لغتي هويتي

 

ما من أمّةٍ على وجه الأرض إلاّ وتسعى إلى نشر لغتها خارج حدودها، بل إنّ بعض الدول مستعدّة لإنفاق أموال طائلة في سبيل استقطاب الناس لتعلّم لغتها، لما لذلك من فوائد لا تحصى، ثقافية وسياسية وإعلامية وتعليمية واقتصادية وغيرها.

وربّما غاب عن بال كثير من الدول العربيّة وجامعاتها وسياساتها التعليمية ما لتعليم العربيّة للأجانب من فوائد اقتصادية بالغة القيمة، فمعرفة الأجنبيّ للّغة العربيّة تسهّل عليه شدّ الرحال إلى الدول العربيّة وزيارتها أو الإقامة وعمل استثمارات فيها، ممّا يزيد من المردود السياحيّ والناتج الاقتصادي لهذه الدول، فالذي لا يعرف لغة بلدٍ من البلدان فإنه يتردّد كثيراً في زيارتها أو جعلها خياراً من خياراته لعمل سياحة فيها، أو استثمار أمواله فيها إن كان تاجراً أو مستثمراً، لأنّ خطأً واحداً في كلمة لا يعرف معناها في اتفاقية يعقدها مع تجار ذلك البلد قد تكون سبباً في تكبده خسائر فادحة، فالتجارة والسياحة كلاهما يحتاجان إلى لغة تواصل بين السائح والتاجر من جهة وبين أبناء البلد الذي يرغبان في السياحة أو الاستثمار فيه.

ومن هنا فإنّ إتاحة اللغة العربيّة لأبناء الدول غير العربيّة يسهم في تنشيط الحركتين السياحية والتجارية في البلدان العربيّة من خلال جذب الزوّار والتجار وسواهم إلى هذه البلدان.

لذلك فإنّ التخطيط الاقتصادي السليم يتطلب أن تسعى الدول العربيّة إلى تشجيع أبناء الدول المتقدّمة في المجال الاقتصادي على تعلّم اللغة العربيّة، ولمّا كانت الصين وتركيا وأمثالهما من الدول تملك خبرات تجارية وناجحة وتتطلع إلى توسيع نطاق تعاملاتها التجارية مع بلدان العالم فإنها تجد في معرفة أبنائها للّغة العربيّة مسوّغاً أساسيّاً لعقد اتفاقيات تجارية مع الدول العربيّة وتشجيع رعاياها على الاستثمار في هذه الدول والسياحة إليها.

إلاّ أن المتأمّل لحال تعليم العربيّة للأجانب في دولنا وجامعاتنا العربيّة يجد أنّ سياساتنا في هذا المجال سياسات طاردة تتمثل في مضاعفة الرسوم على الطلبة الأجانب وعدم توفير سكن مناسب لهم، فضلاً عن التغيير الدائم للتعليمات التي تربك الطلبة وتدفعهم إلى حثّ أبناء بلدانهم لعدم الالتحاق ببرامج تعليم العربية في جامعاتنا، بالإضافة إلى تعليمهم الفصحى والحديث معهم بالعاميّة أو العاميّات المختلفة.

وقد التقيت بعدد غير قليل من الطلبة الأتراك والصينيين والماليزيين الذين تعلّموا اللغة العربيّة في جامعات عربيّة، فوجدت أكثرهم يعمل في مجال التجارة بين بلدانهم والدول العربيّة أو في مجال السياحة، ممّا يجعل منهم عناصر فاعلة في تنشيط العلاقات السياحية والتجاريّة بين الدول العربيّة والبلدان التي ينتمي إليها هؤلاء الخرّيجون.

ولذلك فإنني أقترح توسيع نطاق الاهتمام بتعليم العربيّة للأجانب والعناية بمناهج تعليمها بحيث تكون هذه المناهج وسيلة من وسائل زيادة اهتمام هؤلاء الدارسين بالبلدان العربيّة، وبحيث تكون هذه المناهج أيضاً جاذبة لتعلّم العربيّة ومحبّتها. كما أقترح أن تقدّم الجامعات العربيّة إغراءات وامتيازات للطلبة الأجانب لدراسة اللغة العربيّة مثل تخفيض الرسوم وتوفير مساكن للطلبة وتخصيص منح للمتفوّقين، وتأهيل المدرّسين تأهيلاً نوعيّاً علميّاً وتربويّاً وتواصليّاً وغير ذلك.

وإذا كان التوسّع في تعليم العربيّة للأجانب على هذا النحو المقترح لا يأتي بمردودٍ ماليّ سريع للجامعات، إلاّ أنّه يأتي بمردودٍ اقتصادي تراكمي على المدى البعيد، ولذلك فإنّ على وزارات التعليم العالي وحكومات الدول العربيّة أن لا تتردّد في دعم الجامعات في برامج تعليم العربيّة للأجانب، لأنّ ثمار ذلك لا تعود على الجامعات فقط بل على الاقتصاد الوطني لكلّ بلدٍ من البلدان العربيّة.