لا توجد ضمانة حقيقية على أن ما نقرأه في كتب التاريخ صادق أو حقيقي مئة بالمئة..

كيف نصدق المكتوب في التاريخ وقد رأينا بأم عيننا تاريخا يتم تزييفه جهارا نهارا أمام من عايشوه وشهدوا على أحداثه، فمن عاش أحداث ثورة 25 يناير 2011 ثم الانقلاب عليها في 30 يونيو 2013، مؤكد أنه سمع وشاهد وقرأ، كيف أنهم زيفوا التاريخ وقلبوا حقائقه، وحولوا الحق إلى باطل والباطل إلى حق.. ومن أسف فكل الذين سارعوا لكتابة تاريخ تلك المرحلة وتوثيق أحداثها بالتزييف والكذب، كانوا ممن يحلوا للناس وصفهم بالنخبة من الأدباء والمفكرين والمثقفين والكتًاب وممن يقرأ لهم الناس ويثقون في كتاباتهم ويصدقونها، ولو أن الناس أعملوا عقولهم وأمعنوا النظر في مواقف هؤلاء النخبة، قبل وبعد الانقلاب على ثورة 25 يناير، التي تبدلت من الإيمان الشديد بثورة يناير ومبادئها إلى المشاركة في الانقلاب عليها ومحق كل مكتسباتها، لرأوا كيف أن هؤلاء النخبة بلا مبادئ أو قيم تحكم أقوالهم ومواقفهم، وهو ما يطعن في شهادتهم وأمانة كلمتهم.

نعم الحشود التي شاركت في 30 يونيو كانت كبيرة وقريبة الشبه بحشود ثورة يناير، لكن ما لا يجب إغفاله أو التجاوز عنه، هو أن مشاركة الناس في يناير كانت تلقائية وبحضور كل فئات وطوائف الشعب المصري، وبمقاومة إعلامية شديدة، أما 30 يونيو فكانت المشاركة فيه قاصرة على فئات بعينها، جلهم من الكارهين للإسلاميين عامة وللإخوان المسلمين خاصة، وممن يعانون من الإسلاموفوبيا، لكن جميعهم كانوا مدفوعين بقوة الشحن الإعلامي المعلن، والتحريض العسكري المستتر، والتمويل الخليجي السخي.

سقوط النخبة في اختبار الوعي

قد يرى البعض أن ما حدث في 30 يونيو كان انتصارا ساحقا لمن أيدوه وشاركوا فيه، وهزيمة ماحقة لمن رفضوه وانحازوا لثورة يناير، لكن الأيام مرت سريعة جدا، والنتائج جاءت أسرع مما توقع الناس، ليكتشف أنصار 30 يونيو أن هزيمتهم في هذا اليوم كانت أكبر وأفدح من هزيمة أنصار ثورة يناير، فقد اكتشف المشاركون في هذه التظاهرات، أنهم تعرضوا لخديعة كبرى من العسكر، وأنهم كانوا مجرد مطية ركبها العسكر للوصول إلى هدفهم بالانقلاب على ثورة يناير وعلى حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، وزاد الإحساس بالنكسة وخيبة الأمل عندهم، بعدما تنكر العسكر لجميل صنيعهم، بل والتعامل معهم بنفس الخشونة والقسوة التي عاملوا بها أنصار ثورة يناير من تضييق وإقصاء وملاحقة وتشريد واعتقال واخفاء قسري، فضلا عن تغييبهم وحرمانهم من الظهور الإعلامي..

وإذا كان نزول الجماهير في 30 يونيو، رآه الملايين من عامة الناس والبسطاء في مصر، أنه انقلاب عسكري صريح، هدفه الإطاحة بالرئيس الشرعي والسطو على الحكم، فالغريب أنك تجد الذين وقعوا في فخه وظنوه ثورة، كانوا من كبار الصحفيين والمثقفين وخبراء التاريخ، ممن يفترض فيهم أنهم الأكثر قدرة على القراءة والتحليل والتنبؤ..

