تتعلق بهذه الحرب مثل اتفاق تصدير الحبوب الذي أنقذ العديد من دول العالم من الفقر ومن أزمة عالمية معقدة.

التضخم وسعر صرف الليرة

• في هذا السياق يبدو الملف الاقتصادي من التحديات الصعبة التي واجهت تركيا خلال الفترة المقبلة وكيفية  التعامل معها؟ 

علي الصعيد الاقتصادي أرجح  أن تكون هناك استدارة في التماشي مع الأسواق العالمية خصوصا مع وجود وزير المالية محمد شيمشك الذي يعد من الأسماء  الاقتصادية المعروفة  والمرضى عنها في الأسواق العالمية والأوروبية.

 وستتم هذه الاستدارة عبر تأسيس فريق اقتصادي قوي بداية من البنك المركزي من حيث تم  تغيير مجلس إدارته  والمجيء برئيسة جديدة بشكل قد يطمئن الأسواق العالمية ويشجع رءوس الأموال علي العودة والاستثمار في الأسواق التركية .

وربما يتزامن الأمر مع العودة لرفع بعض أسعار الفائدة عبر أسلوب الكر والفر لإطفاء النار المشتعلة فيما يتعلق بالتضخم أو الضغوط علي سعر صرف الليرة التركية دون إجراءات دراماتيكية أو تغيير منهجي قي السياسة الاقتصادية.

الليرة التركية

• كيف سيتم هذا التغير الهادئ في السياسات الاقتصادية؟

سيتم هذا التغيير المتدرج عبر النزول بمعدلات التضخم إلى خانة الآحاد ودعم الاستثمارات الأجنبية المباشرة عبر سلسلة من الامتيازات والإعفاءات والتسهيلات لزيادة معدلات النمو والدفع بعجلة الصادرات وإيجاد روافد للعملة الأجنبية من قطاع الطاقة عبر التوسع في مشروعات الطاقة البديلة مع استمرار الاكتشافات في قطاع الطاقة المحلية

• كان لافتا بشدة وخلال التشكيلة الحكومية الجديد خروج وزراء الداخلية والخارجية والدفاع رغم كونه من رموز السياسة التركية منذ عدة أعوام؟

3 أسباب جوهرية وراء تقارب تركيا مع مصر وسوريا والكيان الصهيوني

طبعا هناك تحديات في وزارات الداخلية والدفاع والخارجية فرضت هذا التغيير في سياق ما كان يتمتع به الوزراء السابقون من خبرات وإمكانات عالية وفي مقدمتهم سليمان صويلو ومولود جاويش أوغلو وخلوصي أكار كل في مجاله مع الوضع في الاعتبار أن الوزراء الثلاثة انتقلوا لممارسة مهام شديدة الأهمية بعد أن أصبحوا نوابا في البرلمان المعروف بدوره التشريعي الهام خصوصا أننا مقبلون علي صياغة دستور جديد يليق بتركيا وبقرن تركيا القادم بشكل يستوجب وجود هذه القامات دخل البرلمان

صويلو وجاويش أوغلو وأكار

• هل جاء التعديل بقامات توازي قيمة وخبرة الوزراء الثلاثة السابقين؟

من خلفوا الوزراء الثلاثة أناس يتمتعون بالخبرة والكفاءة والدراية بكافة الملفات فمثلا في وزارة الدفاع جاء يشار جولر الذي كان يعمل رئيسا للأركان في ظل وجود اكار وزيرا للدفاع وهو متمرس وصاحب خبرة وكذاك الأمر فيما يتعلق بوزارة الداخلية حيث غادر سليمان صويلو.

وتم تعيين والي اسطنبول «علي يرلي كايا» مكانه وهو مطلع علي كافة قضايا الوزارة خصوصا أنه تولي كثيرا من الولايات في شرق تركيا مثل «شرناق وغازي عنتاب» وكان يعمل واليا لاسطنبول وغيرها.

فيما انتقل صويلو لعضوية البرلمان ورئاسة اللجان به ويمكن أن يخوض المعركة علي رئاسة مدينة اسطنبول أمام أكرم إمام اوغلو.

• وماذا عن هكان فيدان وتوليه وزارة الخارجية خلفا لجاويش أوغلو؟

نفس الأمر يتعلق بهاكان فيدان الذي تم تعيينه وزيرا للخارجية محل جاويش أوغلو حيث كان فيدان هو الرقم الصعب في السياسة التركية خلال السنوات الماضية والمطلع علي الملفات الصعبة وكان من ابرز الداعمين لجاويش أوغلو الذي أصبح نائبا بالبرلمان وسيعلب دورا مهما في مجمل السياسة التركية خلال المرحلة القادمة .

وفي اعتقادي أن هكان فيدان لا يقل مهارة ولا كفاءة عن شاويش أوغلو بل وهو منذ ١٣عاما يلعب دورا محوريا في الساحة السياسية والآنية عبر رئاسته لأجهزة الاستخبارات ولديه اطلاع علي كافة الملفات الدولية والإقليمية المهمة.

