في كتاب بعنوان «عن الحقيقة في المسيحية»، الصادر عام 1866، كتب شارل رويل «Ch. Ruelle»، أحد أساتذة التاريخ في فرنسا قائلا: «لا يمكن استبعاد أو محو عملية قيام يسوع من الأناجيل دون أن ينهدم كل شيء في المسيحية»..
وحينما أعرب عن هذه الحقيقة لم يكن أول من قالها وإنما كان قد سبقه العديد من علماء عصر التنوير الذين اعتمدوا هم أيضا على التقدم العلمي واللغوي لإعادة النظر في مصداقية النصوص الإنجيلية.
ومن المعروف أن بولس هو أول من ركّز كرازته على قيام يسوع من الموت دون الاهتمام بأهم أحداث حياته، وهو ما يؤكده في الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس (12:15-17).
ويوضح ميشيل كينيل «M. Quenelle» في كتابه عن «تاريخ الأناجيل»
قائلا: «لولا قيامة يسوع لما كانت هناك أناجيل ولا كنيسة، إذ أن عيد الفصح هو الحدث الذي تحولت به حياة يسوع، التي إنتهت بالفشل، إلى طريق لللآمال»..
وفى واقع الأمر أن قيام يسوع بعد موته ودفنه كما يزعمون، يمثل أكثر من مجرد منحنى في الأحداث:
أنه الدعامة الأساسية التي تقوم عليها المسيحية الحالية، وإنهيار هذه الدعامة يؤدى قطعا إلى انهيار المسيحية برمتها! لذلك تتمسك المؤسسة الكنسية بترسيخ تلك العقيدة المختلقة بشتى والوسائل والإمكانيات..
وفكرة قيام الآلهة من الموت بمثابة قاسم مشترك أعظم بين كل الآلهة الهللينية القديمة، فكلهم يموتون وبعد ثلاثة أيام يقومون ويتم الاحتفال بقيامهم دون محاولة معرفة المزيد من التفاصيل..
وإذا كانت قصة أوزيريس، الإله المصري القديم، قائمة على فكرة البعث أو القيام بعد الموت، فهي متكررة أيضا لدى الإله أدونيس والإله أتيس والإله ميثرا.
فكلٌ منهم يموت ثلاثة أيام، ينزل خلالها إلى الجحيم، ثم يُبعث أو يقوم..
ومن المسلّم به أنه ما من أحد قد شاهد أو حضر عملية قيام هذه الآلهة، ولا حتى قيام يسوع، باستثناء بعض تفاصيل متعلقة بتكفينه.
فما من أحد قد شاهد خروجه من القبر، وكل ما هو وارد بالأناجيل أن أحد الملائكة (وفقا لمتّى 8: 2) أو ملاكان (وفقا ليوحنا 20 : 12) قد عاوناه على إزاحة الحجر من على باب المقبرة.
«الخطاب الحق»
الأمر الذي أثار سخرية سلسيوس فى القرن الثاني الميلادي قائلا في كتابه المعنون:
«الخطاب الحق»: «هل ابن الله لم يكن لديه القوة ليفتح مقبرته بنفسه وكان بحاجة إلى أن يأتي أحد ويدحرج له الحجر ؟!».
ورغم كل ما تقدمه الأناجيل حول هذه العقيدة فإن قيام يسوع مبنى على اكتشاف المقبرة خاوية!.
ولا يمكن لهذا المعطى أن يكون كافيا كدليل تاريخي على قصة البعث أو قيام يسوع، فما من أحد قد شاهده وهو يخرج من القبر.
ونترك الكلمة لعالم اللاهوت الفرنسي شارل جينيوبير «Ch. Ruelle» قائلا: «إن التناقضات الواردة في نصوصنا الإنجيلية فيما يتعلق بقصة قيام يسوع تناقضات عديدة ولا تُحتمل.
فمن الواضح، من الوهلة الأولى، فيما يتعلق بالتأكيد العام، إن المقبرة التى وُضع فيها يسوع مساء يوم وفاته قد وُجدت خاوية صبيحة اليوم التالي!
وبدأت المعطيات تنسج تدريجياً بغية تحقيق تلك المقولة..
ولشدة التناقض والاختلاف بين هذه التفاصيل فإن جميعها مشكوك فيها» (وارد في كتابه عن «يسوع» صفحة 608).
