“أنا الموج الكدِر، أنا القفل العسِر…، أنا النار، أنا العار…، لو كلمني الفيل لم يخرس، أو البحر لم ييبس، أو عضني الكلب لم يضرس، أو رآني النمرود لم يتقدس، أصدقائي أكثر من خوص البصرة، وخردل مصر، وعدس الشام، وحصى الجزيرة…، وحنطة الموصل…، وزيتون فلسطين”؛ هكذا قدّم أحد لصوص العرب نفسه في معرض إبراز قدراته، وفقا لما يرويه أبو سعد الآبي الرازي (ت 421هـ/1031م) في كتابه ‘نثر الدر في المحاضرات‘.
لحظة الميلاد
يرى الدكتور عبد العزيز الدوري (ت 1431هـ/2010م) أن ظهور فئة العيارين والشطار –أو اللصوص- ببغداد في أواخر القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي وأوائل القرن الثالث/التاسع الميلادي كانت وراءه فكرة كبرى، هي قضية العدل الاجتماعي التي بدأت تختمر في تلك الحقبة، وأن جذور حركة هؤلاء -وإن كان ظاهرهم أنهم عصابات تسطو على الأسواق وبيوت الأغنياء- تعود إلى رغبة الطبقة المنكوبة ماليا في أخذ ثأرها من المُثْرين.
ومن رأي الدوري -في كتابه ‘تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري‘- أنه خلال القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي ظلّ العيارون والشطار مصدرا لبلاء بغداد حيث قاموا بجمع الضرائب، لكن “مما يجلب الانتباه أن كثيرا من العلويين والعباسيين كانوا في صفوف العيارين”.
بدأ أول ظهور منظّم لجماعات العيارين واللصوص في لحظة حرب أهلية شديدة الخطورة وقعت بين الأخوين الخليفة الأمين (ت 198هـ/814م) وولي عهده المأمون (ت 218هـ/833م)، ودارت رحاها خمس سنوات في محيط عاصمة الخلافة العباسية بغداد.
وقد حاول المؤرخ الطبري (ت 310هـ/922م) أن يقدم إلماعات بسيطة عن تلك الفئة التي تدخلت في تلك اللحظة؛ فلاحظ أنها هي التي تولت قيادة المقاومة الشعبية ضد اجتياح جيش المأمون لبغداد، وانحازت في القتال إلى جانب الأمين، خصوصا بعد أن تخاذل عنه الكثير من قواده وجنوده “فذلوا وانكسروا وانقادوا، وذلت الأجناد وتواكلت عن القتال، إلا باعة الطريق.. وأهل السجون والأوباش والرعاع والطرارين وأهل السوق”. هذا في الوقت الذي انسحب من المعركة كثير من الطبقات والأعيان، وسعوا لتأمين مصالحهم عندما مالت كفة ميزان الصراع نحو المأمون.
وقد رصد الطبري والعديد من المؤرخين عدة وقائع لهذا الصراع الدامي، ولعل أشدها كانت تلك التي دارت رحاها في باحة ‘قصر صالح‘ ببغداد سنة 197هـ/813م، وكان سببها هروب قائد شرطة بغداد محمد بن عيسى (ت بعد 197هـ/813م) الذي طلب الأمان من طاهر بن الحسين الخزاعي (ت 207هـ/822م) قائد جيش المأمون، وكان بصحبة الفرق التي تقاتل مع صاحب الشرطة فيلق من “أهل السجون والأوباش”، وكانت لحظة عصيبة على الأمين أشرف فيها على النهاية؛ بحسب ما يقوله الطبري.
وهنا استبسل اللصوص أشد ما يكون الاستبسال خصوصا أن أم الأمين زُبيدة بنت جعفر العباسية (ت 216هـ/831م) كانت في موضع الخطر، و”أقبلت الغواة من العيارين وباعة الطرق والأجناد، فاقتتلوا داخل قصر صالح وخارجه إلى ارتفاع النهار”. والحقيقة أن هذه لم تكن مجرد موقعة عادية بل كانت هي الأشد والأخطر على جيش المأمون، إذ “لم تكن وقعة قبلها ولا بعدها أشد على طاهر وأصحابه منها، ولا أكثر قتيلا وجريحا.. من أصحاب طاهر من تلك الوقعة”.
تنظيمات محكمة
تمتع أعضاء جماعات العيارين ببنية قوية وأكسبتهم الحياة الصعبة والنوم في الخلاء صلابة، فكانوا يتحملون الألم الشديد ويتبارون في استعذاب الجلد بالسياط، وكانوا أصحاب مران عجيب على تحمل الألم، حتى قيل عن أحدهم “لو ادعى النبوة و[جعل] أن معجزته الصبر على الضرب بالسياط لأدخل.. به شبهة عظيمة” على الناس؛ وفقا لتعبير الراغب الأصفهاني (ت 502هـ/1108م) في كتابه ‘محاضرات الأدباء‘.
