قرابة 90 يومًا والحرب الروسية الأوكرانية لا تزال تدور رحاها دون بارقة أمل في وضع نهاية قريبة لها، وقد خلفت المعارك الكثير من الدمار والخراب في العديد من مدن أوكرانيا، وأتت على البنية التحتية بصورة أرجعت أوكرانيا إلى ميقات الحرب العالمية الثانية!

الأمر الذي يجعل ضرورة للسؤال عن  موعد إعادة الإعمار وكلفته المقررة ومن يتحمل الجانب الأكبر منها، ومن سيستفيد حال شرعت القيادة الأوكرانية فيه؟

 

تقرير صحفي

ويشير تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” إلى أن مرحلة إعادة تعمير أوكرانيا ستعتمد على مدى تقاربها مع الاتحاد الأوروبي، واستهداف بؤر الفساد في الدولة.  

 

فالقصف الروسي العشوائي لم يستثن المستشفيات والمسارح والمدارس ومكاتب البريد، بالأخص في المناطق الواقعة شمال غربي كييف، والتي تحمل بصمات فشل روسيا في محاولة الاستيلاء على العاصمة، منذ بدء عمليتها على أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي. 

 

وتضرب الصحيفة مثالا بمنطقة بوروديانكا، التي شهدت الحد الأكبر من الدمار، وتشير إلى أنه رغم أن العاملين في البلدية تمكنوا من إزالة معظم الأنقاض من المباني المدمرة، إلا أنه لا يمكن إخفاء الدمار الذي حل بالمدينة ومبانيها الخدماتية الأساسية. 

 

وفي قائمة يرجع إليها نائب المحافظ، جيورجي يركو، يظهر 397 مبنى، من بينها 9 مبان سكنية عالية، و17 ألف متر مربع من الزجاج المتناثر، وعند سؤاله فيما لو كان بإمكانه وضع ثمن للخسائر الفادحة، يهز برأسه نفيا، ولدى سؤاله حول من يجب أن يدفع ثمن الإصلاح، يجيب: روسيا، وفقا للصحيفة، مضيفا “يجب على الطرف المخرّب أن يكون الطرف الذي يدفع” الثمن. 

 

ورغم استمرار الحرب ومواصلة الدمار، بدأت دول الغرب التي تدعم أوكرانيا بوضع خطة لمساعدة البلاد في إعادة التعمير، في خطوة قد يشهدها العالم لأول مرة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. 

 

ويحذر المسؤولون في هذه الدول من أن خطة إعادة التعمير ستكون مكلفة ومعقدة، بحيث لن يتوجب فقط بناء المباني الحكومية والسكنية، بل أيضا إعادة إنشاء القطاع الخاص وتأسيس الاقتصاد المتهالك منذ 8 سنوات من الصراع، الذي تمثل بالاستيلاء على إقليم القرم وقتال الانفصاليين الموالين لموسكو شرقي البلاد. 

 

التأسيس من الصفر

وتؤكد الصحيفة أن مصير عملية إعادة التعمير بعد انتهاء الحرب سيقتصر على تساؤلات “مصيرية” حول أوكرانيا، والتي أكسبتها الحرب أهمية أساسية، هل يمكن للدولة أن تخلّص نفسها من الفساد ونظام الحكم النخبوي؟

وهل يمكن لأوكرانيا إنشاء علاقة ثابتة ووثيقة مع الاتحاد الأوروبي قد تفضي بها إلى اكتساب عضويته؟ وهل تدفع روسيا ثمن الدمار الذي أحلّته في حربها؟ 

 

تنقسم آراء المسؤولين الأوروبيين حول ما إن كان يتوجب مناقشة عمليات إعادة التعمير رغم استمرار الحرب وعدم احتمال نهايتها في القريب العاجل، لكن الصحيفة تشدد على أنهم يتفقون على أن إساءة تنفيذ خطة إعادة التعمير من شأنها أن تخلّف آثارا جسيمة على أوكرانيا، وأمن أوروبا بأسرها. 

 

وتحذر الخبيرة الاقتصادية في البنك الأوروبي للتنمية وإعادة التعمير، ​​بايتا جافاروسيك، من ذلك قائلة: “هناك الإقبال الهائل من المجتمع الدولي والقطاع الخاص في إعادة تعمير أوكرانيا، لكن دوام هذا الحماس سيعتمد على حجم المال المنفق أيضا”. 

 

وتضيف أن “الوضع الذي يمثل التحدي الأكبر يكمن في إعادة بناء الإطار المؤسساتي: أوكرانيا لم تكن تملك نموذجا فيما يخص بيئة الأعمال أو المؤسسات ذات الجودة العالية قبل الحرب”. 