ولكي يدرك القارئ مدى التناقض في سرد أحداث قيامة يسوع نورد تلخيصا شديدا لكل منها كما هي واردة في الأناجيل:
1 – وقائع ظهور المسيح في إنجيل متّى:
يظهر يسوع مرتين بعد بعثه: لسيدتين بجوار القبر قرب القدس في نفس يوم البعث؛ والثانية ظهوره لأول وآخر مرة للحواريين وهم مجتمعون في الجليل، دون تحديد لمكان ولا يذكر اسم أي حواري..
2 – وقائع ظهور المسيح في إنجيل مرقس:
يظهر يسوع ثلاث مرات: لسيدة بمفردها؛ ولإثنين من الحواريين؛ وللأحد عشر مجتمعين حول المائدة دون تحديد زمان أو مكان..
وظهوره لمريم المجدلية لا يتضمن أية إشارة إلى زمان أو مكان، ونفس الشيء بالنسبة للحواريَيْن.
ولا يقال في أي مكان أو بلد تم رفع يسوع: هل على جبل في الجليل كما يبدو في متّى،
أو في القدس، أو بالقرب منها كما سيرد في إنجيل لوقا وفى أعمال الرسل التي يقال إنها لنفس الكاتب..
3 – وقائع ظهور المسيح في إنجيل لوقا :
ترد هنا ثلاث وقائع لظهور يسوع ويبدو أنها وقعت في نفس اليوم:
ظهوره يوم بعثه للتلميذين على طريق عمواس وامتد لبعد الظهر واختفى يسوع بعده فجأة حين تعرفا عليه؛
وظهوره لسمعان بطرس دون تحديد مكان أو زمان؛ وظهوره للحواريين مجتمعين في القدس يوم البعث مساءً. وامتد ظهوره للحواريين إلى اللحظة التي «رفع فيها إلي السماء»..
ولا يذكر لوقا ظهوره لأي سيدة، ولا لتلقى الحواريين الأمر بالذهاب إلى الجليل، ولا أنهم قد ذهبوا..
4 – وقائع ظهور المسيح في إنجيل يوحنا:
يورد إنجيل يوحنا أن يسوع قد ظهر أربع مرات:
مرة واحدة لمريم المجدلية عند القبر يوم البعث وليس عند زيارتها الأولى للمقبرة؛
وثلاث مرات للحواريين:
مرة يوم البعث مساءً وصبيحة يوم السبت والحواريون مجتمعين في القدس في مكان أبوابه مغلقة وتوما غائب؛
والثانية بعد ذلك بثلاثة أيام، أي بعد بعثه بثمانية أيام وصبيحة يوم السبت والحواريون مجتمعين في نفس المكان ومعهم توما،
ولا أحد يعرف كيف دخل يسوع إلى الغرفة وبابها مغلق بإحكام وفقا لتحديد النص،
إلا إن كان دخل على انه روح فرضا وتسلل عبر الحائط، لكن الروح لا تأكل مثلما أكل يسوع مع حوارييه!؛
والثالثة في الجليل بلا تحديد زمان، على شاطئ بحيرة طبرية، ويقال تحديدا إن هذا هو الظهور الثالث بالنسبة للحواريين منذ البعث..
5 – وقائع ظهور يسوع في أعمال الرسل :
بغض الطرف عن كل ما بأعمال الرسل من تناقضات مع ما ورد بالأناجيل المتناقضة أصلا فيما بينها حول قيام يسوع،
فإن أهمها أنها لا توضح في أي وقت ارتفع يسوع أمام حوارييه،
كما لا تذكر وجود أي شاهد يكون قد رأى يسوع وحوارييه أو سمع كلامه، و أنها تؤكد أنه حيّ، دون أن تذكر أي طور له إلى امرأة ما،
وخاصة التأكيد على أنه قد ظل على الأرض بعد بعثه لمدة أربعين يوما! وهو ما لا يرد في أي إنجيل من الأناجيل،
فمن أين لأعمال الرسل بفترة تلك الأربعين يوما وظهوره لخمسمائة شخص إلا إن كانت عمليات مزايدة متتالية من أجل ترسيخ هذه العقيدة المختلقة؟!.
وأهم ما نخرج به من ملاحظات، أنه لا يوجد أي وصف في الأناجيل لعملية البعث أو قيامة يسوع،
وأنه لم يشاهدها أي مخلوق، وأن الدليل الوحيد عليها هو «وجود القبر خاليا» بناءً على نصوص مشكوك في مصداقيتها بل ولا يوجد حولها أي إجماع بين الأناجيل..