التقارب مع حكومات مثيرة للجدل

‏• خلال العامين الماضين سعت تركيا للتقارب مع عدد من العواصم المصرية للجدل بشكل أثار الجدل حول جدوى هذا التقارب؟

 علاقاتنا مع واشنطن ستراوح بين مد وجزر وضغوطها لن تغير ثوابتنا أو تمس سيادتنا

التقارب مع الدول ذات الملفات الشائكة مثل مصر وسوريا والكيان الصهيوني يعود لأسباب جوهرية فرضتها الظروف والأولويات التي في مقدمتها ترسيم الحدود في شرق المتوسط لاسيما أن الدول الثلاث مطلون علي البحر المتوسط .

وهناك مساع لترسيم الحدود عبر التنسيق مع تركيا والجلوس علي مائدة المفاوضات ورغم صعوبة وضع هذه الحكومات المثيرة للجدل إلا أنها تحظي بتمثيل دولي يستوجب الجلوس والتفاوض معها

• كأنك تشير لأولوية هذه الملفات خلال المرحلة القادمة؟

تسوية هذه الملفات الشائكة مع هذه الدول يشكل أولوية مهمة لتركيا لاسيما ملف ترسيم حدود البحر المتوسط.. أما الملف الثاني المهم لتركيا فهو يتعلق بالمحافظة علي الأمن القومي لتركيا خصوصا فيما يتعلق بالشمال السوري الذي يمثل تهديدا للأمن القومي في ظل الدعم الذي تقدمه أمريكا لمجموعات تركيا مسلحة تعتبرها تركيا إرهابية مثل الـ«بي كيه كا» والـ«بي دي كيه» و«قسد» وغيرها وهو ما بشكل هاجسا امنيا لتركيا.

السيسي واردوغان

هذا ما يتعلق بسوريا فماذا عن الوضع مع مصر التي شهدت علاقاتها مع تركيا تطورا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة؟

لا يختلف الأمر فيما يتعلق بمصر فهناك مشكلات تحكم العلاقات معها من خلال الملف الليبي حيث لابد من تسوية هذا الملف من خلال التقارب مع مصر ومن خلال شراكة تبدد المخاوف الأمنية التي أثرت بشدة علي علاقات البلدين علي كافة الأصعدة خصوصا الاقتصادي

وفى الملف الاقتصادي يجب التحرك لدفع عجلة الاستثمارات الاقتصادية المجمدة بين البلدين والارتقاء بأرقام التبادل التجاري والوصول بها لما يزيد علي ٣٠مليار دولار

إذا كان التقارب مقبولا مع مصر وسوريا فهل الأمر يبدو مقبولا فيما يخص العلاقة مع الكيان الصهيوني؟

عضوية تركيا النشطة في الناتو لا تتناقض مع الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع موسكو

العلاقات مع الكيان الصهيوني تأتى في سياق مشابه من حيث وجود ملفات شائكة مثل ملف الطاقة وترسيم الحدود فضلا عن السعي لفرض قوة تركيا وتسخيرها لصالح الشعب الفلسطيني الذي يعاني الآمرين في القدس والضفة الغربية وفي قطاع غزة المحاصر لذا تريد تركيا استخدام قدرتها الناعمة لتخفيف الضغوط عن الشعب الشقيق وفتح الباب أمام دعمه إنسانيا وخدماتيا خصوصا في القطاع المحاصر وفي فلسطين بشكل عام .

وهي سياسة استراتيجية تركية وتقارب مخطط له مع تل أبيب وليس لمصلحة انتخابية مؤقتة وهو ما ينطبق مع كل الأنظمة المثيرة للجدل التي شهدت علاقاتها مع تركيا تقاربا خلال العامين الماضيين.

علاقات متشابكة مع واشنطن

في هذا السياق تسود حالة من الغموض فيما يتعلق بالعلاقات بين أنقرة وواشنطن لاسيما ان إدارة بايدن كانت تفضل فوز كليجيدار أوغلو علي الرئيس أردوغان؟

العلاقة مع واشنطن ليست في أفضل حال لاسيما في ظل انحياز إدارة بايدن لكليجيدار أوغلو ولقوي المعارضة الفاشلة التي أخفقت إلا في تحقيق فشل ذريع علي كافة الأصعدة لاسيما في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

ويكفي هنا أنها وزعيمها كليجدار أوغلو تعرضت لعشر خسارات متتالية أمام الرئيس أردوغان وبالتالي يبدو من اليقين القول إن واشنطن راهنت علي الحصان الخاسر رغم كافة أشكال الدعم التي قدمت للمعارضة

وهو دعم لا يقتصر علي الجانب الإعلامي فقط بل كان هناك دعم مالي حقيقي فضلا عن التدخل السافر في الشأن التركي عبر اللقاءات المشبوهة بين السفير الأمريكي في أنقرة وكليجيدار أوغلو كذلك ما قام به لوبي المال الأمريكي من لقاءات مشبوهة مع الأخير خلال زيارته لواشنطن مع الاستغلال البشع لكل الظروف الصعبة التي تمر بها تركيا.

