عاشت الأمة الإسلامية ردحا من الزمن تحت انتداب وسيطرة الاستعمار الغربي فقد أنشب الاستعمار الغربي أظفاره في قلب العالم الإسلامي فنهب خيراته وغزا بلاده وغرس الإلحاد والتمرد على الدين في قلوب شبابه وناشئته بفلسفاته القائمة على أساس الإلحاد وإنكار فاطر الكون إلى حد أنه لم يبق بيت وبر ولا مدر إلا وقد احتوته العاصفة الغربية.

لم يكتف الغرب بنهب الخيرات وامتصاص الأموال وغصب العقول المفكرة للعالم الإسلامي بل أجلب بخيله ورجله على كثير من الدول الإسلامية التي أبت الخنوع والاستسلام فغزاها في عقر دارها وأقض البيوت على رؤوس أصحابها.

تجنيد العلمانيين

كان من إحدى عوامل نجاح الغرب في إحكام السيطرة على العالم الإسلامي هو تجنيد العلمانيين الذين تلقوا العلوم من الغرب وأعجبوا بحضارته وفلسفاته وعلومه ومنحوا في البلاد الغربية شهادات راقية أهلتهم لتولي المناصب الكبيرة في بلادهم عند العودة،

فتربعوا على عرش الزعامة وهم يتحمسون كل التحمس لنشر كل ما يتعلق بالغرب وفلسفاته ومحو كل ما يمت إلى الإسلام بصلة، كما وتلقوا دعما وتصفيقا من القوى الغربية،

وكان جلوسهم على كرسي الحكم محنة كبيرة للعالم الإسلامي،

وقد كفوا الغرب قتال المسلين واضطلعوا بأعباء المسؤولية التي وكلت إليهم من أسيادهم الغربيين

وفتوا عن عضد الإسلام وقضوا على كل جماعة أو حركة أو حزب أو نهضة تدعو إلى الإسلام من جديد وتحمسوا لإزالة الشعائر الدينية تحت ذريعة مسميات ما أنزل الله بها من سلطان.

وزاد الطين بلة أن العلمانيين بعد أن أحكموا سيطرتهم على البلاد الإسلامية

وبخاصة بعد سقوط الخلافة العثمانية استشرى فيهم الفساد وابتزوا أموال المسلمين بحيل مختلفة،

وأصبحت خيرات البلاد إما تدر إلى أسيادهم الغربيين أو تكتنز في البنوك الغربية،

فعاشت البلاد الإسلامية في فقر مدقع، وعم الجوع والفقر بين الشعوب الإسلامية،

والكثير مات جوعا وعدد كبير منهم فرّ هاربا إلى البلاد الراقية طلبا للزرق وفرارا من سطوة العلمانيين المستبدين وبطشهم.

إن تاريخ العلمانيين الدموي المليء بالخيانة والغش والظلم والاستبداد والأعمال الإجرامية والتبعية للغرب أثبت أن العلمانية شجرة موبوءة مستقذرة تعافها الشعوب الإسلامية وقد جربتها غير مرة فوجدتها لا تكاد تستساغ،

ولكن على أن لهم السلطة الإجبارية والدعم المادي من الغرب والصهونية لذلك تجدهم يحكمون الشعوب الإسلامية بالحديد والنار على رغم أنف المسلمين.

إن العلمانية تعني باختصار

إقصاء الدين عن حياة المسلم، وإدخاله في حظيرة الكفر والفسق والفجور،

إن العلمانيين يريدون أن يصبح المسلمون نسخة صادقة من الغرب العلماني الملحد

وأن لا يحتفلوا بالدين في أي مجال من مجالات الحياة، إنهم يريدون أن نكون ندا للغرب في حلوه ومره، في طبيه وخبيثه،

وأن يكون الغرب هو الحاكم المطلق والمشرع والمقنن ولا يكون أي دخل للدين والإسلام في أي مجال من مجالات الحياة،

لذلك قد تجدهم يصرّحون في خطاباتهم وكلماتهم ما يؤدي إلى الكفر البواح والخروج عن ربقة الإسلام والدين،

ولولا الخوف من الثورة عليهم لأعلنوا خروجهم عن الإسلام وارتدادهم بكل صراحة،

مع العلم بأنهم ليسوا سواء إذ إن بعضهم يلتزم بالشعائر الإسلامية في حياته وقد يصلي ويقرأ القرآن.

إن العلمانية خطر عظيم على الإسلام والمسلمين فهي تتحمس لهدم الدين وسلخ المسلمين من دينهم وعقيدتهم،

كما تسعى لتحطيم الأخلاق ونشر الخلاعة والفجور والإباحية في المجتمعات الإسلامية،

ولو فسح لهم المجال لما تركوا في المسلمين إلا ولا ذما ولشهّروا سيوفهم على رقاب المسلمين ولكن الله سلم وصان المسلمين من مؤامراتهم الدنيئة ومخططاتهم الخبيثة.

ومن سوء حظ العالم الإسلامي

أن العلمانيين لم يعادوا الإسلام عداء سافرا ليجتنبهم المسلمون ويقوا شرهم بل تقمصوا بلباس التمويه والتخديع

واتخذوا شعارات براقة رائقة فنجحوا في جذب عدد كبير من المسلمين بما أثاروه من شبهات وشكوك حول الإسلام،

وبفضل بريقهم ودعاويهم الخلابة التي ظاهرها تقدم وحضارة وباطنها من قبلها العذاب.

وبذا أصابوا المسلمين في الصميم وخدموا الغرب والصليبية الحاقدة خدمة لا يستهان بها.

ترى،هل يرضى المسلمون بالحكم العلماني أم سينفضون ويقومون في وجهه؟!

يبدو أن كثيرا من الشعوب الإسلامية بدأت تعي خطر العلمانية على الإسلام والمسلمين بعد أن عاشت برهة من الزمن تحت حكمهم.

ويبدو من الانتخابات التشريعية في بعض البلاد الإسلامية وفوز الإسلاميين أن العلمانية تبدأت في الأفول،

وأن صنم العلمانيين قد انكسر ولم يعد الغرب صديقا وفيا لهم، لأنه أدرك أنه قد انقضى تاريخهم.

♦♦♦

[مجلة «الصحوة الإسلامية» العدد الـ (١٣٣)، الصادرة شهريا عن جامعة دار العلوم زاهدان، إيران].

عبد الرحمن محمد جمال

من عبد الرحمن محمد جمال

مدرس بجامعة دارالعلوم زاهدان - إيران، مهتم بالأدب العربي وعلوم الحديث وقضايا الفكر والوعي الإسلامي.