فإذا نظرنا إلى عملية البعث هذه بصورة موضوعية لرأينا أن ما تقدمه النصوص يقول إجمالا:
أن يسوع قد مات ودُفن يوم الجمعة مساءً وأنه قد بُعث فجر السبت أو الأحد – أى أنه لم يبق فى القبر ثلاثة أيام كما يصرون؛
وأنه ظهر لحوارييه عدة مرات ثم صعد إلى أبيه حيث يجلس عن يمينه..
إلا أن تأمل الوثائق عن قرب يكشف عن كمّ لا حصر له من الطبقات المتراكمة بتناقضاتها،
إضافة إلى ما يلي:
• يقوم مرقس بوصف عملية دفن يسوع متناسيا أنه يوم الاستعداد لعيد الفصح الذي يفرض الراحة الإجبارية ويحرّم القيام بأي شيء طوال يوم السبت تحريما قاطعاً..
•ثابت من الأناجيل أن اليهود هم الذين قتلوا يسوع وهم الذين أنزلوه من على الصليب وهم الذين وضعوه في القبر.
وأن الذي دفنه شخص ظهر فجأة واختفى فجأة من على مسرح الأحداث! أنه يوسف من الرامة، المقرّب إلى بيلاطس وواحد من أعضاء المحكمة العليا التي أدانت يسوع بكامل هيئتها.. فكيف يقوم هذا اليوسف بإتهام يسوع وإقرار الحكم عليه ثم يسعى لتسلم جثته لدفنها؟!
•وأن يوسف من الرامة وزميله نيقوديمس، وكان رئيسا لليهود، حضر ومعه نحو مائة منّا من العطور،
والمنّا تساوى نصف كيلوجراما تقريبا، أي أنهما قد أحضرا حوالي خمسون كيلوجراما من العطور لتطييب جسد يسوع!
وهو ما يكفي لتطييب ما يزيد عن جسد فيل من الأفيال الضخمة بكثير!
بل كيف أمكنهما حمل كل هذه الكمية وحمل الأكفان إضافة إلى حمل جسد يسوع في نفس الوقت والسير بها خلسة في ظلام الليل؟!.
•بغض الطرف عن التناقض الوارد في وصف القبر، فالبعض يقول «حفرة» بدليل أن بطرس انحنى ليراه،
وآخر يقول منحوت في الجبل، بدليل أن البعض دخل ورأى.. أما يوحنا فيقول انه صُلب في بستان والبستان به قبر جديد لم يوضع فيه أحد قط..
بينما يقول مرقس انه وُضع في قبر كان منحوتا في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر..
وما هو ثابت تاريخيا أن كل فترة المسيحية الأولى لم تعرف ليسوع قبراً حتى القرن الميلادي الرابع،
حينما تنبهوا لغياب أية آثار تدل على وجوده، فقامت والدة الإمبراطور قسطنطين ببناء ما هو معروف حاليا باسم «الآثار التاريخية ليسوع»!!.
من المحرج قراءة آية من قبيل:
«فأخذوا الفضة وفعلوا كما علّموهم. فشاع هذا القول عند اليهود إلى يومنا هذا» (متّى 28: 15)،
فهي عبارة تؤكد أن من كتبها ليس يهودي على الإطلاق، وليس من الحواريين، وإلا لما قال «عند اليهود» فكلهم كانوا يهود..
وهى من الأدلة اللغوية التي تثبت أن هذه الأناجيل ليست بأقلام الحواريين كما يدّعون فهناك المئات من مثل هذه الهفوات اللغوية.
•من اللافت للنظر أن ظهور يسوع بعد بعثه المزعوم يتفاوت من عدة ساعات، وفقا للوقا، إلى أربعين يوما وفقا لأعمال الرسل..
فهل يمكن الاعتماد على مثل هذا الخلط والتفاوت في أي تقييم حقيقي أمين للأحداث؟!.
•من الصعب فعلا حصر كمّ المتناقضات في رواية بعث يسوع هذه، ونذكر منها على سبيل المثال: تناقض بين الأماكن التي ظهر بها، وحول عدد مرات ظهوره، وفيما قاله أو فعله خلال فترات ظهوره،
وكذلك في المكان والتاريخ المتعلق بصعوده، وبين ظهوره لشخص أو لإثني عشر أو لخمسمائة.. إضافة إلى انه حدث لم يشهده أي مخلوق.
•كما أن عمليات التردد والخوف والشك التي اعترت الأتباع توضح أنهم لم يتقبلوا فكرة البعث ولم يستوعبوها على الرغم من أن الأناجيل تقول أن يسوع كان قد أعلن لهم عن خبر ظهوره بعد الموت!.