اروغان وكليتشدار اوغلو

• هل توقف الدعم الأمريكي عند هذا الحد؟

لم تكتف واشنطن بذلك بل واصلت دعم جماعة كردية مسلحة تصنفها تركيا بالإرهابية هو الجماعات التي قدمت كافة أشكال الدعم المالي واللوجيستي للمعارضة ومرشحها قي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وهو ما ينطبق علي جماعة فتح الله جولن.

ترسيم الحدود البحرية وتسوية ملف الطاقة في شرق المتوسط عبر مائدة المفاوضات ابرز التحديات خلال المرحلة المقبلة

ولكن ورغم كل هذا الدعم إلا أن المعارضة فشلت فشلا ذ ريعا ولم تفلح إلا في الفوز بـ٢١٢مقعدا في البرلمان من ٦٠٠ مقعد بالبرلمان مقابل تحقيق تحالف الجمهور لـ ٣٢٣ مقعدا حيث فشلت المعارضة في استعادة الأغلبية داخل البرلمان بعد تصويت أغلبية الشعب التركي ضدها

وحين تفقد الأغلبية في البرلمان لا تستطيع الوفاء بأي من وعودك الانتخابية وبل كانت الضربة القاضية في خسارة كليجيدار أوغلو أمام الرئيس أردوغان في جولة الإعادة وهو الذي يعد ممثل المشروع الأمريكي في تركيا.

• كلامك يعني أن واشنطن كانت الخاسر الأكبر من هذه المعركة؟

أمريكا والـ«سي أي إيه» كانا أبرز الخاسرين في هذه المعركة عبر الرهان علي المعارضة وقادتها لاسيما أن بايدن كان يشدد هو وأركان إدارته علي ضرورة دعم المعارضة التركية عبر صناديق الاقتراع ولبس عبر الانقلابات وهو ما فشل. فيه فشلا ذريعا

• وماذا عن تأثير هذا الدعم القوي علي مستقبل العلاقة بين أنقرة وواشنطن؟

العلاقات بين البلدين خلال المرحلة المقبلة ستكون بين مد وجزر لاسيما أن تركيا لن تضحي في إطار هذه العلاقات بملفين أساسيين وهما امن تركيا القومي واستقلالية قرارها السيادي والوطني.

أما فيما عدا ذلك من علاقات استثمارية واقتصادية وتجارية فستحكمها لغة المصالح وبل سيكون هناك تعزيز لهذه العلاقات لاسيما أن تركيا ستركز علي التوازنات الإقليمية ولن تقبل بأي ضغوط تؤثر على موقفها من القضايا الشائكة حيث لن تألو جهدا لوقف الحرب في أوكرانيا عبر وقف لإطلاق النار وصولا لتسوية مستدامة.

حلف الناتو

• من المثير حقا سعي تركيا استمرار تركيا في لعب دور نشط بالناتو في وقت تحرص علي علاقات وثيقة مع روسيا؟

تركيا ستواصل خلال الولاية الثانية للرئيس أردوغان تكثيف أنشطتها داخل الناتو باعتبارها ثاني اكبر جيش في الناتو وفي الوقت نفسه توثيق الصلات مع روسيا واستمرار التعاون في مجال الطاقة حيث ستتحول تركيا لمنصة لتصدير الغاز الروسي لأوروبا.

وستسهم هذه المنصة في تعزيز التفاهمات مع روسيا ورفع التبادل التجاري ليتجاوز عتبة١٠٠مليار دولار مع استمرار توثيق التعاون في المجال السياحي مع الحفاظ كذلك علي علاقات وثيقة مع أوكرانيا من خلال العمل علي إنهاء الحرب وتفعيل الحوار السياسي والدبلوماسي بين البلدين.

• يبقي ملف عضوية السويد في حلف الناتو من الملفات المثيرة للجدل برأيك كيف ستحسم هذه القضية؟

حصول السويد علي عضوية الناتو لن يكون قريبا ونحتاج لأفعال لا أقوال

السويد قامت بسن بعض القوانين فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب ولكن مازالنا نترقب تنفيذ هذه القوانين علي ارض الواقع لاسيما مع تمسك تركيا بضرورة إعادة المطلوبين كشرط أساسي أمام إزالة كافة العقبات من أمام حصول ستوكهولم علي عضوية الحلف لاسيما أن وفاء السويد بمتطلبات تركيا سيزيل العقبات ويكرس نوعا من التفهم التركي للحصول علي العضوية

ولكن هذا الأمر لن يكون سهلا أو قريبا في ظل مماطلتها في الاستجابة لمطالب تركيا بإعادة المطلوبين وهو ما يجعل خطواتها لا تتجاوز كونها ذرا للرماد في العيون ومن ثم لا أرجح انضمام السويد السريع للحلف في عدم موافقة تركيا.

ومن ثم قرار الحصول علي العضوية سيحتاج وسنري كيف ستقودنا التطورات خلال اجتماعات ١٢يونيه الحالي وقمة الناتو في يوليو المقبل لحسم هذا الملف.