لو أن أبا الأسود الدؤلي الذي وضع النقط على الحروف في اللغة العربية واستقامت معانيها استيقظ من نومته الغابرة لفضل أن يذهب وحيدا كمدا على حالها في الواتس آب والفيس بوك والتويتر، فقد تآكلت حروفها، وضاعت معانيها، ودخلت الأرقام مكان الحروف والحروف مكان النقط وأصبحت في التحدث لا تغادر إلا الشفتين فتمايعت وميعت من يتحدث بها فلا فرق بين الذكر والأنثى إلا في الميراث.
وقد انعكس ذلك على الشكل. فتهدلت ملابس الشباب، تهدلت حروفهم ووقعت من أسنانهم فإذا قالوا صباح الخير كتبوها صبحالخير أو هكذا saba7 el 5eir أنت عامل إيه 3aml eh حيث استعمرت الأرقام مكان الحروف بدون احم ولا دستور على سبيل المثال ع=3 ، غ= 4 ، خ=5 إلى أن تنتهي الحروف وتبتلعها الأرقام دون شفقة ورحمة.
إن توقعات علماء اللغة تفيد بأن هناك ستة آلاف لغة سيموت معظمها بعد مئة عام من الآن أي بحلول 2118 ولن يتبقى منها إلا ستمائة فقط، فاللغة ليست مجرد مجموعة من الكلمات والقواعد، وإنما هي جزء من الثقافة والتعلم وتعليمها للأطفال كما أنها مجموعة مشاعر يتعلم الصغير ويعبر عنها بالكلمات والمعاني، فلا يلجأ لرسم قلب يرسله عبر الواتس آب ولا وردة بل يتكلم.
فقد تعلم صغارنا لغة الصمت والنظر دون التعبير بفضل ما غاصت عيونهم في الموبايل وغيرها وتعلموا لغة الإشارة بدلا من التعبير، فلم يتقنوه، وقد وقع أبناؤنا في هوة ليس لها قرار ما بين المناهج الدراسية التي تطالبهم بالتعبير _ وهذا منهج صحيح _ وما بين القوالب الجاهزة التي يستخدمونها عبر التواصل الاجتماعي حتى أصبحت لهم لغة خاصة.
كما عزل الناس جميعهم بعضهم عن بعض فلا عناق ولا محبة ولا تعازي ولا مبارك إلا على الواتس آب مثلا. حتى الكلمات ماتت في حلق المبارك والمعزي ومقدم التهنئة، فتآكلت الحروف وسكنت ولم تفعل فشاهدنا أمراض اللغة عند الشباب من عدم التواصل مثل التلعثم والتأتأة وغيرها، والعجز العاطفي والتعبيري والانطواء والعزلة الجاهزة، الاكتئاب، والتحدث إلى عالم افتراضي غير مرئي.
كما أن الخطر كل الخطر على صغارنا، فقد لوحظ تأخر التحدث عندهم بسبب الألعاب التي تلهيهم عن استخدام اللغة، فاللعب المباشر مع بعضهم البعض يخلق الود والتراحم والتسامح مع الكلمات الدالة عليه ومن ثم ضاع الإبداع من بين أناملنا ونحن أهل اللغة العربية.
فقليل من اللغة المستعملة الرمزية يزيدك تفاعلا من الآخرين، ويعطيك مساحة لنمو اللغة داخل الرأس ويحرك المشاعر، والوجدان الذي سيموت تدريجيا بسبب هذه اللغة البديلة، التي اختلط بها الحابل بالنابل فلا تعرف أيهما يصيب الهدف.
——————
د. إبراهيم عبد العليم حنفي