لقد كان يُضرب المثل بتحملهم حتى إن جلادي أحمد بن حنبل (ت 241هـ/855م) كانوا يقولون “لقد بطل أحمدُ بن حنبل الشُّطارَ”، أي فاقهم في الصبر على الضرب وذلك أيام محنته ليقول بخلق القرآن.
وكان إمام السنة أحمد يدعو لأبي الهيثم الطرار وكان أحد اللصوص الذين عُرف عنهم الصبر على سياط الشرطة، ولما سأله ولده عن سر دعائه لهذا اللص أجابه: “لما مددت للسياط إذا برجل يجذب ثوبي من خلفي وقال: يا ابن حنبل، أما تعرفني؟ قال: قلت: لا، قال: أنا اللص الطرار أبو الهيثم، ضُربت ثمانية عشر ألف سوط تحملتها من أجل الدنيا ومن أجل الشيطان، أفلا تصبر أنت لطاعة الرحمن؟”.
وكان لجماعات العيارين زعماء يتخذون لهم أسماء وكُنَى عجيبة؛ فقد أورد الطبري في أحداث سنة 251هـ/865م- أسماء لبعض قادتهم منهم “ينتويْه ويكنى أبا جعفر، [كما] يُدعى أحدهم دونل، والآخر دمحال، والآخر أبا نملة، والآخر أبا عصارة”. ويذكر بعضَها أبو حيان التوحيدي (ت بعد 400هـ/1010م) في ‘الإمتاع والمؤانسة‘؛ حيث قال إنه كان “من العيارين قواد، وأشهرهم: ابن كبرويه، وأبو الدود، وأبو الذباب، وأسود الزبد، وأبو الأرضة، وأبو النوابح”.
وبحسب وصف المؤرخ المسعودي (ت 346هـ/957م) -في كتابه ‘مروج الذهب‘- لطرائق حروب هؤلاء العيارين؛ فإنهم كانوا ينتظمون في جماعات تحت إمرة قادة ميدانيين لهم فكان “على كل عشرة منهم عريف، وعلى كل عشرة عرفاء نقيب، وعلى كل عشرة نقباء قائد، وعلى كل عشرة قواد أمير”. ويبدو أنهم كانت لهم الحرية في انتخاب قادتهم؛ إذ يسجل الطبري أنه في سنة 251هـ/865م “رأّس العيارون عليهم رجلا يُدعى ‘ينتويْه‘ ويكنى أبا جعفر…، لم يزل رئيسا على عياري الجانب الغربي [من بغداد]، حتى انقضى أمر هذه الفتنة”.
ووقعت هذه الفتنة -التي يقصدها الطبري هنا- في سنة 251هـ/865م حين اندلعت الحرب على عرش الخلافة بين المستعين بالله (ت 252هـ/866م) وابن أخيه المعتز بالله (ت 255هـ/869م)، وفيها ظهرت أيضا تشكيلات العيارين العسكرية بقوة لافتة؛ فعندما حوصر المستعين في بغداد -مثل حصار الأمين من قوات المأمون سنة 198هـ/814م- استنجد بالعيارين، وفرض لهم الأموال، وجعل عليهم رئيسا هو ‘ينتويه‘ اللص المتقدم ذكره.
حرب عصابات
وصف المسعودي –في‘مروج الذهب‘- أسلوب العيارين القتالي فقال إنهم “كانوا يقاتلون عراة في أوساطهم التبابين والميازر” (‘التبابين‘ جمع تُـبّان وهو السروال القصير جدا.. و‘الميازر‘ جمع مئزر وهو الإزار)، وقد وضعوا على رؤوسهم خُوذات من الخوص ودروعا “حُشيت بالرمل والحصى”.
وقد أبرزت الحروب الأهلية بين الخلفاء العباسيين المقدرة القتالية لتلك الفئة بحيث تبدو قريبة من نظام حروب العصابات المعروف اليوم، وهو نظام قتالي مرهق عادة لأي جيش نظامي.
وينقل لنا مؤرخون لحظة مواجهة بين هذين النمطين من التشكيلات القتالية؛ فقد قال الطبري إن قائدا خراسانيا من جيش المأمون كان يوصف بالبأس خرج إلى القتال “فنظر إلى قوم عُراة لا سلاح معهم”، وهو يقصد هنا فيلق اللصوص الذين كانوا يقاتلون وهم عراة، وكان ذلك من تقاليدهم المعروفة التي لا يزال بعضها يسري في بعض البلاد فيما يعرف بـ”البلاطجة”.
