في أكتوبر الحالي يتم الإعلان عن الفائزين بجوائز نوبل، وفي خضم أزمة نقدية عصفت بمعهد نوبل في أوسلو، الذي يمنح جائزة السلام المرموقة، اضطر أمناء المكتبة لفترة ما للقيام بمهام أخرى كالاعتناء بالحدائق بعد خفض عدد العمال والموظفين.

وتمنح الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم جائزة نوبل في الكيمياء، وفي الفيزياء، في حين تمنح جمعية نوبل في معهد كارولينسكا جائزة نوبل في علم وظائف الأعضاء أو الطب، وتمنح الأكاديمية السويدية بالعاصمة ستوكهولم جائزة نوبل في الأدب، كما تمنح اللجنة النرويجية لجائزة نوبل جائزة للسلام بالعاصمة النرويجية أوسلو.

ومن أجل الحفاظ على أسرار ما يتم به اختيار الفائزين والإعلان عن أسمائهم وتسليمهم الجوائز كل عام، يلجأ معهد نوبل النرويجي الذي يواجه ضائقة مالية إلى برلمان بلاده، وذلك رغم خطر خرق السور الفاصل بين المؤسستين.

وقال مدير المعهد أولاف نيولستاد من مكتبه المليء بكتب عن أدولف هتلر والحرب الباردة “نحن في وضع نرى فيه دخولنا تتراجع منذ 20 عاما حتى مع استمرار ارتفاع تكاليفنا”.

معهد نوبل النرويجي

على مشارف حديقة القصر الملكي، كان المبنى الأصفر شاهدا على مرور نيلسون مانديلا وديزموند توتو والدالاي لاما وأونغ سان سو تشي وملالا يوسفزي وحتى باراك أوباما.

وفي هذا المكان، يجتمع منذ العام 1905 الأعضاء الخمسة في لجنة نوبل المعيّنون من قبل البرلمان وفقا لوصية ألفريد نوبل (1833-1896). ورغم تاريخه المرموق، قد تعلّق على المبنى قريبا لافتة “للبيع”.

ومنذ خفض النفقات عام 2013، بقيت الهبة السنوية، البالغة 5.3 ملايين كرونة سويدية (520 ألف يورو) التي تقدمها مؤسسة نوبل، دون تغيير.

ومؤسسة ألفريد نوبل التي تدير إرث المخترع، الذي تجاوزت قيمته 5 مليارات كرونة، تشرف على لجان نوبل المختلفة: لجنتا الأدب والعلوم في ستوكهولم، لجنة السلام في أوسلو، وتدفع لها ما يكفي لتغطية تكاليفها التشغيلية.

ورغم أن المبلغ بقي على ما هو عليه منذ 8 سنوات، ما زالت تكاليف معهد نوبل في أوسلو آخذة في الارتفاع: صيانة المباني والأمن والرواتب التقاعدية.

وحذّر نيولستاد من أنه “من دون دخل إضافي، سيستنفد التدفق النقدي لدينا في غضون عامين أو ثلاثة”.

كل ما كان يمكن تقليصه خضع لذلك. من 8 أعضاء في التسعينيات، خفض عدد الموظفين إلى 5 موظفين. وأنهي العقد مع منسق الحدائق مما دفع اثنين من أمناء المكتبة إلى وضع قفازات البستنة، حتى عرض أحد الجيران تولي صيانة المساحات الخضراء.

التمويل والاستقلالية

في مؤسسة نوبل في ستوكهولم، بدأت فكرة التخلي عن المبنى المرتفع التكاليف تقترب من أن تصبح أمرًا واقعًا.

وقال مديرها فيدار هيلغيسين لوكالة الصحافة الفرنسية “وجود عقار في عجز مستمر وبالتالي تآكل رأس مال (مؤسسة) نوبل، ليس طريقة جيدة لإدارة رأس المال”.

وبهدف تجنب حدوث هذه “الفكرة البغيضة” طلب نيولستاد من البرلمان تلبية حاجات المعهد من خلال منحه 8 ملايين كرونة نروجية (780 ألف يورو) سنويا.

من جانبه، أوضح الباحث دان سميث مدير المعهد الدولي لبحوث السلام في ستوكهولم “أعتقد أن هناك أخطارا، وسأكون حذرا جدا لو كنت مكان اللجنة أو الأشخاص الذين يديرون معهد نوبل”.

وأضاف “قد يؤدي الحصول على تمويل من البرلمان إلى بعض الضغوط من مجموعة سياسية أو أخرى مستقبلا”.

وعلّق نيولستاد على ذلك بأن الإعانة لن تستخدم إلا للتكاليف التشغيلية، ولن تعرض للخطر استقلالية لجنة نوبل التي تثير خياراتها أحيانا غضب السلطة القائمة في أوسلو.

وأوضح “تموّل الدولة مؤسسات أخرى في المجتمع بنسب تصل أحيانا إلى 100%، لكنّ أحدا لا يشكك في استقلاليتها” مستشهدا بالمحاكم والبحوث الجامعية.

والاستقلالية هي القيمة الأساسية للجنة التي عززتها مع الوقت: ولم يعد بإمكان الوزراء أن يكونوا أعضاء منذ العام 1936، والبرلمانيون منذ العام 1977 ونوابهم منذ العام 2017.

وفي البرلمان، لم يثر طلب معهد نوبل الحماسة. وقال رئيس البرلمان توني فيلهلمسن تروين “الملف يثير العديد من الأسئلة الأساسية والعملية ويستحق نقاشا سياسيا مفتوحا”.

وإذا كان سينظر في الملف على أنه “في الخريف” فستعود قضية الكاتب الصيني المعارض ليو شياوبو إلى الأذهان.

فقد مارست الصين ضغوطا شديدة على النرويج بعد منح جائزة نوبل للسلام عام 2010 إلى الكاتب المعارض ليو شياوبو الذي توفي بالاحتجاز قبل 7 أعوام، مما أدى إلى فتور دبلوماسي بين البلدين فترة طويلة.

ولا يريد النواب تكرار ذلك، في وقت تتفاوض الصين والنرويج على اتفاق للتجارة الحرة.

انتقادات مستمرة لجائزة السلام

وتتعرض جائزة نوبل للسلام لانتقادات بالتسييس، وقال تقرير سابق لصحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) الأميركية إن جائزة نوبل للسلام منحت خلال 3 عقود الماضية 6 مرات على الأقل لفائزين تحوم الآن شكوك حول مدى استحقاقهم فعليا لنيلها.

واعتبر تقرير الصحيفة أن من بين من منحوا الجائزة هناك من أمر قوات بلاده بسحق مقاومة تتحدى سلطة الدولة، ومن تجاهل عمليات إبادة جماعية ضد أقليات، ومن دفع في اتجاه تحقيق نتائج سلمية، لكن يبث لاحقا أن ما أنجز مخرجات هشة وغير فعالة.

وأردفت الصحيفة أن اللجنة النرويجية المكلفة باختيار الفائزين منحت الجائزة 6 مرات على الأقل في العقود الأخيرة لفائزين اعتُبرت تصرفاتهم وسلوكهم -سواء قبل منح التكريم أو بعده- غير جديرة، أو حتى عبثية في بعض الأحيان.

—————–

المصدر: الصحافة الأميركية + الفرنسية + الجزيرة