وهو ما يضع علامات استفهام حول حقيقة موقف الحواريين وحول مدى إيمانهم بكلام يسوع، وحول مصداقية يسوع في نظرهم!.
لذلك لا يمكن الاعتماد على مثل هذه النصوص من الناحية التاريخية،
فمن الواضح أن «قصة هذه القيامة قد تم اختلاقها وصياغتها لتأكيد الوجود الكنسي وتدعيم سلطانه» على حد قول شارل جينيوبير الذي يؤكد:
«أن دراسة أقدم النصوص المتعلقة بظهور يسوع تنفى اكتشاف المقبرة الخالية من التراث القديم ومن التاريخ، وتؤكد أن الإيمان ببعث يسوع يعتمد على ظهوره الذي لا دليل عليه»..
عملية بعث يسوع لا تزال تمثل لغزاً
بينما يقول جيزا فيرمس (Geza Vermes)، أحد كبار المؤرخين الحاليين،
«إن عملية بعث يسوع كما توردها الأناجيل لا تزال تمثل لغزاً محبطا لأية محاولة لفهم الأحداث بصورة منطقية.
والروايات الإنجيلية تحاول فرض مصداقية الحدث الوارد بمثل هذه الحجج الجوفاء التي تناقلتها نسوة مذعورات.
والأغرب من هذا وذاك تشكك الحواريين أنفسهم في عملية البعث، بينما يحاول يوحنا الإصرار على شهادة الجند بوفاة يسوع،
وذلك لإخماد تعليق كان سائدا منذ ذاك الوقت ويشرئب بانتظام حتى وقتنا هذا،
أن يسوع لم يمت فعلا على الصليب وإنما كان حياً وعاش بعد ذلك طويلا.. واختصاراً،
من المحال العثور على الخطوات أو المراحل الحقيقية لهذا المعتقد الديني الذي تدرج من اليأس المطلق والرفض الواضح المشوب بالشك إلى عملية تأكيد مطلق لبعث يسوع».
(«البحث عن هوية يسوع» صفحة 176).
ومن أهم الأدلة التي تنفى استحالة حدوث البعث بعد موت امتد ثلاثة أيام، ما يقوله جي فو «Guy Fau»:
«إذا أمكن الإيمان بقيام الأجساد وبعثها جسمانياً ، فإن بعث المخ سوف يمثل أكبر مشكلة:
فالإنسان بلا عقل وبلا ذاكرة وبلا فكر يفتقد كل ما يمكنه أن يجذبنا إليه،
إذ أن بعث خلايا المخ مستحيل تماماً لأن تلك الخلايا هي الخلايا الوحيدة التي لا تتجدد أثناء حياة الإنسان الأرضية، وتلفها يعد نهائياً .
ولا يوجد أي طبيب يمكنه أن يعتقد في بعث العقل، وإذا ما أكد ذلك فهو واقع تحت وهْم مؤكد»..
(«المسيحية بلا يسوع» صفحة 151).
أما ميشيل كوكيه «Michel Coquet»
فيؤكد: «أن المؤسسة الكنسية قد اخترعت قصة البعث والصعود، فلم يرد ذكرها إلا في مطلع القرن الخامس عندما قام كل من يوحنا كريزوستوم أو فم الذهب وأغسطين مدّعين أن لها أصل رسولي»!..
(«كشف أسطورة يسوع» صفحة 358).
ورغم كل هذه الحقائق العلمية التي تفنّد حقيقة تلك القيامة، وهي جد نماذج قليلة على سبيل المثال لا الحصر،
من الغريب أن يُعلن بنديكت 16 يوم الأحد 12-4-2009 في خطابه الرسمي لعيد الفصح هذا قائلا بإصرار لتأكيد بدعة لم يشهدها أي مخلوق:
«إن البعث ليس نظرية وإنما حقيقة تاريخية كشفها يسوع المسيح (…) انه ليس أسطورة، ولا حلماً، ولا رؤية، ولا يوتوبيا، ولا خرافة،
وإنما هو حدث متفرد ونهائي: يسوع الناصرة بن مريم الذي اُنزل من على الصليب مساء الجمعة ودُفن، قد خرج منتصرا من القبر»!.
أ.د. زينب عبد العزيز
13 ابريل 2009
- د. زينب عبد العزيز تكتب: أكذوبة زيارة العائلة المقدسة إلى مصر! - يناير 16, 2023
- د. زينب عبد العزيز تكتب: قيامة يسوع أو بعثه - يناير 7, 2023
- د. زينب عبد العزيز تكتب: كنائس للبيع.. فرنسا تتّبع المثال الكندي - أغسطس 17, 2022