استحقر القائد الخرساني هؤلاء المقاتلين فردّ عليه جنوده قائلين إنهم “هم الآفة” في المعارك، وكان هذا الوصف نابعا من هول ما لاقوه من قتال هؤلاء العراة، فتعجب القائد لنكوص جنوده وهم “في السلاح الظاهر، والعدة والقوة…، والشجاعة والنجدة”.
وفي إحدى جولات القتال بين الفريقين؛ تقدم فارس نظامي محترف إلى أحد اللصوص وأخذ يقذفه بالسهام، واللص يقفز ويستتر بشكل بهلواني، بل إنه كان يجمع السهام التي تطلق عليه، وظل الحال هكذا حتى نفدت سهام المحارب وهمّ أن يضربه بسيفه، فما كان من اللص إلا أن أخرج من “مخلاته حجرا فجعله في مقلاع ورماه فما أخطأ به عينه، ثم ثنّاه بآخر فكاد يصرعه عن فرسه لولا تحاميه، وكَرّ [الفارس النظامي] راجعا وهو يقول: ليس هؤلاء بإنس”!!
ويروي لنا التوحيدي -في ‘الإمتاع والمؤانسة‘- صورة أكثر قربا لأحد العيارين كان يُدعَى “أسود الزبد”؛ فيقول إنه “من غريب ما جرى أن أسود الزبد كان عبدا يأوي إلى قنطرة الزبد، ويلتقط النوى ويستطعم من حضر ذلك المكان بلهو ولعب، وهو عريان لا يتوارى إلا بخرقة.. ولا يُبالَى به، ومضى على هذا دهر، فلما… وقعت الفتنة وفشا الهرج والمرج، ورأى هذا الأسود مَن هو أضعف منه قد أخذ السيف وأعمله، طلب سيفا وشحذه، ونهب وأغار وسلب، وظهر منه شيطان في مَسْكِ (= جلد) إنسان…، وحسُن جسمه…، والأيام تأتي بالغرائب والعجائب”!!
وقد وجد الشعراء تلك الأحداث فرصة مناسبة للتعريف بالقوى الاجتماعية الجديدة التي قامت على عصبية مختلفة عن العصبية القبلية التي كانت سائدة منذ عهود؛ إذ هم على حد قول أحد شعرائهم: “لا لقحطانها ولا لنزار”، بل هم محاربون جدد في “جواشن (= دروع) الصوف”، ولا يأبهون إلا لـ”طعنة الفتى العيّار (= اللص)”!!
أعداد ضخمة
والعجيب في أمرهم هو ضخامة عددهم طبقا لما رصده مؤرخون؛ فقد قال المسعودي إنه “ثارت العُراة في ذات يوم في نحو مئة ألف (ومرة قال 50 ألفا) بالرماح والقصب والطرادات من القراطيس على رؤوسها، ونفخوا في بوقات القصب وقرون البقر، ونهضوا مع غيرهم من المحمدية (= أتباع الأمين العباسي)، وزحفوا من مواضع كثيرة نحو المأمونية (= أتباع المأمون العباسي)…، وكانت [نتائج المعركة] للعُرَاة على المأمونية إلى الظهر…، ثم ثارت المأمونية على العُرَاة من أصحاب محمد فغرق منهم وقـُتل وأحرِق نحو عشرة آلاف”.
أحد الشعراء هزّه كثيرا مشهد جثث اللصوص والعيارين التي ملأت الطرقات وصفحات مياه النهر، وكانت تدوسهم خيول جيش المأمون والأمين على السواء؛ فقال متحسرا:
يا قتيلَ ‘العُرَاة‘ مُلْقًى على الشط ** تَـطَاهُ الخيولُ في الجانبـيْن
ما الذي كان في يديْك إذا ما ** اصْطـــــلحَ الناسُ أية الخَلّتيْنِ؟!
ويبدو أن هذه التقديرات العددية غير دقيقة إذا كانت تتعلق بلصوص عاديين، والظاهر أنه تقف خلف هؤلاء فكرة ما توجههم أو تمنحهم الطاقة لكل هذا الاستبسال واستعدادهم للتضحية، وأن ثمة ما يزيد تمرسهم العسكري وعنادهم القتالي؛ فهل هو السخط العام والتفاوت في الدخل المادي فقط؟
واللافت أنه في إحدى اللحظات الحرجة حينما أطبق الخناق على الأمين “دخل إليه الصعاليك من أصحابه”، وأشاروا عليه بأن يترك القصر مقدِّمين له ‘خطة خروج آمنٍ‘ مِن بغدد، وكاد أن يميل إلى رأيهم لولا أن طبقة أصحاب المصالح من ذوي المال أقنعوه بالتخلي عن الفكرة، خوفا من رد فعل جيش المأمون الذي هددهم بالعقاب في حال هرب الأمين؛ كما يقول المسعودي.