 

وفي كل الأحوال، تكمن أولوية حلفاء أوكرانيا في الوقت الحالي بتوفير الأسلحة والمساعدات الإنسانية والسيولة التي تحتاج إليها البلاد لسد الثغرة الاقتصادية، التي تقدر بحوالي 5 مليار دولار شهريا، وفقا لـ “فايننشال تايمز”. 

 

ويقول الباحث في مركز “التطوير الدولي” في واشنطن، سكوت موريس إن “أي جهود متبقية لإعادة تعمير اقتصاد الدولة، بالإضافة إلى البنى التحتية، سيكون متاحا فقط إن كانت هناك بيئة ‘استقرار بحكم الواقع أو بحكم القانون'”. 

 

ورغم ذلك، تعمل الحكومة الأوكرانية على إعادة تعمير المناطق التي توقف فيها القتال، وبدأ خبراء الاقتصاد في البلاد بإحصاء حجم الخسائر التي أحلت بها، وذكرت الصحيفة أن ناتاليا شابوفال، الخبيرة في “كلية كييف لعلوم الاقتصاد”، بدأت بتصنيف الخسائر في قاعدة بيانات لتجمع المعلومات من المصادر الحكومية والبيانات الرسمية. 

 

وتقدر الكلية حجم الأضرار المباشرة من الحرب الأوكرانية بحوالي 92 مليار دولار، أما حسابات التنمية والاستثمار وتأسيس القواعد الاقتصادية فتقدّر ما بين 500 مليار إلى 600 مليار. 

 

وتؤكد شابوفال أهمية البدء بإعادة التعمير مباشرة، وإلا فإن تأجيلها سيزيد من العبء المالي على الدول المانحة في المدى الطويل. 

 

نصيب الأسد

الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، أكد بنفسه أهمية البدء مباشرة في إعادة تعمير بلاده، مطالبا بالحصول على نسخة “محدّثة” من خطط مارشال، التي استخدمت لإعادة تعمير أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، ومضيفا أنها يجب أن تشكل “التكنولوجيا وخبراء وفرصا للتنمية”. 

 

كما دعا الرئيس الأوكراني إلى الإسراع في ضم بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، مطالبا بمنحها الأولوية بسبب الحرب.  

 

وتثير هذه النقطة جدلا بين الأوساط الأوروبية، فهناك من ينتقد ضم دولة في حالة حرب، كما أن هناك دولا أخرى قدمت بطلبات للعضوية ولا تزال تنتظر دورها. 

 

ومع أن العديد من المسؤولين في بروكسل موقنون أن أوروبا ستدفع “حصة الأسد” من مصاريف إعادة التعمير، إلا أنهم يعتبرونها فرصة لوضع التشريعات وإجراء التعديلات لتأسيس أوكرانيا في مرحلة بعد الحرب تحضيرا لضمها إلى الاتحاد الأوروبي. 

 

ويأمل الاتحاد الأوروبي أن يتمكن من جذب المستثمرين وتقوية الدولة عقب الحرب. 

 

فرصة من قلب الحرب 

 

تشير “فايننشال تايمز” إلى أن من أبرز العوائق التي سيتوجب على أوكرانيا تجاوزها هو الفساد المتأصل بمؤسساتها، للحرص على عدم سرقة أموال المستثمرين والمتبرعين وبناء أساس أكثر متانة للدولة وعلى المدى الطويل. 

 

ويقول وزير المالية الأوكراني، سيرغي مارتشينكو، إن الأولويات الفورية تتمثل في تصليح الجسور والنوافذ وإعادة خدمات الكهرباء والمياه للمدن المتضررة ، لكنه أكد أيضا أنها تعد “فرصة” لإعادة النظر في الخيارات الاقتصادية للدولة وأهمية الإصلاحات المطلوبة بالأخص قوانين مكافحة الفساد والإعلاء من أهمية حكم القانون. 

 

لكن بروفيسور علم الاقتصاد في جامعة بيركلي، يوري غورودنيتشيكو، يحذر من أن أوكرانيا كانت قد فشلت في الإيفاء بتعهداتها للحصول على دعم مالي من المجتمع الدولي. 

 

إذ خلص تقرير صدر عن “المحكمة الأوروبية لمراجعة الحسابات” في سبتمبر الماضي، إلى أنه على الرغم من الجهود المتكررة التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لتحسين سيادة القانون هناك ، فإن “الفساد الكبير والاستيلاء على (أموال) الدولة منتشران في أوكرانيا: بالإضافة إلى إعاقة المنافسة والنمو، فإنهما يضران أيضا بالعملية الديمقراطية”.

 

ويضيف البروفيسور الأوكراني “آمل أن تكون هذه التجربة مختلفة .. لكن في الواقع مؤسساتنا ضعيفة للغاية، لهذا نحتاج  إلى مناورة خارجية”، مثل احتمال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. 

الأمة ووكالات

من أبوبكر أبوالمجد

صحفي مصري، متخصص في الشئون الآسيوية