د. عبد الحليم قابة

 

الناس أمام الأحداث والمشاريع وقضايا الأمة، بصفة عامة، أصناف:

1- صنف يصنع الحدث أو يشارك في صناعته، لمقاصد معيّنة، ثم يحسن توجيهه والمحافظة على مساره لتتَحقَّقَ مقاصدُه، ولا ينحرف عن مساره.

 

[وهذا هو المطلوب الأرقى، والمقصد الأسنى؛ إن كان الحدث مشروعا، والمقصد سليما، والمسلك صحيحا.

 

(وهو احتمال قائم في بعض ما حصل وما يحصل في العالم كله ).

 

وقد يكون كارثةً كبرى على الأمة ؛ إن كان الحدث غير مشروع أو كان المقصد غير سليم، أو كان المسلك غير صحيح.

 

(وهو احتمال قائم – أيضا – في كثير مما حصل ويحصل في العالم كله ) ]

 

2-وصنف لا يصنع الحدث، إنما صنعه غيرُه (وليّ أو عدوّ، بقصد أو دون قصد)، لكنه أحسن استغلاله لتحقيق المقاصد النبيلة، ولإبعاد أو التخفيف من الأضرار الناجمة عنه (إن كان فيه أضرار) [فهذا أدى ما عليه وبرَّأ ذمته عند الله إن شاء الله]

 

3- وصنف ثالث لا يصنع الحدث-أيضا- إنما صنعه غيره (وليّ أو عدوّ، بقصد أو دون قصد) ولكنه أحسن استغلاله لتحقيق المقاصد الخبيثة، ولتمشِيَة مشاريع المجرمين، وما يريده أعداء الإسلام والمسلمين. [فهذا أرضى الناس بسخط الله، فليُبَشَّر بغضب الله وسخط الناس (كما علّمنا سيِّدُ الناس)، وبلعنات الأجيال (كما علمنا التاريخ)]

 

4- وصنف عاجز عن الفعل الحضاري اللازم، لكن قلبه مع الأمة والمستضعفين، ولا يريد شرا لأحد، وإنما يريد الخير للبلاد والعباد، [فهذا مطلوب منه الدعاء بالخير، والإسهام بما يستطيع من الخير، وتشجيع أهل الخير، وتثبيط أهل الشر، والمشاركة في مشاريع الخير، وتعطيل مشاريع الشر، جهد استطاعته،ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها]

 

5- وصنف مستعدّ لأن ينقاد إلى كل داع دون تحرٍّ ولا تثبت، يستجيب لأي دعوة بدافع الحماس أو ردَّات الفعل، [فهذا قد يكون من جنود الخير إذا انقاد لثقة حكيم يسوقه معه إلى الخير والعزة والهداية، مراعيا المصالح والمفاسد، ويقود الناس بعلم ووعي،  وقد يتحقق به وبانقياده خيرٌ كثير لهذه الأمة .

 

وقد يكون من جنود الباطل وهو لا يشعر، إذا انقاد لماكر خبيث، يقوده إلى الباطل وهو لا يدري، وقد يتحقق به شرٌّ مستطير على الأمة، والعياذ بالله .]

 

وسلامةُ هؤلاء  في التحري، والتثبت، ومشورة الثقات، واتباع المخلصين.

 

6- وصنف آخر غافل لا يبالي بشيء، ولا يهمّه إلا سلامة رأسه، ولا يهتم لأمر الأمة في أي شيء، [فهذا نخشى أن لا يسهم في خير أبدا، ولا يتحرك أصلا، فإذا ما وصل الخطر إلى بيته ورأسه، فحينها سيكون مستعدا لبيع الأوطان والأعراض بسهولة، من أجل متاع الدنيا الزائل، لأنه عبد من عبادها، والعياذ بالله، وتاريخ الجزائر وثورتُها المباركة خير شاهد على ما أقول]

 

وبناءً على هذا التصنيف ؛ وتحت راية النصوص وميزان المفاسد والمصالح؛ واستفادة من التجارب التي اكتوى بها كثيرون من إخواننا في هذا الزمان الصعب؛ أنصح من كان من أهل القرار، أو من أهل العلم والرأي، أن يتقوا الله في هذه الأمة، وأن يبادروا بقرارات سريعة، ومشاريع هادفة، وتصرفات راشدة، لاحتواء ما يحدث برشد الراشدين، وتوجيهه نحو تحقيق مقاصد العاقلين، وتلبية ما أمكن من طلبات المواطنين، وخاصة الخلاص من الفساد والمفسدين – حقّاً وصدقاً-  وبناء الالبلد من جديد على مبادئ دينها، وثوابتها المعروفة، وأن يبحثوا عن حل معقول لكل المعضلات في القريب العاجل، دون مخادعة ولا مواربة. فإن صدقوا في نياتهم فإن الله سيكون معهم.

 

وأنصحهم أيضا أن ينتبهوا لما ظهرت بوادره من استغلال بعض الجهات لهذه الظروف الجديدة، والتجاوب الكبير معه، لتحقيق مقاصد أعدائنا، وذلك بتحركات أناس مشبوهين يريدون بيعنا لفرنسا من جديد، ويريدون تمزيقنا إربا إربا، لتسهل السيطرة علينا من جديد،  وتنفُذ إرادة غيرنا فينا بأيدينا، ويفوتوا علينا فرصة الإصلاح المنشود، و يعيدون لنا أيام الصراع والنزاع. والعياذ بالله.

 

وأنصحهم أيضا أن  يبادروا إلى فتح المجال للكفاءات المخلصة لأن تقود البلاد إلى بر الأمان، وميادين العز، ومجالات التحضر، وهذا هو الحل الأمثل لجميع مشاكلنا بإذن الله.

 

كما أنصح أبناء وطني العزيز أن يجعلوا مصلحة الأمة قبل كل شيء، وأن لا يتسببوا في زعزعة الأمن، مهما كان الأمر؛ دون ذلة ولا خنوع ولا جبن،  لأن الأمن إذا زُعزع ضاع معه كل شيء، ولن تتحقق مع ضياعه مقاصدُ أحد، إلا مقاصد من يريد بنا شرّاً، وسيتشرد الشعب في البلدان كما حصل لإخواننا في بلدان كثيرة، والتاريخ القريب خير شاهد، فاعتبروا ياأولي الألباب.

 

وأنصح من اطلع على هذا التصنيف أن لا يرضى لنفسه أن يكون خارج الأصناف الثلاثة :

 

(الصنف الثاني، والرابع، والقسم الأول من الخامس)، وأعيذه بالله أن يكون من ( القسم الثاني من الخامس، أو من الصنف السادس)

 

أما الصنف الأول في قسمه الأول: فلعله ما قصده رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بقوله:  «الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة» وهو شأن المجدِّدين وكبار المصلحين .

 

وأما في قسمه الثاني فلعلهم الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها..»

 

وذكر الله عاقبتهم في الآخرة في القرآن الكريم : {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا َقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا  رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ  وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}

 

وأرجو أن نكون جميعا ممن ألهمهم الله رشدهم، فأحسنوا التدبير لأنفسهم وأمتهم، وممن ساهموا ويسهمون في جمع الشمل على ما يرضي الله ورسوله، لا على ما يرضي فرنسا وذيولها، وأن ينفعنا في الدارين.

 

والله يقول الحق وهو  يهدي السبيل.

د. عبد الحليم قابة

من د. عبد الحليم قابة

كاتب وباحث جزائري. أستاذ بجامعة الجزائر سابقا وبجامعة أم القرى حاليا