وهكذا تراجع الأمين عن الانسحاب من عاصمته، وانتصر أصحاب المال والتجارة والأعيان، وربما يجعلنا هذا نفكر كثيرا في سرّ استهداف اللصوص والعيارين لتلك الطبقة من المترفين؛ فمن يراجع انحيازات كل فئة في معركة الأخوين يفهم سبب ذلك. وقد توسع في شرح هذا الأمر الدكتور محمد رجب النجار (ت 1426هـ/2005م) في كتابه عن أخبار العيارين ‘الشطار والعيارون.. حكايات في التراث الشعبي‘.
لصوص مثقفون
هناك ملمح آخر مهم يكشف لنا جانبا آخر في حياة اللصوص والعيارين، حيث امتلك بعضهم مستوى عاليا من الثقافة والتكوين الأدبي بل إنهم ادّعوا امتلاكهم قسطا من “الفقه”؛ فقد نقل لنا المحدّث المؤرخ الخطيب البغدادي (ت 463هـ/1072م) -في كتابه ‘تاريخ بغداد‘- صورة عن “الثقافة الشرعية” لأحد هؤلاء اللصوص، كان قدمها في سياق نقاشه مع أحد ضحاياه مستعينا بـ”آراء فقهية” ينسبها إلى الإمام مالك بن أنس (ت 179هـ/795م).
فقد استوقف لصٌّ أحدَ أصحاب البساتين وأراد أن يسرقه ويأخذ ملابسه، فاستمهله صاحب البستان حتى يصل بيته ثم يرسل له ملابسه، وأقسم له على صدقه في ذلك؛ فردّ عليه اللص قائلا: “إنا روينا عن مالك أنه قال: لا تـَلزم الأيمانُ التي يُحلَف بها للصوص. قلت: فأحلف ألا أحتال في أيماني هذه؛ قال: هذه يمين مركّبة على أيمان اللصوص”!!
وتطور الحديث بينهما حتى مَنَحَ “اللصُّ الفقيهُ” صاحبَ البستان خلاصة تاريخية في لَبوس حكمة قال فيها: “تصفحتُ أمر اللصوص من عهد رسول الله ﷺ وإلى وقتنا هذا فلم أجد لصا أخذ بـ[دَيْنٍ] نسيئةً، وأكْرَهُ أن أبتَدع في الإسلام بدعة يكون عليّ وزْرُها ووزْرُ مَن عمل بها بعدي إلى يوم القيامة، اخلع ثيابك، قال: فخلعتها ودفعتها إليه فأخذها وانصرَف”!!
وكعادته في نظائرها؛ لم يفوّت الجاحظ (ت 255هـ/869م) فرصة الحديث عن هذه الفئة الخطيرة من شرائح المجتمع، فقد خالط العيارين واللصوص وسجّل طائفة من أخبارهم، ونقل عنهم بعض أفكارهم وطرقهم في السرقة والحِيَل التي يستخدمونها في ذلك.
ويبدو أنه كان “متعاطفا” مع بعض جماعاتهم؛ إذ أورد ياقوت الحموي (ت 626هـ/1229م) “كتاب ‘أخلاق الشطار‘” في قائمة مؤلفات الجاحظ، الأمر الذي جعل أبا منصور البغدادي (ت 429هـ/1039م) يقول –في ‘الفَرْق بين الفِرَق‘- عن الجاحظ إن أفكاره المضمنةَ “كتابَه في حِيَل اللصوص.. علّم بها الفسقةَ وجوهَ السرقةِ”.
بدا للحارثي التاجر أنه وجد الطريق إلى قلب هذا اللص الأديب فأنشده أبياتا يمدحه بها، فرد عليه اللص قائلا: “لست أعلم إن كان هذا من شعرك”! ثم قرر اللص أن يمتحن التاجر الشاعر فألقى إليه ببعض القوافي وطلب منه أن ينشئ له شعرا على نسقها، ففعل التاجر وصدّقه اللص ثم سأله: “أي شيء أخِذ منك لأرده عليك؟” فذكر له ما أخِذ منه فرده إليه مع متاع لبعض رفاقه في القافلة.
لم يضيّع الحارثي الفرصة وقرر أن يتعرف على حقيقة هذا اللص الأديب، وأن يفهم الظروف التي ألجأته إلى تلك المهنة؛ فأجابه اللص بأنه قرأ في كتاب الجاحظ عن اللصوص أن من أسباب ظهورهم في المجتمعات عدم إخراج التجار لزكاة أموالهم، و”هؤلاء التجار خانوا أماناتهم ومنعوا زكاة أموالهم، فصارت أموالهم مستهلَكة (= مستحَقة بالكامل) بها، واللصوص فقراء إليها، فإذا أخذوا أموالهم -وإن كرهوا أخذها- كان ذلك مباحا لهم، لأن عين المال مستهلكة بالزكاة”.