أما الطريف هو أن تلك الفترة التي شهدت نشاطا غير مسبوق في التنظير من الكتًاب السياسيين والمؤرخين والمثقفين، كانت كل التنظيرات تركز على حاجة المواطن المصري للوعي، وأن الوعي هو بداية الطريق للوصول إلى ما سبقنا إليه الغرب، وأنه لا نجاح للديمقراطية المنشودة إلا بوعي المواطن، وراحت الخطب للداعية لتوعية المواطن تستحوذ على غالبية ما يقال في الإعلام، لكن وعندما حانت لحظة اختبار الوعي عند الانقلاب على ثورة يناير، وجدنا هؤلاء المنظرين هم أول من رسبوا في اختبار الوعي، والناجح فيه هو المواطن البسيط الذي يراه النخبويين يحتاج للوعي، والأسماء الراسبة في اختبار الوعي من النخبويين، أكثر من أن تعد أو تحصى، لكني سأكتفي بذكر تصريحين لأسمين فقط ممن يصنفهم المجتمع على أنهم من صفوة المثقفين.. 

الأول هو الأديب الدكتور علاء الأسواني والذي قال أثناء مشاركته في مؤتمر عقد باتحاد الكتاب يوم السبت 21 يوليو 2013 في تعريفه للانقلابات العسكرية: «إن الانقلاب تقوم به مجموعة عسكرية للاستيلاء على السلطة وتمارس الحكم ولكن ما جرى في 30 يونيو تحرك شعبي لسحب الثقة» الأسواني اكتشف مبكرا أنه أخطأ التقدير ولذلك فر من مصر خوفا من بطش العسكر، بعد أن تعرض للتضييق الأمني لمنعه من الظهور الإعلامي والتعبير عن أرائه.

الثاني هو الدكتور عمرو حمزاوي أستاذ السياسة العامة بالجامعة الأمريكية في القاهرة، والذي قال في مقال نُشر بجريدة الوطن المصرية يوم السبت السادس من يوليو 2013: «شاركت في 30 يونيو لقناعتي بضرورة وقف كافة انتهاكات حقوق الإنسان التي تكررت خلال عام رئاسة الدكتور مرسى الأول وتكرر بصددها الإفلات من العقاب واستمر غياب إصلاح الأجهزة الأمنية.. شاركت لكي تنتهي ممارسات السحل والتعذيب والقبض الانتقائي، ولكي يختفي التعقب الانتقائي لمواطنات ومواطنين جريمتهم هي معارضة الرئيس المنتخب ورفض سياساته والتعبير عن رأيهم بصورة علنية»

عمرو حمزاوي أيضا كان واحدا ممن اكتشفوا لاحقا خيبتهم بالمشاركة في 30 يونيو بل وأعلنوا ذلك، بعد أن ترك مصر هاربا أيضا من بطش العسكر، قبل أن يعود إليها مرة ثانية ذليلا كسير الجناح!!

أكبر مكاسب الانقلاب

المؤكد أن العامة من الناس لا ترى مكاسب من الانقلاب -أي انقلاب- لكن أصحاب البصيرة يعلمون أنه ما من مصيبة تقع إلا وفيها خير، فالله لا يقدر للمؤمن شرا وإلا وطمر فيه الخير، والخير قد يكون الاستفادة من التجربة والعظة بها، أو التمحيص والاختبار وفرز الغث من السمين، وغير ذلك من المكاسب الخفية التي يقدرها الله وتكون دائما خير للمؤمن.. أما إذا أردنا المكاسب التي تحققت فعلا ورآها الناس رأي العين، فهي كثيرة، وأظن أن أهمها فضح المنافقين ممن تظاهروا بتأييد ثورة يناير والفرحة بمكتسباتها بما في ذلك وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم، وهم في الأصل كارهين لكل ما هو إسلامي، وقد رأيت بأم عيني صحفيين يعملون معي في مؤسسة أخبار اليوم وقد أطلقوا لحاهم وحملوا في أيديهم السبح والأسوكة وكل مظهر يعتقدون أن الإسلاميين يفعلوه وهم الذين كانوا قبل حكم الإخوان لا يركعوها، بل إنهم في الانتخابات الرئاسية كانوا يستقتلون في دعم الفريق أحمد شفيق ضد مرسي، ولما نجح مرسي تظاهروا بدعمه في الانتخابات، المستحون منهم، هم من برروا ذلك بقولهم إنهم عصروا على أنفسهم الليمون لانتخابه!

الحديث ذو شجون وما حدث من 25 يناير 2011 إلى 3 يوليو 2013 لن يٌمحى من الذاكرة حتى وإن أرادوا طمسه وتغييره بتزييف التاريخ، وفي كل الأحوال يظل الحدثان «ثورة 25 يناير وانقلاب 30 يونيو» بينهما برزخ لا يبغيان!!

من أحمد سعد

كاتب صحفي مصري