اللغة العربية


تتفق أغلب المعاجم العربية القديمة على عَدِّ (الدِّلَالَةِ) بالكسر لُغَةً في (الدَّلَالَةِ) بالفتح دونما تفريق بينهما في المدلول، غيرَ أنَّها كذلك متفقة على أن (الدَّلَالَةَ) بالفتح هِيَ اللُّغَةُ الأَعْلَى والأَجْوَد.


ففي الصحاح: (قد دلَّهُ على الطريق يَدُلُّه دَلاَلةً ودِلاَلةً ودُلُولةً: قال: والفَتْحُ أعْلَى).
وفي تهذيب اللغة: (ابْن السكّيت عَن الفرّاء: دَليلٌ من الدِّلالة والدَّلالة بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح).
وفي مقاييس اللغة: (دَلَلْتُ فُلَانًا عَلَى الطَّرِيقِ. وَالدَّلِيلُ: الْأَمَارَةُ فِي الشَّيْءِ. وَهُوَ بَيِّنُ الدَّلَالَةِ وَالدِّلَالَةِ).


وفي مجمل اللغة: (دللتُ فلانًا على الطريق دَلالة ودِلالة).
وفي المحكم والمحيط الأعظم: (ودَلَّه على الشَّيءِ يَدُلُّه دَلًّا.. والاسْمُ: الدِّلاَلَةُ، والدَّلالةُ، والدُّلُولُةَ).


وثمةَ معاجِمُ ذكرتْ فارقًا في المدلول بينهما فجعلت الدَّلالة بالفتح مَصْدَرَ (دَلَّ)، وجعلت الدِّلالة بالكسر اسمًا لحِرْفَةِ الدِّلالة التي يحترفها الدَّلَّالُ، والدَّلال هو من يـحترف الوساطة بين البائع والمشتري، أو من يُعلِن عن الأثـمان في سوق الدلالة، ففي الجمهرة: قَال ابنُ دُرَيد: (الدِّلالَةُ: حِرْفَةُ الدَّلَّال، والدِّلالَةُ مِنَ الدَّليل، ودَلِيلٌ بَيِّنُ الدِّلالَةِ).

وفي معجم متن اللغة: (الدَّلالة والدِّلالة: اسم مصدر من دَلَّ؛ أو الفتح للمصدر، ج دلائل ودلالات. و “بالكسر”: صناعة الدَّلَّال، وما جعلته للدليل وللدلال).

وفي المعجم الوسيط: (الدَّلَالَة: الْإِرْشَاد وَمَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظ عِنْد إِطْلَاقه (ج) دَلَائِل ودلالات. الدِّلَالَة: الدَّلَالَة واسمٌ لعمل الدَّلال، وما جُعِلَ للدليل أَو الدَّلال من الْأُجْرَة).

وعرَّف معجم اللغة العربية المعاصرة الدَّلالة والدِّلالة بتعريف موحد: (مصدر دَلَّ، ما يُفْهم من اللَّفظ عند إطلاقه)، لكنه خَصَّ “الدَّلالة” بـ: الدَّلِيل، والشَّاهِد، والبُرْهَان، والإشارة، والعلامة. وخَصَّ “الدِّلالةَ” بـ: حِرْفَةُ الدَّلاّل، وأُجْرةُ الدَّلاَّل.

وليس ثمةَ ريبٌ في صِحَّةِ الضَّبْطَينِ بالفتح والكسر وهو ما دعا معجم الصواب اللغوي: إلى تقوية صحة الضبطين مستأنسًا بكثرة ما ورد عن العرب على وزن «فعالة» بفتح الفاء وكسرها مثل: ووكالة، وولاية، ووزارة،.. ورجَّحَ إمكانَ أن تعد الكلمة بالفتح مصدرًا، وبالكسر اسمًا للحرفة.

وهذا الذي سارت عليه المعاجم الحديثة تبعًا للجمهرة معتبر وجيه، إذ جعل لـ(الدَّلالة) فضيلتين يميزانها عن (الدِّلالة) أما الأولى: فلأنها أعلى اللغتين وأجودهما، وأما الأخرى: فاختصاصها بالمصدرية.

وعليه فالذي آنس له أن يُتَّبَعَ في تعريف الجذور المعجمية والوحدات اللغوية في المعاجم استخدام لفظ (الدَّلالَة) بالفتح؛ لأن (الدِّلالة) بالكسر أَعَمُّ حينئذٍ فهي تحتمل المصدرية والاسمية، وخروجًا من الاحتمال والخلاف يُستحسن اختيار الدَّلالة بالفتح للتعبير عما يُفْهم من اللَّفظ عند إطلاقه، فالتعريف بالخَاصِّ أدق من التعرف بالعامِّ في عُرف المنطق .. والله تعالى أعلم.

د. مصطفى شعبان