وهنا نلاحظ فكرة “التأول الفقهي” الذي وظّفه اللصوص لأخذ المال عنوة، تماشيا مع قول شاعرهم:
وأسرقُ مالَ اللهِ مِنْ كُلّ فاجرٍ ** وذي بِطْنة للطَّيبات أكُولِ
وحين حاول الحارثي مجادلة اللص ابن سيار بشأن ما إن كان هؤلاء التجار من مانعي الزكاة؟ رد عليه اللص: “أنا أحضر هؤلاء التجار الساعة، وأريك بالدليل الصحيح أن أموالهم لنا حلال. ثم قال لأصحابه: هاتوا التجار، فجاؤوا. فقال لأحدهم: منذ كم أنت تتّجر في هذا المال الذي قطعنا عليه؟ قال: منذ كذا وكذا سنة. قال: فكيف كنت تُخرج زكاتَه؟ فتلجلج، وتكلم بكلامِ مَن لا يعرف الزكاة على حقيقتها فضلا عن أن يخرجها.
ثم دعا آخر، فقال له: إذا كان معك ثلاثمئة درهم (فضة) وعشرة دنانير (ذهب)، وحالت عليك السنة؛ فكم تُخرج منها للزكاة؟ فما أحسن أن يجيب. ثم قال لآخر: إذا كان معك متاع للتجارة، ولك دَيْن على نفسيْن (= شخصين) أحدهما مليء (= غنيّ) والآخر معسر، ومعك دراهم، وقد حال الحول على الجميع؛ كيف تخرج زكاة ذلك؟ قال: فما فهم السؤال، فضلا عن أن يتعاطى الجواب. فصرفهم، ثم قال لي: بان لك صدق حكاية أبي عثمان الجاحظ؟ وأن هؤلاء التجار ما زكَّوْا قط؟”!!
معادلة غريبة
وقد نقل التَّنوخي الابن أيضا عن أبيه القاضي علي التنوخي قصة له مع أحد اللصوص قطع عليه مرة الطريق ثم تبين أنه كان تربّى وهو صبي في دار آل التنوخي؛ فلما استفسره عن سبب هذا التحول، قال له: “يا سيدي! نشأت فلم أتعلم غير معالجة السلاح، وجئت إلى بغداد أطلب الديوان (= الجيش) فما قبلني أحد، فانضاف إليّ هؤلاء الرجال وطلبت قطع الطريق؛ ولو كان السلطان أنصفني ونزّلني بحيث أستحق من الشجاعة وانتفع بخدمتي، ما كنت أفعل هذا بنفسي”!!
وضمن نزعة التبرير هذه؛ سادت في بعض الفترات معادلة اللص الفقير والسلطة الفاسدة، ولذلك جاء في كتاب ‘محاضرات الأدباء‘ للراغب الأصفهاني (ت 502هـ/1108م) أن “اللص أحسن حالا من الحاكم المرتشي والقاضي الذي يأكل أموال اليتامى”.
وقال عثمان الخياط –وهو أحد منظري تطبيع اللصوصية اجتماعيا- مخاطبا أتباعه من العيارين: “لم تزل الأمم يسبي بعضهم بعضا ويسمون ذلك غزواً وما يأخذونه غنيمة، وذلك من أطيب الكسب، وأنتم في أخذ مال الغدر والفَجَرة أغدرُ؛ فسَمُّوا أنفسَكم غزاةً كما سمّى الخوارجُ أنفسَهم شُراةً”!!
ورغم إعجاب العامة وبعض الكتاب بسلوك هؤلاء اللصوص؛ فإن الفقهاء رفضوا تماما أي مبرر أو دافع للسرقة، فقد اعتبر مثلا ابن الجوزي (ت 597هـ/1201م) -في كتابه ‘تلبيس إبليس‘- أن منطق اللصوص والعيارين “الأخلاقي” في استباحة السرقات فنٌّ من فنون تلبيس إبليس عليهم، وانتقد سلوك “العيارين في أخذ أموال الناس؛ فإنهم يسمَّون بالفتيان، ويقولون: الفتى لا يزني ولا يكذب، ويحفظ الحُرُم ولا يهتك ستر امرأة، ومع هذا لا يتحاشون من أخذ أموال الناس”.
ومنطق ابن الجوزي هنا مفهوم؛ فهو يرى أن “نبل الغاية” لا يمكن أن يكون مبررا للجوء إلى الفاسد من الوسائل مثل السرقة والسطو وقطع الطرق، ولكن سيظل هناك نقص في قراءة المشهد اجتماعيا –لا شرعيا وأخلاقيا- إذا أغفلنا الظروف التي دفعت هؤلاء الى اللصوصية. ثم إنه عند قراءة كلام الإمام ابن الجوزي هذا تجب التفرقة بين جماعات “الفتيان” المحسوبة على العيارين، وحركات الفتوة التي ظهرت في المجتمعات الإسلامية وكانت لها عموما أدوار إيجابية في حياتها.
