المصحف

يقول ربنا: ﴿أَينَما تَكونوا يُدرِككُمُ المَوتُ وَلَو كُنتُم في بُروجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾[النساء: 78]
في الآية الكريمة سؤالات…


أولا: ما حكمة توظيف اسم الشرط (أينما) لا (أين)؟
ثانيا: ما حكمة توظيف الفعل (يدرككم) لا (يأتكم)؟
ثالثا: ما معنى (بروج) في الآية؟ ولم جاءت مسبوقة ب (في)؟
رابعا: ما علة استخدام (مُشَيَّدة) بالتضعيف بدلا من (مَشِيدَة) كما في آية أخرى؟
نجيب عن اثنين الآن
فسرت ذلك في كتابي (التفسير النحوي الدلالي لسورة النساء من خلال كتاب سيبويه…رؤية في تفسير النص) (بتصرف) …
وقلت:
أما الأول فهناك فرق بين (أين الشرطية وأينما)، فوجود (ما) في (أين) يزيدها إبهاما وتعميما كما يقول النحاة، وفرق بين تركيبين: سآتيك أين جاء الليل، وسآتيك أينما جاء الليل، الجملة الأولى: قطعية (أين جاء) في أنه سيأتي في نفس الليل الذي فيه الكلام، أما الثانية (أينما جاء) فهو قول احتمالي أي يمكن أن يأتيك في نفس ليل الكلام، ويمكن أن يأتيك في أي ليل قادم، وهذا مفهوم من الزمخشري في المفصل عندما يقول: (أين تجلس أجلس، ويتصل بها (ما) فتزيدها إبهاما)
وهذا مفيد في تفسير القرآن، فاستخدام(أينما) في الآية هنا أعم…كما يقول أستاذ عباس حسن …وهذا يفيد أن النفس مهما استترت وبالغت في الاستتار، فكل مكان وحيز لا يغيب عن علام الغيوب فكأن (ما) بألفها الممدودة مع أين أفادت شدة التعمية والإحاطة وقوة سيطرة الحق على الخلق … يؤكد هذا فعل الكينونة فعل الشرط (تكونوا) فالكينونة هنا عامة لا تخص زمانا أو مكانا؛ فإيحاؤها مترام مسترسل …


ويأتي السؤال الثاني عن علة توظيف الفعل (يدرككم)، لقد جاءت مادة الإدراك هنا لتصور لنا صورة مرئية على أن الإنسان يجاهد من أجل الهروب من الموت، والموت يلاحقه أينما ذهب…وتعبير أبي السعود: “وفي لفظ الإدراك إشعار بأنهم (جادون) في الهرب من الموت وهو مُجِدٌّ في طلبهم”، مع العلم أن سياق الآية جاء في حديث عن الجهاد ومحاولة تهرب المنافقين من رسول الله، فإذا كنتم …أيها المنافقون … تظنون أن الجهاد مظنة الموت …فاجتهدوا في الدعة وأنا (الموت) سأجتهد في إدراككم … ويتبقى سؤالان ..نفرد لهما منشورا قادما إن شاء الله …
والله من وراء القصد

د. أحمد درويش