د. حسن سلمان، باحث في الدراسات الشرعية والسياسية

المقاصد الشرعية هي الغايات والحكم والمعاني الملحوظة للشارع (المشرع) في جميع أحوال التشريع أو في معظمها والحديث عن مقاصد الصيام المراد به الغايات والحكم والمعاني التي قصدها الشارع من فريضة وشعيرة الصيام حتى يكون قصد المكلف من القيام بها موافقًا لقصد الشارع فينال القبول والقربى من الله ويحقق المقصود من الشعيرة في نفسه هدايةً وصلاحًا وتزكيةً وفلاحًا.

وآيات الصيام وردت كلها في سورة البقرة مجتمعة ومن خلالها تم تحديد غالب الأحكام والحكم والمقاصد ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم في سنته تفصيل ما أجمل وتفسير ما أشكل وتقييد ما أطلق من أحكام وحكم ومن خلال النصوص الشرعية كتابًا وسنة يمكن الوقوف على المقاصد العامة للصيام وفقًا للنقاط التالية:

أولًا / التقوى:

تعتبر التقوى من أعظم وأجل المقاصد المنصوص عليها في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى:

(أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة 183]

وكما ورد مقصد التقوى في مطلع الآيات باعتباره المقصد الكلي للصيام فقد ورد في نهاية الآيات باعتباره مقصدا للأحكام والحدود الجزيئة 

وذلك في قوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [البقرة 187]

وحقيقة التقوى تتمثل في كونها سلوك إنساني يرتقي بصاحبه إلى حسن العلاقة مع الله وخلقه

وترك العدوان والكف عن اقتحام وتجاوز الحدود والسعي في العمل الصالح

والابتعاد عن المحارم والمنكرات كل ذلك مصحوبا بالخوف من الله والعمل بكتابه والزهد في الدنيا

والاستعداد للرحيل إلى الآخرة جاعلا من كل ذلك وقاية بينه وبين عذاب الآخرة

قال تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة 281]

(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [آل عمران 131]

وقد اعتنى القرآن الكريم بهذه القيمة عناية عظيمة وتكررت في الكثير في سور القرآن تأكيدًا لأهميتها قال ابن العربي في ذلك:

(لم يتكرر لفظة في القرآن مثل تكرار لفظ التقوى اهتماما بشأنها)

ومن خلال الترتيل القرآني نجد أن التقوى مدارها على ثلاثة معاني وهي الإيمان والخوف والطاعة

وهي عوامل تأخذ بعضها ببعض وأن المتقين هم من توفرت فيهم مقومات التقوى وأن التقوى هي المطلوب الأسمى في دعوات المرسلين جميعًا،

قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) [الشعراء 108] ولئن كانت العبادة هي غاية خلق الجن والإنس فإن غاية العبادة هي تحقيق التقوى

كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة 21] .

والتقوى في القرآن الكريم

نجدها غاية لكافة الأحكام التشريعية في المعاملات المعاشية للإنسان في شؤونه الخاصة وعلاقاته المجتمعية داخليا وطبيعة علاقاته في السلم والحرب مع المجتمعات الأخرى وأنظمتها السياسية

(الزواج، الطلاق، الوصية، الميراث، القصاص، الجهاد، العهود والمواثيق، حفظ الحقوق المالية، أداء الأمانات، النزاعات والصلح، التخلص من الربا واستغلال الناس …..إلخ)

كلها مقرونة بالتقوى باعتبارها الغاية العظمى للسلوك البشري في إصلاح العمران وتحقيق الاستخلاف

وخلاصة القول فإن التقوى غاية العلاقة التعبدية الشعائرية كما أنها غاية العلاقات المعاشية البشرية

وعند غياب التقوى يكون الفساد والعدوان والخسران الذي لا تستقيم به الحياة الإنسانية في الدنيا

ولا يصلح به مصير العباد في الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار قال تعالى: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا) [مريم 63] .

ثانيًا: الذكر والدعاء:

ومن المقاصد العظيمة الواردة في آيات الصيام مقصد الذكر والدعاء وهما من المقاصد العظيمة للصيام

وقد وردت الآيات بذلك في قوله تعالى: (وَلِتكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ) [البقرة 185]

وقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)

[البقرة 186]

والذكر والدعاء فيهما الاعتراف به ربا وإلها وتحقيق عبادته جل جلاله ومراقبته وحبه وطاعته والحاجة إليه وعدم الغفلة عنه أو نسيانه

وقد أمرنا تعالى أن نذكره كثيرًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) [الأحزاب 41]

وجعل قلة الذكر من علامات المنافقين قال تعالى عنهم: (وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء 142]

وشهر رمضان يجب أن يكثر فيه العبد من الذكر والدعاء لأنه يكون أقرب للإجابة والقبول .

ثالثًا: الشكر:

ومن المقاصد العظيمة لشعيرة الصيام مقصد الشكر وحقيقته

(ظهور أثر نعمة الله على العبد ثناءً واعترافًا)

وشكر النعم والثناء على المنعم بها هو نقيض كفر النعم والمنعم والذي هو من طباع النفوس اللئيمة الوضيعة الجاهلة بحقيقة النعم وفضل المنعم وهو الصفة الغالبة في الناس والعياذ بالله

قال تعالى: (وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) [البقرة 243]

ونعم الله (الظاهرة والباطنة) على عباده لا تعد ولا تحصى وقد تعهد الله بزيادتها مع الشكر وزوالها مع الجحود والكفر

قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم 7]

ولهذا قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

(إن النعمة موصولة بالشكر والشكر يتعلق بالمزيد وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد)

ولما كان مقام الشكر من أعظم المقامات للعبد عند ربه فقد كانت محل نظر إبليس اللعين في سعيه وهمته وتلبيسه على الناس ليصرفهم عن مقام الشكر والشاكرين

حيث قال:

(ثمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)

[الأعراف 17]

ويتأسس مقام الشكر على خمس قواعد هي:

خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمه، والثناء عليه، وأن لا يستعمل النعم فيما يكره المنعم.

ومن جميل الفضل والإحسان مقابلة الشكر من العبد بالشكر من الرب يوم القيامة وهي منزلة عظيمة ومقام رفيع قال تعالى:

(إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا) [الإنسان22]

ولئن كانت هذه بعض المقاصد التي أردنا منها التنبيه لما سواها من المقاصد مثل مقصد الصبر والمراقبة

والتكافل الاجتماعي وتحرير النفس من الشهوات والانتصار عليها وتحقيق الرشد السلوكي والعقلي

ورعاية الأوقات والحفاظ عليها مع ما يحصل للعبد في بدنه من صحة وعافية

كلها مقاصد مرعية للشارع وعلى العبد الالتفات إليها عند التعبد بالصيام والحمد لله رب العالمين.

د. حسن سلمان

من د. حسن سلمان

باحث في الدراسات الشرعية والسياسية