قواعد الصنعة
كان عند بعض اللصوص والعيارين قوانين ومبادئ يتحاكمون إليها، وضع أسسَها بعضُ المنظّرين والموجّهين “الفكريين” لجماعات اللصوص والعيارين في تلك الفترة، كان من أبرزهم عثمان الخياط السالف الذكر، الذي وصفه الآبي الرازي -في ‘نثر الدر‘- بأنه كان “من كبار الفتيان والشطار”، ولقِّب “الخياط” لا لأن له علاقة بخياطة الملابس ونحوها، بل لأنه قام بنَقْبِ أحد البيوت وسرقتها، ثم بعد ذلك سدّ النَّقْب بمهارة فائقة فصار وكأنه قد خاطه!
ويحكي شيخ اللصوص هذا عن نفسه فيقول: “ما سرقت جارا قطُّ ولو كان عدوا، ولا سرقت كريما وأنا أعرفه، ولا خنت مَن خانني. ولا كافأت غدرا بغدر”. بل إنه يقدم نفسه مكافحا للمجرمين الذين لا تحكمهم مبادئ ولا مواثيق شرف: “ولقد قتلت بيدي أكثر من مئة خنّاق ومُبَنِّج؛ لأنهما لا يقتلان ولا يسلبان إلا عند وجوب الحرمة وعند… الثقة”. ويوصي أصحابه قائلا: “لا بد لصاحب هذه الصناعة (= اللصوصية) من جراءة وحركة وفطنة وطمع، وينبغي أن يخالط أهل الصلاح، ولا يتزيّا بغير زيّه”!
والعجيب أن هذا “الشيخ الوقور” كان يقدم الانضباط والاستقامة الخلقية في اللصوص كأحد أسباب نجاتهم، ومن ضمانات إتمام أعمالهم بنجاح؛ فكان يُرشد أصحابَه بقوله: “اضمنوا لي ثلاثا أضمن لكم السلامة: لا تسرقوا الجيران، واتـّـقوا الحُرُم، ولا تكونوا أكثر من شريك مُناصٍف، وإن كنتم أولى بما في أيديهم لكذبهم وغشهم وتركهم إخراج الزكاة وجحودهم الودائع”. وهنا نلمح كيف كانت سطوة القيم الأخلاقية على الحياة في الحضارة الإسلامية إلى حدّ أنها وظّفتها جماعة احترفت السرقة!!
كما يلاحَظ أن قيم المروءة والفروسية لم تغب أيضا عند شريحة من هؤلاء؛ فقد خرج أحد شيوخ اللصوص مع بعض أصحابه ليلة، وحين اقترح أحدهم عليه قائلا: “دعنا نقم على مفارق الطرق لنأخذ من بعض المارة نفقة يومنا”، وافق على ذلك مشترطا فقال: “على ألا تبطشوا بهم، فقالوا: وهل يفعل ذلك إلا الجبان”! فالهدف كان السرقة وأخذ “نفقة اليوم” دون إيذاء، وبينما هم كذلك إذ مرّ بهم شاب يبدو عليه الوقار “فلما قرب سلّم عليهم، فرد عليه بعضهم السلام، فقام إليه بعضهم، فقال رئيسهم: دعه فإنه سلّم ليَسْلَم، وأجابه بعضكم فصار له ذمة بذلك، قالوا: فنخلي سبيله”!
والحقيقة أنهم لم يكتفوا بتركه بعد أن بادرهم بالسلام، بل قرروا أن يحيطوه بالحماية حتى يبلغ مأمنه؛ فقال لهم زعيمهم: “أخاف عليه غيرَكم، ليذهب معه ثلاثة يوصلونه إلى منزله، ففعلوا”. ولكن الشاب الوقور هالته أخلاق هؤلاء اللصوص فقرر أن يكافئهم -بعد أن أبلغوه مأمنه- فدفع إليهم مكافأة مالية “فلما عادوا بالدراهم، قال رئيسهم: هذا أقبح من الأول، تأخذون مالا على قضاء الذِّمَام (= الأمان) والوفاء بالعهد! لا أبرح أو تردون إليه المال، فقالوا: قد افتـُضحنا بالصبح! فقال: لئن نفتضح بالصبح خير من تضييع الذمام”!!
ويندرج في “ميثاق شرف اللصوص” ما كتبه القاضي التنوخي عن زعيم إحدى جماعات اللصوص في بغداد يدعى “ابن حمدي اللص” (قـُتل سنة 332هـ/944م)؛ فقد قال إنه كان “إذا قطع [الطريق على المارة] لم يعرض لأرباب البضائع اليسيرة التي تكون دون الألف درهم، وإذا أخذ ممن حاله ضعيفة شيئا قاسمه عليه وترَك شَطْر (= نصف) ماله في يديه، وأنه لا يفتش امرأة ولا يسلبها”.
تشريع اللصوصية
وينقل التنوخي موقف ابن حمدي اللص هذا من مجمل الأوضاع الاجتماعية والسياسية، عبر رواية نقلها له أحد الذين قطع عليهم الطريق قرب بغداد، وكان هذا الرجل من الذكاء بمكان بحيث إنه تحدث إلى هذا “اللص النبيل” باللغة التي يفهمها وبلسان “القِيَم” التي يؤمن به، فحلف له أنه سوف يصير فقيرا بعد مصادرة ماله وسيكون أهلاً لأخذ الصدقات!
ولكن ابن حمدي –في جوابه للرجل- قدّم لنا قراءته لظاهرة الفساد الحكومي التي انتشرت في تلك الفترة في بغداد، معيدا لنا منطق اللصوص في تبرير سلوكهم بأنه رد فعل على فساد السلطة الذي ضيّق عليهم أسباب العمل المشروع؛ فـ”الله بيننا وبين هذا السلطان الذي أحوجنا إلى هذا! فإنه قد أسقط أرزاقنا وأحوجنا إلى هذا الفعل”. ثم إنه قارن بين موقفهم من السرقة وموقف السلطة قائلا: “لسنا فيما نفعله نرتكب أمرا أعظم مما يرتكبه السلطان” حين ينهب خيرات الشعب ويتركه فريسة للفقر والفاقة!!
وقد تحدث ابن حمدي عن ممارسات قيادات ومسؤولين معينين مثل أمير بغداد أبي جعفر ابن شيرزاد (ت بعد 334هـ/946م) والقائد أبي عبد الله البريدي (ت 333هـ/945م) في مدينتيْ واسط والبصرة، حيث كان كل منهم “يصادر الناس ويفقرهم”، و”يأخذون أصول الضِّياع والدور والعقار، ويتجاوزون ذلك إلى الحُرُم”. ثم قال: “فاحسبونا نحن (= اللصوص) مثل هؤلاء”!!
واستمر الرجل المسروق يجادل ابن حمدي ويذكّره بالوقوف أمام الله يوم الحساب، منبها إياه إلى أن “ظلم الظَّلَمَة لا يكون حجة، والقبيح لا يكون سُنَّة”، فما كان من اللص إلا أن رد عليه نصف ماله، فطلب منه أن يرسل معه من يؤمّنه في طريقه حتى لا يتعرض له أحد بالإيذاء، ففعل اللص.
وقد حاولت السلطة استمالة ابن حمدي اللص هذا بالدخول معه في مجاله؛ فيقول ابن مسكويه (ت 421هـ/1031م) –في كتابه ‘تجارب الأمم‘- إنه “خَلَعَ (= كرّمه) عليه ابنُ شيرزاد وأثبته برسم الجند”، كما “ضمّنه ابنُ شيرزاد اللصوصيةَ”، أي عهد إليه بإدارة وتنظيم العاملين فيها مقابل تقديم جزء من مدخولهم منها إلى هذا المسؤول الحكومي؛ حسبما يقول الذهبي (ت 748هـ/1348م) في ‘تاريخ الإسلام‘.
تحالف قاتل
ويوضح ابن الأثير (ت 630هـ/1233م) -في ‘الكامل‘- ما قام به ابن شيرزاد من تعاقد مع اللص ابن حمدي، وأنه اشترط عليه أن يقاسمه ما يجمعه من أموال بحيث “يوصله كل شهر خمسة عشر ألف دينار (= اليوم 2.5 مليون دولار أميركي تقريبا) مما يسرقه هو وأصحابه، وكان يستوفيها من ابن حمدي…، فعظم شره حينئذ، وهذا ما لم يسمع بمثله” من قبلُ!!
ويبدو أن هذا الفخ الذي نُصب لابن حمدي عجّل بنهايته؛ حيث ظفر به قائد شرطة بغداد أبو العباس الديلمي “فقتله…، فخفّ عن الناس بعضُ ما هم فيه”. ولعل هذا يذكرنا بـ”شروط السلامة” التي نصح بها ابن الخياط أتباعه من اللصوص، وأن تخلي العيارين كليا عن القيم والمبادئ الأخلاقية كفيل برسم نهاية تعيسة كالتي انتهى إليها ابن حمدي.
ويبدو أن السلطة واصلت محاولاتها السيطرة على تلك الجماعات من “اللصوص النبلاء”، حتى أصبح اللصوص والعيارون كما يقول ابن خلدون (ت 808هـ/1406م) “يتمسكون بالجاه من أهل الدول فلا يقدر بهروز (= مجاهد الدين بهروز الغياثي قائد شرطة بغداد المتوفى 540هـ/1145م) على منعهم”!
ويروي المؤرخ ابن الأثير أنه في سنة 538هـ/1143م “زاد أمر العيارين وكثروا لأمنهم من الطلب بسبب ابن الوزير وابن قاروت (ت 538هـ/1143م) أخي زوجة السلطان (مسعود السلجوقي ت 547هـ/1152م)، لأنهما كان لهما نصيب في الذي يأخذه العيارون” من أموال الناس!!
وحين حاول السلطان مسعود -وكان ذلك أيام الخليفة العباسي المقتفي (ت 555هـ/1160م)- أن يضع حدا لسلوك اللصوص الذي بات يهدد أمن البلاد، رغم جهود قوات الأمن ومؤسسة الاستخبارات؛ خاطبه قائد الشرطة الأمير إيلدكز (ت 540هـ/1145م) -كما يقول ابن الأثير- مُبْدِيًا عجْزَه عن مواجهتهم: “يا سلطان العالم! إذا كان عقيدُ العيارين ولدَ وزيرك وأخا امرأتك، فأي قدرة لي على المفسدين؟!”.
ربط المؤرخ ابن الأثير بين صعود قوى اللصوصية والعيارين والحروب الأهلية والصراعات على الحكم التي شهدتها عواصم مثل بغداد، ورأى أن تلك الظروف كانت المناخ المناسب لخروج تلك القوى وتمرّسها بالقتال والمناكفة، والخروج بها من النطاق الاجتماعي/الاقتصادي إلى المجال الاجتماعي/الطائفي؛ حيث يقول إنه في سنة 361هـ/972م “وقعت ببغداد فتنة عظيمة… وتحزب الناس، وظهر العيارون وأظهروا الفساد وأخذوا أموال الناس”.
أما ابن مسكويه؛ فقد حدثنا عن سياق مهم آخر يضاف إلى تحليل ابن الأثير، وهو أن ظهور اللصوص لا يحدث إلا في لحظة “انحدار بهاء الدولة”، وأنهم لا تعلو قوتهم إلا إذا “رُفعت الحشمة وجرى من الحرب بين أهل الدروب والمحالّ… ما أعيا فيه الخطب وتكرر الحريق والنهب، تارة على أيدي العيارين وتارة على أيدي الولاة”.
ثم إنه بدءا من القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، وتحديدا خلال العقود الأولى من الدولة البويهية؛ حدث تطور بالغ الخطورة في تاريخ تنظيمات العيارين، إذ أصبحت سلاحا يتم توظيفه في الفتن الطائفية بين الشيعة والسنة، ولم تعد مقتصرة على حروب أجنحة السلطة التقليدية المألوفة.
ويقدم التوحيدي صورة بليغة لتلك الفتن التي لمع فيها نجم العيارين؛ فيقول حين سئل عن رأيه في أغرب غرائب فتنة سنة 361هـ/972م: “كل ما كنا فيه كان غريبا بديعا عجيبا شنيعا، حصل لنا من العيارين قُوَّادٌ.. وشُنّت الغارة، واتصل النهب، وتوالى الحريق حتى لم يصل إلينا الماء من دجلة”.
وها هو ابن الأثير يصف لنا وقائع فتنة سنة 361هـ/972م التي حدثت في بغداد، واستخدم فيها سلاح العيارين “فنُهبت الأموال وقـُتل الرجال وأحرِقت الدور، وفي جملة ما احترق محلة الكرخ وكانت معدن التجار والشيعة. وجرى بسبب ذلك فتنة بين النقيب [العلوي] أبي أحمد الموسوي (ت 400هـ/1010م وهو والد الشريف الرضي ت 406هـ/1016م) والوزير أبي الفضل الشيرازي” (ت نحو 363هـ/974م) الذي “كان شديد التعصب للسنة”؛ حسب تعبير ابن كثير (ت 774هـ/1372م) في ‘البداية والنهاية‘.
ويسجل ابن كثير أنه وقعت في سنة 425هـ/1035م “الفتنة بين السنة والروافض حتى بين العيارين من الفريقين، ومَنَع ابنا الأصفهاني -وهما مقدَّما عياري أهل السُّنة- أهلَ الكرخ (= الشيعة) من ورود ماء دجلة فضاق عليهم الحال”.
ويقول الذهبي -في ‘تاريخ الإسلام‘- إنه حين تم تطويق الفتنة “رُوسِل [نقيب العلويين الشيعة] المرتضى (ت 436هـ/1045م) بإحضار العيارين إلى داره، وأن يقول لهم: من أراد منكم التوبة قـُبلت توبته، ومن أراد خدمة السلطان استُخدم مع صاحب المعونة (= مدير الشرطة)، ومن أراد الانصراف عن البلد كان آمنا على نفسه ثلاثة أيام؛ فعرض ذلك عليهم، فقالوا: نخرج، وتجدد الفساد والاستيفاء (= تغريم الناس)”!!
——————